الوقت – يتمتع العالم العربي بمساحته التي تزيد على 14 مليون كم مربع بموقع جغرافي إستراتيجي في قارتي آسيا وإفريقيا، وباحتياطي نفطي كبير تصل قميته إلى ثلثي ما يوجد في العالم جميعه من نفط، وبسواحل بحرية ومحيطية بأطوال تبلغ ثمانية آلاف كيلومتر، كل ذلك جعله يتبوء أهمية جيوبوليتيكية عالمية خطيرة.
تلك الأهمية الجيوبوليتيكية دفعت بالقوى الغربية إلى محاولة تجزئته وأخطر المحاولات كانت بالتعاون بين الغرب والعصابات الصهيونية في اغتصاب الأرض العربية في فلسطين وزرع الكيان الصهيوني.
وفي السياق، قال المؤرخ والأكاديمي المصري الكبير د. عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر إن إسرائيل وأمريكا والغرب لم ينسوا يوما مخططهم لتقسيم العالم العربي، مشيرا إلى أن ما يسمّى “الربيع العربي” كان إحدى المراحل، مؤكدا أن الخلاص لإفشال هذا المخطط يكمن في مشروع الرئيس جمال عبد الناصر الذي يعتمد على فكرة “الأمة العربية الواحدة”.
وأضاف أن هذا المشروع ممكن ووارد وليس مستحيلا كما يروّج البعض، معتبرا هذا هو السبيل الوحيد لمواجهة المؤامرة الكبرى التي تستهدف البلاد العربية كلها.
وقال الدسوقي إن “الجماعات الطائفية” هي الأدوات التي يستخدمها الغرب لإنجاح هذا المخطط الهدّام.
وقال إن مشروع تقسيم السودان بدأ قديما منذ إبعاده عن مصر، واشتراط بريطانيا قبل جلائها عن مصر إجراء استفتاء بشأن فصل السودان عن مصر، مشيرا إلى أن عبد الناصر وافق على المبدأ في يوليو 54، ولعبت بريطانيا ” لعبتها” مع حزب “الأمة “، في الوقت الذي رفض حزب “الاتحاد” برئاسة إسماعيل الأزهري الانفصال، مشددا أن السودان جزء من مصر، وكانت نتيجة الاستفتاء في يناير 56 غالبية للرأي المنادي بالانفصال عن مصر .
وتابع قائلا: “اللعبة الثانية كانت في فصل جنوب السودان، والآن يسعون لفصل غرب السودان ” دارفور” ذي المساحة الشاسعة”.
وقال إن مخطط التقسيم يسعى لجعل الدول العربية 73 دولة، مؤكدا أن مصر مستهدفة، حيث يسعى المخطط لجعلها 5 دول: دولة إسلامية، دولة مسيحية، النوبة، الأمازيع، وسيناء.
وقال إن المخطط أنه بعد إنجاح مخطط التقسيم تقوم إسرائيل بطرد عرب 48 إلى سيناء، لتعلن أنها دولة يهودية ولفت “الدسوقي” إلى أن ما يحدث من تقسيم الدول العربية على أساس طائفي لكي يعطي إسرائيل مشروعية إعلان أنها دولة يهودية.
وأكد أن كل شيء مخطط ، ولا وجود للمصادفة، داعيا إلى الانتباه والتصدي للمشروع الصهيوني قبل فوات الأوان.
ولكن هذه المحاولات قابلها العرب للأسف بشيء من اللامبالاة، بكثير من التردّد والفتور، وبقليل من النضال المستمر لوقفها وإزالتها. والخطأ التاريخي المستمر حتى يومنا هذا هو اعتبار «سايكس بيكو» بداية ونهاية لهذه التجزئة، وليست تكملة لها.
حيث أعتقد العرب أنّ «سايكس بيكو» نهاية المطاف، إلا أنّهم كانوا على خطأ كالعادة، فقد قسمت الأقطار العربية إلى كنتونات وطوائف متناحرة، وتيارات دينية تخدم اجندة الاستعمار. وكان زراعة الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي هي التحدي الأبرز في تاريخ ونضال الشعوب العربية.
كل دولة من الدول العربية معرّضة لمشاريع التقسيم في ظل هذه المؤامرات الغربية مالم تحدث تبدلات في إعادة التوازنات في التعدد القطبي ينهي هذه الاطماع ويضع نهاية للحروب التي شهدتها الثلاثة العقود الماضية من الأحادية القطبية التي بسببها شهد العالم أسوأ مرحله التاريخية بالانكسارات.
بالنسبة إلى الوضع الحالي، فمن الصعوبة بمكان التوصل إلى ما سينتج عنه من تجزئة، إذ إن الصراع لا يزال قائماَ بين الدول الكبرى على تأمين حصّة لها، سواء أكانت نفوذاً أو أرضاً.
لا يمكن الإحاطة بكل الدول العربية، لكن يمكن الإشارة إلى الحدث الأبرز في إفريقيا، فبعد ما جرى تقسيم السودان بين شمالٍ وجنوبٍ، لا يزال شماله وغربه معرّضاً لأخطار قبلية عديدة عدا أنّ هناك نزاع يبقى هادئاً حول منطقة حلايب بين مصر والسودان وهنالك تيار مهما كان ضعيفاً يدعو إلى فصل الأقباط عن الدولة المصرية، وهنالك مساعٍ جادّة لإضعاف مصر عبر عزم أثيوبيا المخترقة إسرائيلياً، على إقامة سدّ النهضة.
إن محاولات تجزئة العالم العربي ستستمر، وقد تتوقف فترة ولكنّها هدف استراتيجي للدول الغربية، وذلك لأنّ هذا العالم يتمتّع بميّزتين قلّما تتمتّع بهما أية دولة أخرى في العالم. وهما الثروات الهائلة من بترول وغاز ومعادن التي تحتويها أرض هذا الوطن، وكذلك الممرّات الاستراتيجية للتجارة العالمية التي يسيطر على معظمها.
أما الميزة الثانية، فهي حماية الكيان الصهيوني، ودعمه من قبل الدول الغربية، بحيث يصبح هو مركز المنطقة صناعياً وتكنولوجياً تحيط به دول عربية صغيرة متنازعة، ما يمنع حتماً تشكيل وحدة عربية. الأمر المحزن والمخزي في آن واحد هرولة بعض الدول العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ما يسهّل له تحقيق شعاره «من الفرات إلى النيل». والعرب، جميع العرب غافلون عمّا يُخطّط لهم.