الوقت - وصل نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إلى طهران بهدف المشاركة في لجنة التعاون الاقتصادي بين إيران وروسيا، ومن أهم نتائج هذه الزيارة توقيع اتفاقية تعاون مشترك لبناء خط سكة حديد رشت - أستارا.
وقال كاظم جلالي سفير إيران في موسكو، في شرحه لتفاصيل زيارة الوفد الروسي إلى طهران، إنه في هذه الزيارة يرافق نوفاك بعض المسؤولين الروس، بمن فيهم وزير النقل ونائب البنك المركزي والمدير العام للجمارك، كرئيس للجانب الروسي للجنة التعاون بين البلدين.
جاء توقيع اتفاقية إنشاء خط سكة حديد رشت-أستارا نتيجةً لجولات عديدة من المفاوضات المباشرة بين الطرفين، وحسب هذه الخطة فإن المسار الغربي لممر "شمال –جنوب"، الذي يضم روسيا وجمهورية أذربيجان وإيران، لديه رابط مفقود بين رشت وأستارا، من حيث السكك الحديدية، على مسافة 162 كيلومترًا، وإذا تم بناء خط السكك الحديدية هذا، فسيتم إنشاء خط سكة حديد بين سانت بطرسبرغ والخليج الفارسي.
بدأ إنشاء خط سكة حديد قزوين - رشت البالغ طوله 164 كيلومترًا، والذي يعتبر جزءًا من ممر "شمال –جنوب" أو نوستراك، في أکتوبر 2002 وبعد حوالي 17 عامًا، وصل إلى محطة لاكان بالقرب من رشت في 15 مارس 2018.
لكن استغلال هذه القطعة لا يمكن أن يكمل أحجية إيران لإجراء تبادلات تجارية إقليمية تحت ممر شمال –جنوب الترانزيتي، لأنه كان من المفترض أن يمتد خط السكة الحديد هذا من رشت في ثلاثة مسارات منفصلة إلى ميناء قزوين وميناء أنزلي وأستارا.
طريقة للخروج من مأزق الحرب في أوكرانيا
في نهاية شتاء العام الماضي، أعلن نوفاك، النائب الأول لرئيس وزراء روسيا، أنه من خلال نقل البضائع عبر ممر شمال –جنوب، من المتوقع أن يصل إلى 32 مليون طن بحلول عام 2030.
في الوقت الحاضر، يتم تفريغ مئات الأطنان من الشحنات المتعلقة بروسيا كل يوم في محطة سرخس في شمال شرق إيران، وأصبحت هذه المنطقة طريقًا سريعًا لنقل البضائع من روسيا إلى الخليج الفارسي والهند. وسيؤدي ربط السكك الحديدية بين الشمال والجنوب إلى زيادة كبيرة في فرصة إيران لتصبح مركزًا للترانزيت في المنطقة.
في يوليو من العام الماضي، دخل أول قطار يحمل بضائع روسية إيران عبر حدود سرخس، وقام رسميًا بتوسيع الجزء الشرقي من ممر السكك الحديدية بين الشمال والجنوب. وفي ذلك الوقت، قال رئيس منطقة سرخس الاقتصادية الخاصة إن حوالي 85٪ من النقل بالسكك الحديدية في إيران يتم عبر هذا المعبر الحدودي. وتشمل هذه السلع المواد الغذائية والمنتجات الزراعية وغيرها من السلع، بما في ذلك البتروكيماويات والوقود.
وبعد الحرب في أوكرانيا، تتطلع روسيا، التي تخضع لعقوبات غربية، إلى إقامة علاقات تجارية جديدة مصممة على تعميق العلاقات مع الدول التي واصلت التجارة مع روسيا على الرغم من العقوبات الغربية. ولذلك، يعتبر ممر شمال –جنوب بمثابة شريان الحياة للنقل من سانت بطرسبرغ إلى موانئ إيران والهند.
يمكن أن يكون هذا الممر بديلاً آمنًا للطريق الحالي بين بحر البلطيق وقناة السويس، والذي تعرض أمنه للخطر بسبب التوترات بين روسيا والغرب. كما يمكن أن يساعد تجاوز قناة السويس البلدان التجارية عبر ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب على تجنب التأخير في الاختناقات، مثل الممر المائي الذي تسيطر عليه مصر.
لا يمكن تحقيق التنمية والتقدم في أي بلد دون وجود شبكة نقل سريعة وفعالة. وإيران لها مواقع جغرافية وجيوسياسية فريدة من بحر قزوين إلى الخليج الفارسي، وهذا الموقع الخاص هو سبب توسيع التعاون في مجال السكك الحديدية بين إيران والدول المجاورة.
وبالنظر إلی تأكيد المرشد الإيراني على "اقتصاد البحر" في الجنوب والشمال، وكذلك تطوير النقل البحري وأن بحر قزوين هو القطب الاقتصادي الثاني لإيران بعد الخليج الفارسي، فمن الضروري أن يكون لإيران نصيب أكبر في العبور والتجارة في ممر شمال –جنوب.
تعدّ إيران، إلى جانب روسيا، أهم دولة على شواطئ بحر قزوين، كما أن زيادة التبادل التجاري في بحر قزوين وربط شمال البلاد بالخليج الفارسي عن طريق السكك الحديدية والطرق، هي السياسة الاستراتيجية للحكومة الإيرانية.
ويوفر الممر الدولي بين الشمال والجنوب في إيران إمكانية عبور البضائع بالسكك الحديدية من الهند ودول الخليج الفارسي إلى جمهورية أذربيجان وروسيا وشرق وشمال أوروبا؛ لذلك فإن هذا الممر ذو أهمية استراتيجية لإيران والمنطقة والعالم، ويمكن لهذا الممر بشكل أساسي مساعدة الدبلوماسية السياسية والاقتصادية الإيرانية في القوقاز.
ويصبح هذا الأمر أكثر أهميةً عندما نعلم أن بعض الدول تختار حاليًا ممرات بديلة وتتجاوز إيران. على سبيل المثال، بدأت الهند في إرسال شحنات تجارية "غير خاضعة للعقوبات" إلى روسيا عبر جورجيا.
كذلك، في ظل غياب دور الموانئ والسكك الحديدية الروسية بسبب العقوبات الدولية المفروضة على موسكو، جاء خبراء البنك الدولي لمساعدة جورجيا وجمهورية أذربيجان حتى يكون لطريق العبور على طول الممر الأوسط أفضل أداء. ولذلك، سيقدم بنك التنمية الآسيوي ملايين الدولارات لجورجيا لتطوير الممر الأوسط، من أجل المساعدة في نقل البضائع والحاويات بالسكك الحديدية من آسيا إلى أوروبا بسعة أعلى.
من ناحية أخرى، على الرغم من الاستثمارات الكبيرة في الموانئ مثل شهيد رجائي(بندر عباس)، شهيد بهشتي (تشابهار)، أمير أباد وأنزلي وأستارا، ولکن نظرًا لتطور هذه الموانئ وعدم ربط خطوط السكك الحديدية والطرق بشبكة نقل فعالة، لم تتمكن إيران بعد من أن تصبح لاعبًا رئيسيًا في المبادلات التجارية الإقليمية وعبر الإقليمية والدولية. وهذا يعني الوضع المتناقض المتمثل في نقص أو ضعف البنية التحتية اللازمة لنقل الموارد إلى الأسواق الإقليمية والعالمية.
ممر "شمال –جنوب" ومكونات الأمن القومي الإيراني
يعتقد الخبراء أنه إذا استمر خط سكة حديد رشت-أستارا في الارتباط بخطوط السكك الحديدية لجمهورية أذربيجان، فإنه سيمكن من ربط ميناء عباس في الخليج الفارسي (وفي المستقبل ميناء تشابهار بالقرب من المحيط الهندي)، إلى موسكو في روسيا وهلسنكي في فنلندا.
وبعبارة أفضل، فإن إنشاء خط سكة حديد رشت - أستارا ضروري، لأن هذا الطريق يكمل خط النقل بين الشمال والجنوب ومحور مشروع نمو الترانزيت في إيران. ويعتبر طريق العبور بين الشمال والجنوب لنقل البضائع هو الممر الأكثر مركزيةً في إيران، حيث ينتظر قسم السكك الحديدية منه استكمال خط السكة الحديدية بطول 160 كم من رشت إلى أستارا.
وبانتهاء هذا الخط البالغ 160 كيلومتراً، سيربط الخط مباشرةً من ميناء عباس جنوباً بميناء أستارا في شمال إيران، وبالنظر إلى انخفاض تكلفة النقل بالسكك الحديدية وإمكانية نقل البضائع من الجنوب إلى الشمال والعكس، فإن قسم السكك الحديدية في ممر شمال –جنوب له أهمية خاصة في مشروع الترانزيت الإيراني.
كما يمكن اعتبار هذا الممر أهم رابط تجاري بين جنوب وجنوب شرق آسيا وأوروبا، لأنه من الممكن نقل جميع أنواع البضائع في أقصر وقت وبأقل تكلفة مقارنةً بخطوط ومعابر الدول الأخرى. أيضًا، هذا الممر بين ميناء تشابهار وميناء عباس، هو نقطة الاتصال البحرية بين الهند وإيران، ومن ثم ميناء أمير أباد وميناء أنزلي وميناء أستارا لربط دول حوض بحر قزوين وبالتالي وسط وشمال أوروبا.
إن أهم قضية في استكمال خط سكة حديد رشت – أستارا، هو تأمين موارده المالية. وكانت الحكومة الإيرانية السابقة بقيادة السيد "روحاني" قد أعلنت أن أذربيجان ستستثمر 500 مليون دولار لبناء خط سكة حديد رشت - أستارا، لكن هذا الاستثمار لم يتحقق.
في الوقت الحالي، بسبب الحظر المفروض علی روسيا ومأزق الترانزيت في هذا البلد، فإن الدعم المالي الروسي لاستكمال ممر الشمال-الجنوب وخط سكة حديد رشت – أستارا، يهمّ هذا البلد. کما أن استثمار روسيا بقيمة 5 مليارات دولار لبناء الجزء الأخير من ممر السكك الحديدية بين الشمال والجنوب، هو اتفاقية نقل أبرمت بين البلدين. وإذا اكتمل خط سكة حديد رشت - أستارا، فستحقق إيران ممرًا دوليًا لأول مرة.
بطبيعة الحال، فإن استكمال خط سكة حديد رشت إلى أستارا دون إنشاء خطوط ملاحية في بحر قزوين، لا يفيد إيران. والنقطة المهمة هي أن استكمال أجزاء هذا الممر الإقليمي المتمركز حول إيران، يعني أن مصممي هذه الخطوط أكثر اعتمادًا على إيران. وفي التعريف الجديد للدبلوماسية الاقتصادية، يتم توفير أمن بلد ما عندما تعتمد عليه جهات فاعلة مختلفة، وتتطلب هذه اللعبة استراتيجيات طويلة المدی.