الوقت- تدخل الحرب في أوكرانيا شهرها الخامس عشر ولا يوجد احتمال واضح بنهايتها. وهذه الأيام، كلف الغربيون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بصياغة خطة سلام لإنهاء النزاعات في أوكرانيا، ولكن من ناحية أخرى، يقومون بتكثيف التوترات من خلال ارسال أسلحة غير تقليدية للجيش الأوكراني. واختارت أمريكا وأوروبا، اللتان لم تستطيعا أن تسدا طريق الروس عبر أنظمة صواريخ باتريوت ودبابات ليوبارد، مسارًا جديدًا لاختبار فرص نجاحهم في هذا المجال.
وفي هذا الصدد، أعلن نائب وزير الدفاع البريطاني جيمس هيبي يوم الثلاثاء الماضي أن البلاد أرسلت آلاف القذائف لدبابات تشالنجر 2، بما في ذلك قذائف تحتوي على "يورانيوم مستنفد" إلى أوكرانيا. ووفقًا لما قاله هيبي، فإن القوات المسلحة الأوكرانية تعرف جيدا كيفية استخدامها وأين يتم استخدامها. وأشار هذا المسؤول البريطاني أيضًا إلى أن لندن ليست ملزمة بمعالجة عواقب استخدام هذا النوع من الاسلحة بعد انتهاء الصراع.
ويأتي تسليم هذه الأسلحة المدمرة إلى كييف، بينما عقد مستشارون عسكريون أميركيون وبريطانيون في مارس دورة تدريبية خاصة للجنود الأوكرانيين لتعليمهم كيفية التعامل مع هذه الذخائر. سيتم استخدام هذه الأسلحة بشكل أساسي في دبابات تشالنجر 2 البريطانية، وقد وعدت لندن بالفعل بإرسال 14 من هذه الدبابات إلى أوكرانيا، ومع ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الدبابات قد تم تسليمها إلى أوكرانيا أم لا.
ولقد أثار تحرك لندن الجديد غضب الروس، وقالت السفارة الروسية في إنجلترا في بيان حاد: "كلمات جيمس هيبي هي شهادة شريرة على وحشية سياسة الأنجلو ساكسون لزيادة تدهور الصراع بالوكالة الذي هم أنفسهم بدؤوه في أوكرانيا. قال بغطرسة وأنانية إن لندن لم تشرف على نشر واستخدام هذه الذخائر وليست مسؤولة عن تنظيف هذه الذخائر بعد انتهاء الحرب".
وجاء في بيان السفارة الروسية أن "الحكومة البريطانية مسؤولة عن آثار هذه الذخائر السامة ولا يمكنها التهرب من المسؤولية بإلقاء المسؤولية على أوكرانيا. من الواضح الآن أن الغرب حدد لهذا البلد ليس فقط دور قاعدة تدريب عسكرية مناهضة لروسيا، ولكن أيضًا "قبرًا مشعًا". وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الثلاثاء الماضي من أن موسكو، بالنظر إلى أن الغرب بشكل عام بدأ في استخدام أسلحة ذات مكونات نووية، وسترد موسكو بالمثل. ويشير التنديد السريع للروس لإرسال أسلحة اليورانيوم المنضب إلى أن هذه الأنواع من الأسلحة مدمرة، إلا أن مسؤولي واشنطن والأمين العام للناتو يزعمون أنه لا يوجد ما يدعو للقلق، لأن هذه الأسلحة ليست خطيرة للغاية.
مخاطر اليورانيوم المنضب
على الرغم من ادعاء السلطات البريطانية لتقليل الحساسية الدولية والروس بأن المخاطر على الحياة والبيئة لليورانيوم المستنفد منخفضة، تظهر الأبحاث الجديدة أن هذه الذخائر يمكن أن تعرض صحة الإنسان للخطر. واليورانيوم المنضب بالرغم من أنه يحمل اسما ضعيفا ولا يعمل مثل القنبلة الذرية إلا أنه يتمتع بعمر افتراضي طويل في الطبيعة ويلوث الأرض والموارد الطبيعية لسنوات عديدة ويسبب طفرات جينية في النباتات والبشر.
ويعتبر اليورانيوم المنضب الذي تستخدمه الجيوش الأمريكية والأوروبية من أسلحة الدمار الشامل المحظور استخدامه وفق العديد من المعاهدات الدولية، وقد تم إثبات ارتباطها بمرض السرطان الفتاك طبيا. وقال دوغ وير الخبير في "مرصد الصراع والبيئة": "عندما تضرب ذخائر اليورانيوم المستنفد الأهداف، فإنها تتكسر وتحترق، ما ينتج مواد كيميائية سامة وجزيئات مشعة من اليورانيوم المنضب، ما يشكل خطورة على تنفس الإنسان". ومع ذلك، فقد شكك المسؤولون الأمريكيون والبريطانيون منذ فترة طويلة في مخاطر هذه الأسلحة.
وقد استخدمت الولايات المتحدة هذه الأسلحة ضد العراق لأول مرة في عملية "عاصفة الصحراء" عام 1990، ثم استخدمت كميات كبيرة من هذه الأسلحة ضد شعوب هذه الدول في حربي أفغانستان وحرب العراق الثانية. ويولد أطفال عراقيون بعيوب خلقية بسبب الإشعاع الذي تسببه هذه الأسلحة، ومعظمهم معرضون لخطر الإصابة بالسرطان. لذلك، فإن استخدام أسلحة اليورانيوم المنضب في أوكرانيا، والتي من المفترض أن تستخدم في المناطق المنحدرة من أصل روسي في شرق هذا البلد، سيكون له آثار ضارة على سكان هذه المناطق في المستقبل. بمعنى آخر، بهذه الأسلحة، يريد الغربيون بدء إبادة جماعية ضد الروس في أوكرانيا من أجل الانتقام من هزيمتهم ضد موسكو.
التهرب الغربي من المسؤولية في أوكرانيا
حقيقة أن بريطانيا تتراجع عن التزاماتها بتطهير المناطق الملوثة بهذه الأسلحة بعد انتهاء الحرب تظهر أن الغرب لا يريد تحمل مسؤولية بدء الحرب في أوكرانيا. وبما أن آثار استخدام أسلحة اليورانيوم المنضب ستبقى لسنوات عديدة، فإن المسؤولية تقع على عاتق الغرب.
كما تدعي السلطات الأمريكية والأوروبية أن على روسيا أن تتحمل تكلفة إعادة بناء أوكرانيا، يجب على الغربيين أيضًا تحمل مسؤولية ارتكاب جرائمهم وتنظيف المناطق الملوثة باليورانيوم المنضب. كان الغربيون قد رفضوا في السابق قبول جرائمهم في أفغانستان والعراق، وتبنىوا المنطق نفسه في أوكرانيا وليسوا مستعدين لتحمل المسؤولية عن أفعالهم التي تهدد حياة الملايين من الناس.
ويُظهر إرسال أسلحة تحتوي على اليورانيوم المستنفد أن الحرب في أوكرانيا تبتعد عن الوضع التقليدي وتتجه نحو استخدام الأسلحة غير التقليدية. ووفقًا للمسؤولين الروس، فإن استخدام هذه الرصاصات لن يؤدي إلا إلى تمهيد الطريق لمزيد من تصعيد التوتر وحذروا من استخدام الأسلحة النووية للحرب.
ولقد قالت روسيا إنه إذا هزم الغربيون جهود السلام في هذا البلد، فستضطر إلى استخدام الأسلحة النووية للحفاظ على وحدة أراضيها. لذلك، فإن استخدام اليورانيوم المنضب ضد الروس يمكن أن يخرج الحرب من الوضع الحالي ويقربها من مرحلة نهاية العالم. وكما في الأيام الأخيرة، حذر مسؤولون كبار في موسكو من أن العالم قد وصل إلى حدود خطيرة وأن هناك احتمالًا لوقوع حرب عالمية ثالثة، وألقوا باللوم على الغرب في هذا الوضع.
استراتيجية الأرض المحروقة
كما يتضح من وثائق البنتاغون المسربة، يشعر الغربيون بخيبة أمل من انتصار روسيا على أوكرانيا واستعادة المناطق المفقودة، ولهذا السبب يحاولون زيادة تكاليف موسكو بإرسال أسلحة متطورة لإطالة أمد الحرب وتسليم آخر الأرض المحروقة لمنافسهم التقليدي. والآن، بعد مرور 15 شهرًا من الصراع، أصبحت المناطق الشرقية من أوكرانيا كومة من الأنقاض والعديد من المدن خالية من السكان وستصبح غير صالحة للسكن إذا تم استخدام أسلحة اليورانيوم المنضب. لذلك، فإن كل المناطق التي حصل الروس عليها هي أنقاض ستكلف أكثر من 500 مليار دولار لإعادة البناء.
إن إرسال أسلحة غربية متقدمة إلى أوكرانيا في الأشهر الأخيرة يهدف فقط إلى إطالة أمد الحرب وإضعاف القوة العسكرية والاقتصادية لروسيا، لكن هذه التحركات قد تدفع موسكو إلى اتخاذ قرارات صعبة ومصيرية لن تنتهي بخير للعالم.
إن التجربة الأمريكية في استخدام اليورانيوم المنضب في أفغانستان والعراق والتي عانت من آثارها الضارة الأطفال بعد عقدين من الزمن، فإن هذه الأحداث المؤسفة ستتكرر للأوكرانيين في المستقبل، والسبب هو الغربيون أنفسهم الذين جاؤوا باسم الدفاع عن حليفتهم أوكرانيا، وسوف يحولونها إلى مقبرة للأسلحة المحظورة وسيدفع الثمن ضحايا طموح البيت الأبيض وأوروبا.