الوقت_ مؤخراً حذّرت حركة "حماس" من التداعيات الخطيرة، المترتبة على تصاعد عدوان الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين بحقّ المسجد الأقصى ومدينة القدس المحتلة، بالتزامن مع أخطر وأوسع عدوان منذ احتلاله، رسالة وجهتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مؤخراً للشعب الفلسطينيّ الرازح تحت نير الإرهاب الإسرائيليّ، مشددةً على أنها تراقب سلوك الكيان الصهيونيّ لـ”اتخاذ الموقف المناسب"، وذلك بالتزامن مع ازدياد هجمات العصابات الصهيونيّة على الأقصى، في ظل اعتداءات واسعة النطاق على أقدس مقدسات الفلسطينيين، ما يشي باحتماليّة كبيرة لأن تفتح أبواب جهنم على تل أبيب التي اختارت تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام، حيث يتوقع أن تنفجر الأوضاع نتيجة التمادي الإسرائيليّ الذي وصل حدوداً خطيرة للغاية، حيث يشهد المسجد الأقصى المبارك اقتحامات مكثفة من متطرفين يهود، بدعم لا محدود من شرطة الاحتلال الصهيونيّ، ناهيك عن الجولات الاستفزازيّة التي ينظمها الصهاينة المحتلون في أنحاء متفرقة من باحات الأقصى، وقيامهم بأداء “طقوس تلمودية” في ساحات المسجد المبارك، مع تأمين قوات العدو الحماية الكاملة لاقتحامات المستوطنين المتشددين، في محاولة لتقسيمه وفرض الهيمنة الكاملة عليه.
حرب ضد المقدسات
دوماً تؤكّد حماس أنّ اقتحامات المسجد الأقصى انتهاك لكل القوانين والأعراف الدوليّة واستفزاز لمشاعر الشعب الفلسطينيّ والأمتين العربية والإسلامية والمقاومة، وأنّ الاحتلال يشن حربا ممنهجة ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين في إطار استهداف هوية المسجد الأقصى ومدينة القدس المقدسة، وتسعى حماس عبر تحركات شعبية وفصائلية واتصالات مع مختلف الأطراف لوقف السلوك الاستفزازي من قبل الاحتلال بالمسجد الأقصى، وخاصة مع محاولة "إسرائيل" الجديدة لفرض الأمر الواقع ضمن هذا الصرح الدينيّ المقدس، إضافة إلى استماتة سلطات الاحتلال لتغيير معالم المدينة المقدسة وتهويدها، بهدف بسط السيطرة الصهيونيةّ الكاملة على المسجد الأقصى المبارك، والمقدسات التاريخيّة للشعب الفلسطينيّ، وإنّ مشاهد اقتحام المستوطنين للمسجد تهدد الساحة الفلسطينيّة برمتها، ناهيك عن استمرار الاقتحامات اليوميّة للمسجد الأقصى في الوقت الذي يخطط فيه العدو الصهيونيّ لعزل القرى الفلسطينيّة شرق مدينة القدس بالكامل، ضمن ما يسمى مشروع “القدس الكبرى”.
وفي الوقت الذي ترى فيه حماس أنّ اعتداءات الاحتلال المتصاعدة في الأقصى مؤشر خطير لما هو قادم، تتحمل "إسرائيل" المسؤولية الكاملة عن اقتحامات المستوطنين والاعتداءات في المسجد الأقصى، وإن رسالة حماس تأتي في ظل تصاعد تجاوزات قوات الاحتلال الغاصب بحق المقدسات الإسلاميّة في فلسطين التاريخيّة، ومن ضمن تلك الانتهاكات، العدوان على المسجد الأقصى المبارك بشكل خاص إضافة إلى قبة الصخرة المباركة والمدينة المقدسة، حيث يتعرض هذا المسجد المبارك لاقتحامات شبه يومية، في محاولة لفرض تقسيم زمانيّ ومكانيّ فيه، وتزداد حدة هذه الاقتحامات وشراستها في موسم الأعياد اليهوديّة.
"مسيرة الأعلام اليهوديّة جرت هذا العام بشكل حاقد وغير مسبوق، وتخللها هتافات تحريضية ومُسيئة للمسلمين"، حقيقة أشارت إليها حركة المقاومة الإسلاميّة التي جددت التأكيد على أنّ المقاومة الفلسطينية لن تتخلى عن مسؤولياتها إزاء ما يحدث في المسجد الأقصى الذي يتعرّض لأخطر وأوسع عدوان منذ احتلاله، واقتحامات المستوطنين تشكّل مرحلة جديدة من تهويد المسجد المبارك، وبالتالي إن ما يقوم به الاحتلال في الأقصى سيدفع باتجاه احتدام الصراع معه، حيث إنّ التصعيد الإسرائيليّ المكثف يمكن ببساطة أن يجر الساحة الفلسطينيّة إلى حرب شعواء، وفي حال ساهمت القرارات الإسرائيليّة بتوتير الأوضاع سيعني ذلك موافقة صريحة على التصعيد في القدس، بيد أنّ فصائل المقاومة الفلسطينيّة تؤكّد بشكل مستمر على عدم وجود وقف لإطلاق النار مع الكيان الصهيوني المحتل وتشدّد على أن المقاومة مستعدة لخوض الحرب للدفاع عن الفلسطينيين ومقدساتهم إذا اشتدت جرائم العصابات الصهيونيّة.
ومن الجدير بالذكر أن المستوطنين رفعوا علم الاحتلال في ساحات الأقصى، ومنعت سلطات الاحتلال أذان العشاء في المسجد المبارك، حيث استمرت اعتداءات الاحتلال بشكل متصاعد، وتبعها اقتحام الوزير المتطرف إيتمار بن غفير للأقصى وتدنيسه للمرة الثانية في غضون أيام، فيما يبدو أنّ الصهاينة يعلنون الحرب على هذا الشعب الذي ارتُكبت بحقه الكثير من المذابح والمجازر في الداخل والخارج، حيث إنّ اقتراب حدوث المعركة وانفجار الأوضاع وعودة إطلاق الصواريخ من قطاع غزة رداً على الاعتداءات الإسرائيليّة أقرب مما نتخيل، وبالتالي رفع احتماليّة إطلاق الصواريخ من القطاع نحو الداخل المحتل، ويمكن أن يكون التصعيد في المسجد الأقصى بالفعل الفتيل في إشعال التوتر بشكل كبير مجدداً على الساحة الفلسطينيّة ويقود إلى جولة أخرى من الحرب، قد تدهور الأوضاع بأكملها وتُبعثر كل الأوراق السياسيّة والأمنيّة.
الأقصى خط أحمر
"المسجد الأقصى خط أحمر"، عبارة يرددها الفلسطينيون على الدوام وأثبتت الوقائع صحتها، ولا بدّ لـ"إسرائيل" فهم أنّ الهمجية والدمويّة في التعاطي مع الشعب الفلسطينيّ ربما تشعل الساحة الفلسطينيّة في أي لحظة، بعد أن أوصل الإسرائيليون خلال سنوات احتلالهم رسالة للشعب الفلسطينيّ بأنّهم غير مستعدين سوى لانتهاك الحرمات وسفك الدماء وسلب الأراضي، وفي حال استمر العدوان الإسرائيلي على القدس المحتلة والمسجد الأقصى، فإن هذا الوضع سيؤدي إلى "معركة حقيقية وصعبة".
وبالاستناد إلى أنّ التحرر من استعباد المحتل الأرعن لا يكون إلا بالمقاومة ولو بأبسط الوسائل، والحل الوحيد لقطع يد الجلاد كما يقول البعض هو وقوع "ثورة غضب" عارمة بوجه الاحتلال وعصاباته، حيث إنّ التصدي لهجمات المستوطنين وعربدتهم المتصاعدة هو السبيل الوحيد لردعهم ولحماية فلسطين وشعبها، وقطع يد قوات الاحتلال ومنعها من العربدة والتغول في أراضي الفلسطينيين عبر مخطّطات العدو الاستيطانيّة الرامية لإنهاء الوجود الفلسطينيّ السياسيّ والسكانيّ في الضفة الغربيّة ومدينة القدس.
ولا يخفى على أحد أنّ مقاومي فلسطين يؤكّدون باستمرار على أنّهم لن يتخلوا عن واجبهم في الدفاع عن المسجد الأقصى ودعم جميع أبناء شعبهم، وأنّهم لن يسمحوا للكيان الصهيونيّ الغاشم بالاستفراد بفلسطين، وأشاروا في أكثر من مناسبة إلى عدم وجود سلام أو وقف لإطلاق النار مع العدو في ساحة القدس والمسجد الأقصى، وجددوا عهدهم بأنّ الفلسطينيين يمتلكون الحق في الصلاة والاعتكاف في المسجد الأقصى، وأبدوا استعدادهم للدخول في أيّ سيناريو لمواجهة المستوطنين الصهاينة وداعميهم ومنع اعتداءاتهم.
ذاكرة إسرائيليّة ضعيفة
يؤكّد الصهاينة في تعاطيهم مع الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت نير الإجرام غير المسبوق والاستعمار العسكريّ الساديّ أنّهم أصحاب ذاكرة ضعيفة، فمن منا ينسى "انتفاضة الأقصى" أو ما يُطلق عليها الانتفاضة الفلسطينيّة الثانيةّ، التي اندلعت بعد قيام رئيس وزراء العدو الأسبق، أرئيل شارون، بزيارة المسجد الأقصى أواخر عام 2000، الأمر الذي اعتبره الفلسطينيون وقتها تدنيساً لأرض المسجد الطاهر، ما أدى لقيام شباب فلسطين بالتصدي لتلك الزيارة رغم أنّه كان بحماية 3 آلاف جنديّ صهيونيّ.
وعقب يوم واحد فقط، قامت قوات العدو الصهيونيّ بفتح النيران على رؤوس المصلين قبل الانتهاء من صلاة الجمعة وجرت مواجهات في ساحات الأقصى بين المصلين وجنود الاحتلال أسفرت وقتها عن استشهاد 7 أشخاص و250 جريحاً، ثم امتدت الاشتباكات إلى كل أرجاء فلسطين والضفة الغربيّة وقطاع غزة إضافة إلى مناطق الـ 48 ما شكل بداية للانتفاضة المباركة الثانيّة، وقدم فيها الفلسطينيون آلاف الشهداء والجرحى دفاعاً عن بلادهم وقضيّتهم.
واليوم، إنّ انتفاضة الأقصى ستبقى وفقاً للفلسطينيين تحمل إلهاماً لكل الأجيال لمواصلة النضال والمقاومة بوجه محاولات الاستئصال والإخضاع، وبعد مرور أكثر من عقدين على الانتفاضة التي حملت اسم المسجد الأقصى، لا يبدو أنّ شعور أبناء هذا الشعب قد تغيّر قيد أُنملة، رغم أنّ الكيان الصهيونيّ الذي بات يوصف بـ "العنصريّ" دوليّاً، قام منذ ولادته غير الشرعيّة على العنف المفرط والإجرام غير المعهود، حتى الصهاينة أنفسهم لا ينكرون ذلك، لأنّهم أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق ما يُعرف بمنهج "القبضة الحديديّة" وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة، فمنذ يوم 14 مايو/ أيار عام 1948، حين قام هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادته، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب، والتاريخ الحديث والجديد أكبر شاهد على الوحشيّة والدمويّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة.
ختاماً، لا يخفى على أحد أنّ اجتماع حكومة الاحتلال في الأنفاق أسفل المسجد الأقصى، مؤشر خطير للغاية، يحاول الاحتلال من خلاله جذب الانتباه للمكان، وإيصال رسالة بأننا على أعتاب مرحلة جديدة من بسْط السيطرة على الأقصى وفي كل أنحاء مدينة القدس، كما أنّ اقتحم ما يسمى وزير الأمن القومي للاحتلال المتطرف “إيتمار بن غفير”، باحات المسجد الأقصى المبارك، بحماية مشددة من قوات الاحتلال، يعد ضمن انتهاكات تل أبيب المستمرة بحقّ الأقصى، وبالاستناد إلى تزايد الرغبة الصهيونيّة في اقتحام المسجد المبارك بأساليب قذرة وإثارة مشاعر أصحاب الأرض والمقدسات، فإنّ الإسرائيليين يرغبون بأن يؤدي تصعيدهم المستمر في العاصمة الفلسطينيّة إلى جولة تصعيد جديدة مع المقاومة الفلسطينيّة في غزة والضفة والقدس، وبالأخص عقب تصعيد الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين وتحذيرات فصائل المقاومة في فلسطين من أن استمرار هذه الجرائم سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع ويصل إلى حد مرحلة خطيرة للغاية، إضافة إلى أنّ هذا التصعيد الأمنيّ حذر منه مسؤولون إسرائيليون تحسسوا خطر تصرفات حكومتهم الطائشة والسياسية الصهيونيّة العدوانية، لكن من الصعب على احتلال أن يفهم في وقت من الأوقات من احتُلت أرضه.