الوقت- دعت النقابات في فرنسا، الثلاثاء، إلى اليوم الـ 14 من التعبئة في 6 حزيران/يونيو، "لإسماع الصوت" للنواب، الذين تتعيّن عليهم دراسة مشروع قانون، يهدف إلى إلغاء مرسوم تعديل نظام التقاعد.
ودعت النقابات، المنظّمات، في بيان، إلى "لقاء النواب في كلّ مكان، لحثّهم على التصويت لصالح مشروع القانون"، مطالبةً "الاتحاد النقابي بمضاعفة المبادرات، عبر يوم جديد للتحرّك المشترك خصوصاً، وإضرابات وتظاهرات في 6 حزيران/يونيو".
وأضافت النقابات، إنّ مشروع القانون المقدّم من مجموعة صغيرة من الوسط "سيسمح لأوّل مرة للتمثيل الوطني باتخاذ قرار بالتصويت على إصلاح نظام التقاعد".
وكان مرسوم تعديل نظام التقاعد، قد نشر، في 15 نيسان/أبريل، في الجريدة الرسمية، بعد ما فعّله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عقب إقراره في المجلس الدستوري.
وأدّى قرار الحكومة باللجوء إلى المادة 49-3 من الدستور، التي تسمح باعتماد نصّ دون تصويت في البرلمان، لتمرير هذا التعديل، إلى تشدّد واضح لحركة الاحتجاج.
ويتركّز الغضب خصوصاً على رفع سنّ التقاعد من 62 إلى 64، وهو إجراء تعتبره النقابات والمتظاهرون "ظالماً"، وخصوصاً للنساء اللواتي يعملن في مهن صعبة.
وسيكون التصويت المحتمل على مشروع القانون في 8 حزيران/يونيو، مجرّد بداية لرحلة برلمانية، لكنّه سيشكّل صفعة للسلطة التنفيذية الفرنسية.
بدوره، قال وزير العمل الفرنسي، أوليفييه دوسوبت، الإثنين، إنّ "هناك خطراً فعلياً، لأنّنا نشكّل غالبية نسبية".
يذكر أنّ مئات الآلاف، نزلوا إلى شوارع فرنسا، في 1 أيار/مايو، بمناسبة عيد العمّال، للاحتجاج على تعديل نظام التقاعد الذي أقره ماكرون، في تظاهرات تخلّلتها، في باريس خصوصاً، صدامات بين الشرطة ومتظاهرين.
لكنّ هذه المشاركة، على أهميتها، كانت أقلّ بكثير ممّا كانت النقابات تعوّل عليه، إذ إنّها كانت تترقّب مشاركة أكثر من مليون ونصف المليون متظاهر في عموم فرنسا.
وفي حين أنّ فرنسا هي من الدول الأوروبية، التي يعتبر فيها سنّ التقاعد بين الأدنى، لكنّ الحكومة برّرت مشروعها بضرورة الاستجابة لتراجع مالية صناديق التقاعد ولشيخوخة السكان.
تبرز الصور التي خرجت من فرنسا، خلال الشهرين الماضيين، الوضع الكارثي الذي وصلت إليه البلاد، وذلك بالنظر إلى الاشتباكات العنيفة بين بعض الجماعات الاحتجاجية الأكثر تطرفًا فى البلاد وشرطة مكافحة الشغب.
ولكن ما يحدث هو أن فرنسا تبدو على حقيقتها، والتي تتمثل في الطبيعة العدوانية للمواجهات والاستجابة الرافضة والمتغطرسة من قبل الحكومة.
ففرنسا ليست جنة بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث شهدت أربعة عقود من معدلات البطالة المرتفعة، وعقدا ضائعا من ركود الدخول بعد الأزمة المالية 2008-2009، كما أن مستويات الثقة الاجتماعية فيها تبدو أقل من جيرانها الأوروبيين الأكثر سعادة، وهو الوضع الذي تفاقم بسبب استخدام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمادة 49.3.
والتي أجبرت الهيئة التشريعية على الاختيار بين تمرير إصلاح التقاعد الذى لا يحظى بتأييد الفرنسيين وإجراء انتخابات جديدة، فضلاً عن مشكلة انتقال السكان من المدن الريفية إلى المراكز الحضرية، واستمرارها فى الاعتراف البطيء بتراجعها النسبى على المسرح العالمى.
ولذا فإن هناك انفصالا مذهلا بين ما يراه السائحون، وما يراه الأجانب الذين يعيشون فى فرنسا، وما يراه الفرنسيون الذين يعيشون فى الخارج، وما يراه الفرنسيون الحاصلون على الجنسية حديثًا، والطبيعة الكارثية للخطاب الداخلي الفرنسي حول نفسها.
ويبدو أن فرنسا قد تأثرت بسبب الهجرة ، أو النيوليبرالية المتطرفة، أو الاستبداد، أو مزيج من هذا كله، فقد باتت تقع اليوم فى نهاية قائمة مستويات عدم المساواة بين دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، بعد الدنمارك والسويد وفنلندا والنرويج، حيث بات مستوى عدم المساواة فى المجتمع أقل اليوم مما كان عليه خلال فترة الثلاثين المجيدة (1945 إلى 1975)، عندما استعادت فرنسا ما بعد الحرب الثقة على عدة مستويات.
فبعد كل شىء، تخصص باريس نسبة مئوية أعلى من ناتجها المحلى الإجمالى لإعادة توزيع عدم المساواة فى السوق أكثر من أى من أقرانها الأثرياء، حتى إن لديها دعم دخل لا مثيل له، ونتيجة لذلك، فهى قريبة من القمة على مستوى العالم، فيما يتعلق بمتوسط العمر المتوقع، حيث يتقاعد عمالها فى وقت مبكر، فى المتوسط، عن أى شخص آخر فى أوروبا، مع أدنى معدل للفقر بين كبار السن.
وهناك مشكلة البطالة المزمنة التي باتت تبلغ أقل من 7٪ تقريبًا، وهو مستوى لم يتم الوصول إليه منذ ما قبل الأزمة المالية 2008-2009، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الاستثمار العام فى تعزيز التعليم الصناعى على مدار العامين الماضيين.
وعند مراجعة الأداء الاقتصادى للبصمة المناخية، فإننا سنجد أن فرنسا تتصدر جميع أقرانها، ففى حين أن الولايات المتحدة تنتج 0.28 طن من غازات الاحتباس الحرارى لإنتاج 1000 دولار من الناتج المحلي الإجمالي، فإن فرنسا تفعل الشىء نفسه مع 0.14 طن فقط من الانبعاثات، وتعد الانبعاثات الفرنسية للفرد هي الأدنى في أي بلد كبير وغنى، وقد استمرت في الانخفاض، حيث انخفضت بنسبة 25٪ عن عام 2005.