الوقت - عقب الاتفاق بين إيران والسعودية، زادت التحركات الدبلوماسية لسلطات البلدين لحل الأزمات الإقليمية، وفي هذا السياق توجه حسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني، الذي قام بزيارات عديدة إلى دول المنطقة في الأسابيع الأخيرة، إلى لبنان هذه المرة للقاء المسؤولين في هذا البلد.
وعبّر أمير عبد اللهيان، لدى وصوله إلى بيروت، الخميس الماضي، عن استمرار دعم الجمهورية الإسلامية للشعب والجيش والمقاومة اللبنانية، وقال: "الجمهورية الإسلامية دعمت دائماً المفاوضات في المنطقة ولا تعتبر الحرب حلًا. ومن خلال علاقاتنا الثنائية، لدينا أفكار ومبادرات لتحسين الوضع في لبنان، وتجري في المنطقة ظروف جديدة وبناءة".
وفي بيروت، التقى أمير عبد اللهيان برئيس مجلس النواب نبيه بري، ونجيب ميقاتي رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال، وعبد الله بو حبيب وزير خارجية لبنان.
وقال وزير الخارجية الإيراني في لقاء مع نظيره اللبناني حول التطورات السياسية في هذا البلد: إن "إيران ستدعم أي انتخابات واتفاق بين جميع الأطراف في لبنان بشأن انتخاب رئيس لهذا البلد، ونطالب كل الأطراف الخارجية بدعم هذه الانتخابات اللبنانية دون التدخل في الشؤون الداخلية".
وأضاف أمير عبد اللهيان إن إيران لا تريد سوى الخير للبنان، وقال: "نشجع كل التيارات في لبنان على الإسراع بانتخاب رئيس الجمهورية، واستكمال العملية السياسية في هذا البلد المهم في المنطقة".
من جهته قال بو حبيب أيضاً في هذا الاجتماع: "الوزير أمير عبد اللهيان أبلغنا بالاتفاق بين إيران والسعودية، ونتمنى أن يأتي الخير للبنان ونحن متفائلون بأي اتفاق مع دول الجوار".
وحول المحاور الرئيسية لزيارته إلى لبنان، قال وزير الخارجية الإيراني: "عقدنا اجتماعاً مع مجموعة من النواب اللبنانيين حول مختلف القضايا الثنائية والتطورات الاقليمية والدولية، واطلعت عن كثب على آراء ممثلي مختلف الأحزاب اللبنانية، كما نقلت وجهات نظر الجمهورية الإسلامية".
كما بحث أمير عبد اللهيان خلال لقائه مع السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله آخر المستجدات في المنطقة، والاتفاق الأخير بين إيران والسعودية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية وأثره على دول المنطقة، وآخر المستجدات في لبنان والوضع الراهن في فلسطين.
لطالما دعمت إيران لبنان حكومةً وشعباً، ودعمت هذا البلد حتى في أسوأ الظروف الاقتصادية. وفي وضع يواجه فيه لبنان مأزقًا سياسيًا منذ شهور ويفشل في انتخاب رئيس وتشكيل حكومة، تطالب طهران بتعاون التيارات السياسية حتى تتمكن من إنهاء هذه الأزمات.
اغتنام فرصة الاتفاق بين طهران والرياض لحل الأزمة اللبنانية
جاءت زيارة أمير عبد اللهيان إلى لبنان فيما توصلت إيران والسعودية إلى اتفاق قبل شهرين على حل الخلافات واستئناف العلاقات الدبلوماسية، وتتجلى آثاره في تطورات المنطقة.
كان لبنان من الدول التي عانت من التوتر بين إيران والسعودية، وظهرت آثاره السلبية في استمرار عدم الاستقرار السياسي والأزمة الاقتصادية المتفشية.
لقد فرض السعوديون، تماشياً مع سياسات الولايات المتحدة والکيان الصهيوني، عقوبات واسعة ضد المقاومة اللبنانية من أجل إخراج حزب الله من الساحة السياسية، لكن هذا التكتيك فشل حتى الآن.
ورغم أن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، رداً على انعكاس الاتفاق بين بلاده وإيران على لبنان، قال إن جهود التفاهم والتقارب بين الأطراف اللبنانية يجب أن يتم بين هذه الأطراف نفسها، وليس عملاً مشتركاً بين لبنان وإيران والسعودية، لكن بعد هذا الاتفاق ازداد الأمل في حل الخلافات في لبنان.
كما صرح الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، مؤخرًا، بأن تنفيذ الاتفاق بين إيران والسعودية يتم بشکل متسارع، وأعلن أن الجوانب الإيجابية لانتخاب الرئيس تزداد يومًا بعد يوم. أيضًا، قال رئيس مجلس النواب اللبناني إن موقف السعودية من انتخاب رئيس الجمهورية ايجابي.
يعتقد العديد من المراقبين أن الاتفاق بين إيران والسعودية يمكن أن يكون فرصةً لتقليص الخلافات بين الجماعات السياسية اللبنانية، ونتيجةً لذلك دفع البيئة السياسية في البلاد إلى الأمام.
لذلك، يمكن للسعودية أن تنتهز فرصة التوصل إلى الاتفاق مع إيران لتظهر أنها تدعم الاستقرار في لبنان وتشكيل الحكومة في هذا البلد. وبمعنى آخر، الكرة الآن في ملعب الرياض لتعلن موقفها تجاه بيروت.
من الواضح أن بعض التيارات السياسية، مثل "14 آذار" بقيادة سعد الحريري، و"القوات اللبنانية" بزعامة سمير ججع، محسوبة على السعودية، وهذه التيارات هي السبب الرئيسي للانسداد السياسي في لبنان، وبسبب عداوتها لحزب الله فإنها تعرقل طريق تشكيل الحكومة وانتخاب الرئيس.
لذلك، إذا أعطت السعودية الضوء الأخضر لحلفائها في لبنان للتفاعل مع حزب الله، فسيتم حل مشاكل البلاد السياسية في أقصر وقت ممكن، وتحاول إيران أيضًا إنهاء الانسداد السياسي بمشاركة السعوديين.
يعلم قادة لبنان جيداً أن التعاون بين إيران والسعودية سيعود بالنفع على المنطقة، وبالتالي، بعد إعلان الاتفاق بين البلدين، رحب به اللبنانيون. وكان وزير الخارجية اللبناني قد قال في وقت سابق، إن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية يصب في مصلحة دول وشعوب المنطقة والعالم.
كما أعرب السيد نصر الله عن ارتياحه لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، وأكد أن حزب الله واثق من أن هذا الاتفاق يصب في مصلحة شعوب المنطقة.
لذلك، عبر إعادة فتح سفارتي إيران والسعودية في عاصمتي الجانبين، يمكننا أن نأمل في حل الأزمات الإقليمية في لبنان. كما كانت هناك انفراجات كثيرة في أزمتي اليمن وسوريا، ويمكن تحقيق هذا السيناريو أيضًا في لبنان.
وبالإضافة إلى الانسداد السياسي، فقد زادت الأزمة الاقتصادية في لبنان الطين بلةً، وتتطلب تعاونًا إقليميًا ويمكن أن تساعد إيران والسعودية في هذا المجال. منذ عام 2019، يعيش لبنان في أسوأ الظروف الاقتصادية، ويعيش أكثر من 80٪ من سكان البلاد في وضع بائس.
کما أن أرفف المحلات فارغة بسبب العقوبات الغربية، وارتفاع الأسعار والعقوبات الأمريكية جعل اللبنانيين قلقين من الفوضى وانعدام الأمن الاجتماعي ونقص الغذاء. کذلك، وصل سعر الدولار في لبنان إلى أعلى مستوياته وانخفضت قيمة الليرة، ما قلل بدوره من القوة الشرائية للشعب.
وتشير التقارير إلى أن الأفران اللبنانية واجهت خلال العام الماضي مشاكل في توفير الدقيق على فترات زمنية مختلفة، بسبب أزمة القمح. ووفقًا لتقرير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، يوجد في لبنان أحد أعلى معدلات تضخم الغذاء في العالم.
وفي مثل هذا الوضع الكارثي في لبنان، يمكن للاتفاقية بين طهران والرياض أن تكون فعالةً في حل المشاكل الاقتصادية لهذا البلد، وعلينا أن ننتظر ونرى الموقف الذي سيتخذه السعوديون تجاه التطورات في لبنان.
وبالنظر إلى أن معظم الأزمات في المنطقة تتأثر بالتوترات بين إيران والسعودية وتركيا، فكلما زاد مستوى التفاعل بين قوى المنطقة، انخفض التوتر أكثر، ونفس الشيء ينطبق على لبنان أيضًا.
في العامين الماضيين، عندما كان اللبنانيون يواجهون أزمة وقود، وفرت إيران جزءًا من احتياجات البلاد على الرغم من تحذيرات الولايات المتحدة. وفي هذه الزيارة، أخبر أمير عبد اللهيان مرةً أخرى سلطات بيروت أنه من أجل حل أزمة الطاقة والكهرباء في لبنان، فإن الجمهورية الإسلامية مستعدة لنقل خبراتها في مجال إنشاء وتشغيل محطات توليد الكهرباء، وكذلك الصيانة في هذا المجال.
رسالة إيران إلى تل أبيب من الحدود مع فلسطين المحتلة
لا يقتصر التعاون بين إيران ولبنان علی القضايا السياسية والاقتصادية، وكانت قضية الأمن على الدوام ركيزةً من ركائز التعاون بين البلدين، وهذه المرة في زيارة أمير عبد اللهيان إلى لبنان، كانت القضايا الأمنية واضحةً بشكل جلي.
جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى لبنان في وقت تصاعد فيه التوتر بين حزب الله والکيان الصهيوني في الأسابيع الأخيرة، وكثفت الحكومة الإسرائيلية المتشددة برئاسة بنيامين نتنياهو، تحركاتها العسكرية حول حقل غاز "كاريش" المشترك مع لبنان.
هذا في حين أنه في الشهر الماضي وبعد هجوم القوات الصهيونية على المسجد الأقصى، أطلقت عشرات الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه الأراضي المحتلة، وحذر مسؤولو حزب الله من أنه إذا استمر الکيان في مهاجمة المسجد الأقصى والقدس، فإنهم سيدعمون الفلسطينيين بكل قوتهم.
إضافة إلى لقائه بالسلطات اللبنانية، بما في ذلك السيد نصر الله، حضر أمير عبد اللهيان أيضًا حدود لبنان مع فلسطين المحتلة، والذي احتوی على رسالة ذات مغزى للأعداء بعدم ارتكاب أعمال متهورة وسط تصاعد التوترات بين المقاومة والاحتلال.
كما أعرب أمير عبد اللهيان في لقائه مع نبيه بري، عن تقديره للدور البارز للبنان والمقاومة اللبنانية في مواجهة المساعي التخريبية للکيان الصهيوني في المنطقة، وشدد على ضرورة تطوير العلاقات الثنائية بمختلف أبعادها، وخاصةً العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية والعلمية، وفق المجالات والفرص المناسبة في البلدين.
وأكد أمير عبد اللهيان في هذا الصدد: "منطقتنا دخلت مرحلةً جديدةً من التعاون الجماعي. والمستقبل مشرق للغاية لدول المنطقة، ولا شك أن كل التطورات الإيجابية في المنطقة ستؤدي إلى عزلة وانهيار الکيان الصهيوني". في المقابل، اعتبر نبيه بري في هذا اللقاء بأن لبنان والمقاومة حصن كبير ضد الكيان الصهيوني.
لقد حذر المسؤولون العسكريون الإيرانيون تل أبيب مرارًا وتكرارًا من أن افتعال الأزمات في المنطقة لن يفيد المحتلين، وأن الجمهورية الإسلامية ستدعم بشكل كامل مجموعات المقاومة.
لذلك، فإن وجود أمير عبد اللهيان في لبنان وعلى الحدود مع فلسطين المحتلة، هو تشجيع لحزب الله وجماعات المقاومة الفلسطينية، بأنهم ليسوا وحدهم ضد الکيان الصهيوني، وستدعمهم طهران كما هو الحال دائمًا.
إن دعم إيران لحزب الله إجراء رادع للسلطات الإسرائيلية المتطرفة لإنهاء الترويج للحرب في جنوب لبنان وحقل کاريش، وإلا فإن مصيرًا مؤلمًا ينتظر الصهاينة.