الوقت – وسط انشغال المنطقة بـ"حرب الجنرالين" في السودان مع استمرار الاشتباكات على الرغم من المحادثات الجارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، جد جديد بملف سد النهضة الشائك.
حيث أعلن سامح شكري وزير الخارجية المصري منذ يومين أن بلاده لن تتوجه لمجلس الأمن بشأن ملف سد النهضة، وأنها ستحمي أمنها المائي.
وأضاف في مقابلة مع قناة “صدى البلد” المصرية إن التعنت الإثيوبي حال دون الوصول لاتفاق بشأن سد النهضة، وإن القيادة والمؤسسات المصرية قادرة على التعامل مع الأمر، واتخاذ إجراءات تحمي المواطن المصري والأمن المائي المصري، مؤكدا أن مصر لن تلجأ إلى مجلس الأمن مرة أخرى .
وأضاف إن إثيوبيا – وبأفكار شاذة – تحاول تطبيق فكرة السيادة على مورد مشترك عابر للدولة، وهو أمر جعل من الصعب الوصول لاتفاق تحت هذه الظروف، مشيرا إلى أن بلاده تواصل الحديث مع الشركاء الدوليين لقدرتهم على التأثير، ولكنها لن تسمح أن يتعرض شعبها لأي نوع من الأضرار.
وكشف شكري أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال كل اللقاءات مع الزعماء، أوضح موقف مصر بالنسبة لسد النهضة، وما تسعى إليه من التوصل لاتفاق قانوني ملزم، موضحا أن المواقف التفاوضية المصرية تهدف إلى حماية الأمن المائي المصري ومراعاة المصالح المائية لمصر والسودان، وكذلك المصالح الاقتصادية المرتبطة بإثيوبيا.
وأوضح أن مصر اعتمدت طوال تاريخها على نهر النيل وأن 65% من شعبها يعمل في نطاق الزراعة، مشيرا إلى أن بلاده تتابع الملء الرابع لسد النهضة، ولديها خطط لاحتواء الأمر قدر الإمكان.
وأكد شكري أن الاتحاد الإفريقي لم يحالفه التوفيق في إقناع الجانب الإثيوبي بالمرونة اللازمة في المفاوضات، معبرا عن ثقته في القيادة والمؤسسات المصرية لاتخاذ كل الإجراءات التي تحمي الأمن المائي المصري.
كلام شكري الأخير نكأ جراح سد النهضة، وتباينت ردود الأفعال عليه. فالبعض اعتبر ما قاله شكري عودة للروح، فيما أكد آخرون أنه قضي الأمر.
الكاتب محمد سلماوي قال إن إسرائيل باعت لإثيوبيا عتادا عسكريا كشف أخيرا النقاب عن أنه تضمن أجهزة رادار متقدمة تقوم بالتشويش على الطائرات المقاتلة بحيث تفقدها بوصلتها وتحول دون تحديدها للمواقع التي تستهدفها.
وتساءل سلماوي في مقاله اليوم بـ”الأهرام” “من يسلح إثيوبيا؟: “فإلى من سيوجه السلاح الإسرائيلي في إثيوبيا؟ وضد أي طائرات سيتم استخدامه؟”.
وأضاف إنه لا يخفى على أحد أن إثيوبيا هي إحدى مناطق الصراع المشتعلة الآن في العالم والتي قد يكون من الحكمة الدفع بمحاولات تهدئتها بدلا من تأجيج الصراع فيها عن طريق إمداد أطراف الصراع بالسلاح، لافتا إلى أن الوضع المشتعل فى إثيوبيا ذو شقين، شق داخلي يتمثل فى الحرب الأهلية الدائرة مع إقليم تيجراى، وشق خارجي فجرته إثيوبيا ببنائها سد النهضة بقرار أحادي يخالف الأعراف الدولية والاتفاقيات الموقعة مع جيرانها، وهو ما أصبح يمثل تهديدا وجوديا لدول حوض النيل، وخلق بؤرة صراع إقليمي جديدة كان العالم فى غنى عنها.
وقال إن السلاح الإسرائيلى ليس بعيدا عن شقي الصراع، مشيرا إلى أن إسرائيل عقدت مع إثيوبيا عدة صفقات لتوريد السلاح تصب في صراعها الداخلي والخارجي معا.
ولفت إلى أن عدد مركبات المشاة العسكرية من طراز ثاندر (رعد) المباعة لإثيوبيا وصل إلى 80 مركبة، وقد أسهمت إسرائيل في تطوير صناعة السلاح فى إثيوبيا بأن أمدتها بخمس مركبات منها فقط وأشرفت على تصنيع ٧٥ أخرى داخل إثيوبيا، مشيرا إلى أن بقية الأسلحة الإسرائيلية لإثيوبيا تضمنت المسدسات والبنادق الهجومية التي تستخدمها قوات الدفاع الوطني في حربها مع التيجراى.
وقال سلماوي إن من المستغرب أنها قامت فى نفس الوقت بإمداد قوات التيجراى بالسلاح والعتاد العسكري، مشيرا إلى أن تلك سياسة متبعة للدولة اليهودية شهدناها من قبل في نفس المنطقة، حيث ظلت إسرائيل تزود جنوب السودان بالسلاح لسنوات قبل انفصاله عن الشمال.
واختتم سلماوي مؤكدا أن تزويد إسرائيل إثيوبيا بالسلاح المضاد للطائرات في ظل أزمة سد النهضة الحالية يكتسب أبعادا خطيرة، داعيا مصر إلى الانتباه لها.
من جانبه قال الدبلوماسي المصري. مصطفي الفقي إن إثيوبيا الآن في موقف قوي للغاية بشأن سد النهضة، بعد أن انهارت الدولة تقريباً في السودان وظهرت الميليشيات المسلحة ،مشيرا إلى أن مصر فقدت ظهيراً قوياً داعماً لموقفها في أزمة سد النهضة.
في ذات السياق تساءل السفير محمد مرسي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون السودانية: وهل كانت إثيوبيا قبل انهيار الأوضاع في السودان في موقف ضعيف ؟
وأجاب قائلا: كلا.. إثيوبيا كانت منذ الشروع في وضع أول لبنة في سد الخراب في موضع الطرف الأقوي والطرف المتعنت والطرف المتغطرس والطرف المراوغ والطرف الرافض فعلياً للحلول السلمية والمنكر تماماً لكل حقوقنا التاريخية في مياه النيل.
وأضاف السفير مرسي إنه لم يكن للعلاقات المصرية السودانية الطيبة في مجملها في بعض أو كثير من أوقاتها أيام البشير وأيام البرهان أي تأثير سلبي على إثيوبيا، مشيرا إلى أنه لا يصح أن نأخذ من تطورات الوضع الراهن في السودان حجة لتبرير عدم قدرتنا منفردين أو مجتمعين كدولتي مصب على مواجهة إثيوبيا أو وقف بناء السد أو إجبار أديس أبابا على توقيع ورقة واحدة أكرر ورقة واحدة ملزمة لها بأي شكل من الأشكال ترتبط بحقوقنا في المياه أو إعاقة إثيوبيا عن استكمال ملء السد ثم بناء المزيد من السدود على النيل الأزرق الذي تراه نهراً إثيوبياً ومياهاً إثيوبية تتصرف فيها كما تشاء.
واختتم مؤكدا أن هذه للأسف هي الحقيقة المرة دون رتوش ، والتي تفاقمت وتعقدت الآن وإن كانت ملامحها الحزينة قد بدأت (وللإنصاف) في التشكل قبل عهد الرئيس السيسي وقبل ثورة يناير بسنوات طويلة حسب قوله.
الأستاذة المساعدة للعلوم السياسية، وخبيرة الشؤون الأفريقية، نجلاء مرعي، قالت، "بكل تأكيد الجانب الإثيوبي دوماً ما يستغل الأحداث المضطربة في بلدان المنطقة، فعندما يعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أن الأحداث في السودان ستعوق المحادثات، رغم عدم وجودها، فهذا تضليل للرأي العام والمجتمع الدولي".
وأضافت: "لا ننسى أن إثيوبيا أعلنت عن سد النهضة بعد 40 يوماً فقط من تنحي الرئيس المصري الراحل حسني مبارك عن الحكم في 2011، ففي كل مرة تستغل إثيوبيا أحداث دول المصب".
وتابعت: "لا ننكر أن هناك تحدياً يواجه مصر والسودان الآن بخصوص مصالحهما المشتركة، فيما يتعلق بسد النهضة، وخصوصاً أنه لا يمكن التعويل الآن على السودان في اتخاذ موقف موحد ومتماسك، ما سيؤدي إلى حضور إثيوبي إقليمي على حساب السودان، ويزيد من تعقيد الأمور في ملف سد النهضة، ويرفع مستويات المواجهة".
ولفتت إلى أن "الاضطراب الأمني الموجود حالياً في السودان، سيضعف أي تحفظات سودانية ، وهذا أيضاً سيزيد من الأعباء على الجانب المصري وتحركاته الدولية".
من جهته، قال الباحث المصري في مجال البيئة والتنمية، منسق منتدى "الحق في المياه بالمنطقة العربية"، عبد المولى إسماعيل، إنه "مع استمرار إثيوبيا في سياسة ملء خزان السد، وعند الوصول لاكتمال الملء الرابع لسد النهضة، لن يكون أمام دولتي الممر والمصب أي بدائل للحفاظ على حقوقهما في الوصول للمياه، سوى السعي الحثيث للتفاوض مع إثيوبيا، ومحاولة إثنائها عن التصرف الأحادي، سواء فيما يتعلق بالملء، أو تبادل المعلومات، أو التعاون المشترك، مثلما نص إعلان الخرطوم في 2015، وخصوصاً أن هناك أخطاراً يمكن أن يتعرض لها سد الروصيرص في الخرطوم".
وأضاف إسماعيل: "إن اتباع سياسة الأمر الواقع من قبل الطرف الإثيوبي، هو المنهج المتبع حتى الآن، وخصوصاً في ظل غياب أي أفق للوصول إلى اتفاق قانوني ملزم لإدارة هذا الإرث الإنساني المشترك".
وأعرب عن اعتقاده أن "هذا التصرف الأحادي من دون التعاون المشترك سيجعل من منطقة حوض النيل ساحة توتر بدلاً من كونها ساحة للتعاون، وهي محاولة لفرض مزيد من الضغط على الحصص المائية لدولتي الممر والمصب في المستقبل، وخصوصاً في ظل الاستمرار في الملء الرابع، من دون أي أفق في الوصول إلى اتفاق قانوني يمكن أن يضمن الحقوق المائية، وما يترتب على ذلك من مشكلات بيئية وغذائية وغيرها.
ورأى إسماعيل أن "الاتحاد الأفريقي عاجز عن فرض أي اتفاق ملزم، ومن ثم ليس لنا أي بدائل سوى السعي الحثيث للوصول إلى اتفاق قانوني. وهذا الاتفاق القانوني في حال الوصول إليه، لن يكون كما كان في السابق، بل سيفرض شروطاً جديدة، وهذا ما يجب الحذر منه مستقبلاً".