الوقت - لا شك أن التطورات في غرب آسيا، من أهم التغيرات التي حدثت في النظام الدولي في العقود الأخيرة.
نظراً للموقع الجيوسياسي لهذه المنطقة، يمكن القول إن أهمية هذه التطورات هي التي أدت إلى إعادة تحديد السياسة الخارجية لبعض القوى الخارجية تجاه هذه المنطقة. في غضون ذلك، يعتبر موقع الصين، كواحدة من القوى الناشئة والمؤثرة في العالم، ذا أهمية خاصة للتطورات في غرب آسيا.
ومع تعزيز مكانة الصين على الساحة الدولية، سيزداد دور هذه الدولة في المناطق الاستراتيجية أيضًا، وتعدّ منطقة غرب آسيا واحدةً من هذه المناطق التي جذبت انتباه قادة الصين أكثر من أي وقت مضى، وأصبحت بكين الآن دون مبالغة أحد المتغيرات المؤثرة التي تشكل التطورات في المنطقة.
من أهم الأزمات التي شهدها غرب آسيا في العقود القليلة الماضية، هو الصراع بين فلسطين والکيان الصهيوني، والذي على الرغم من تقديم مبادرات دولية لإنهاء هذا الصراع، لم يتم اتخاذ أي إجراء عملي.
لذلك، دخل الصينيون في هذه القضية المهمة للغاية حتى يتمكنوا من إنهاء هذه الأزمة بخططهم السلمية، ليتسنى إحلال الهدوء والسلام في هذه المنطقة المتوترة. ومع تصاعد مغامرات الكيان الصهيوني في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي أشعلت الأراضي المحتلة، أعربت الصين أيضاً عن قلقها البالغ إزاء هذه القضية.
الوساطة في القضية الفلسطينية
قال وزير الخارجية الصيني في الأيام الأخيرة، إن بلاده تشجع الکيان الصهيوني وفلسطين على إظهار الشجاعة السياسية واتخاذ خطوات لاستئناف محادثات السلام، والصين مستعدة لتسهيل ذلك.
وفي محادثة هاتفية مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، صرح تشين جانج أن الصين قلقة من التوتر الحالي بين هذا الکيان وفلسطين، والأولوية الحالية هي السيطرة على الوضع ومنع المزيد من تصعيد الصراع، وحتى خروجه عن السيطرة.
وقال وزير الخارجية الصيني إنه يتعين على جميع الأطراف الحفاظ على الهدوء وضبط النفس ووقف التصريحات والأفعال المتطرفة والاستفزازية، والطريقة الرئيسية للخروج من هذا الوضع هي استئناف محادثات السلام وتنفيذ "حل الدولتين"، ولم يفت الأوان بعد لفعل الشيء الصحيح، وبكين مستعدة للتوسط في محادثات سلام بين الجانبين.
وبناءً على هذه التصريحات، فإن الصين ليس لديها مصالح أنانية في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وتأمل فقط في إمكانية التعايش السلمي بين الکيان وفلسطين وحماية السلام والاستقرار الإقليميين.
قبل أسبوعين، عندما هاجمت القوات الصهيونية المسجد الأقصى وجرحت واعتقلت المئات من المرابطين الفلسطينيين، طالبت الحكومة الصينية الکيان الصهيوني بوقف الأعمال التي تؤدي إلى تصعيد التوتر.
حتى العام الماضي، كان للصين موقف منفعل تجاه التطورات في فلسطين، ولكن مع التغيرات والتطورات التي حدثت على الساحة الجيوسياسية بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، أصبحت أكثر تركيزًا على هذا الصراع.
كما أيّد الرئيس الصيني في الاجتماع العربي الصيني الذي عقد في السعودية في نوفمبر 2022 حل الدولتين في الأراضي المحتلة، ودعا إلى إنهاء قمع وظلم الکيان الصهيوني ضد الفلسطينيين، ومثل هذا الموقف الداعم لفلسطين اتخذه قادة بكين لأول مرة، وأظهر أن هذا البلد يحاول لعب دور مهم في القضية الفلسطينية.
تركز الصين التي تستعد لقيادة العالم في العقدين المقبلين، على قضية الاقتصاد كضامن لهذا الموقف، وتسعى إلى إرساء الاستقرار والأمن في مناطق مهمة من العالم وخاصةً غرب آسيا، لأن انعدام الأمن وعدم الاستقرار سم قاتل لنمو بكين الاقتصادي والتجاري وتنميتها، وبالتالي فهي تحاول إنهاء أكبر صراع عالمي في فلسطين.
تحدي الهيمنة الأمريكية
بالوساطة بين إيران والسعودية في آذار (مارس) الماضي، أنهت الصين سبع سنوات من التوتر بين البلدين، وتحاول متابعة هذا الإجراء في التطورات في فلسطين. وحاول الصينيون، عبر التحالف بين إيران والدول العربية، تمهيد الطريق لوجودهم الواسع في العالم الإسلامي من خلال الحد من التوترات في غرب آسيا.
والصين التي تعتبر الدول العربية، وخاصةً منطقة الخليج الفارسي، جزءًا من أحجية القوة العظمى في العالم، تولي اهتمامًا خاصًا بالقضايا المهمة في العالم العربي من أجل جذب الرأي الإيجابي للقادة العرب، والقضية الفلسطينية هي ما تركز عليه سلطات بكين.
من ناحية أخرى، أدرك قادة بكين أن الرأي العام في العالم العربي حساس لقضية القدس، ومن أجل إرضاء الشعوب الإسلامية، يتعين عليهم تحديد موقفهم الرسمي من القضية الفلسطينية. ويعدّ عدد المسلمين في العالم البالغ 2 مليار في حد ذاته ميزةً للصينيين، ويمكنهم استخدام هذه القدرة الاجتماعية لتحسين وضعهم في العالم الإسلامي.
ويمكن تقييم محاولة الصين الدخول في التطورات الفلسطينية من منظور آخر أيضًا. من الواضح أن الولايات المتحدة كانت الوسيط الوحيد في الصراع بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين على مدى العقود السبعة الماضية، ومن خلال دعمها للاحتلال، لم تسمح للفلسطينيين بتحقيق حقوقهم المنتهكة.
حاولت أمريكا ضمان أمن الصهاينة من خلال إدارة هذه الأزمة، ومنع أي تدخل أجنبي في الأراضي المحتلة باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي، ومن الثابت أن واشنطن كانت عقبةً رئيسيةً أمام حل هذا الصراع العالمي طويل الأمد. لذلك، تحاول الصين، التي كانت على خلاف مع أمريكا خلال العام الماضي، تحدي هيمنة هذا البلد في الشرق الأوسط.
وفي الوقت الذي زادت فيه الولايات المتحدة من مغامراتها العسكرية في تايوان وشبه الجزيرة الكورية بهدف كبح جماح منافستها الناشئة، يحاول الصينيون أيضًا الدخول بقوة إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة ونفوذ واشنطن.
في الاتفاقية المبرمة بين إيران والسعودية، أرسلت بكين الرسالة الأولى إلى مسؤولي البيت الأبيض، بأنه من الآن فصاعدًا ستكون بكين هي الفاعل في صنع القرار في الخليج الفارسي، كما أعرب المسؤولون في واشنطن عن قلقهم من نفوذ الصين الواسع في هذه المنطقة.
لقد أدركت الصين الخلافات بين الدول العربية والولايات المتحدة، وتحاول بالتالي دخول هذه الدول بكل قوتها. لأنه كلما زاد موقع الصين ونفوذها في المنطقة، سينخفض دور أمريكا بنفس القدر. كما أنه في العام الماضي، تعامل قادة السعودية والإمارات مع واشنطن بازدراء ولم يتفقوا مع سياساتها في العالم.
وهذه المرة أيضًا، تحاول بكين إبعاد أمريكا عن القضية الفلسطينية وتمهيد الطريق لقوتها العظمى من خلال إحلال السلام في الأراضي المحتلة.
يدرك الصينيون جيدًا أنهم إذا تمكنوا من إنهاء الصراع الفلسطيني، فسوف يخلدون اسمهم كقوة تصالحية لتحقيق الاستقرار ليس فقط بين الشعوب الإسلامية ولكن أيضًا في العالم، وستظهر صورة إيجابية للصينيين في أذهان العالم، حيث إنه إذا كانت الأزمات العالمية تحت إدارة هذا البلد، فسيتم إحلال السلام وبالتالي ستزداد موجة النظرة السلبية للسياسات الأمريكية في العالم.
يعدّ احترام مبدأ السيادة الوطنية والدور السلمي ومعارضة الهيمنة، من بين الاستراتيجيات التي استخدمتها بكين لإدارة الأزمات الدولية، ولهذا السبب لم تكن هناك وجهة نظر سلبية تجاه الصينيين، سوى النظرة السلبية للأمريكيين الذين يرون في بكين تهديدًا لتراجع هيمنتهم.
على الرغم من جهود الصين للعب دور في التطورات في فلسطين، إلا أن السلطات الصهيونية ليس لديها رغبة كبيرة في التواجد الفعال لهذا البلد في الأراضي المحتلة. وعلى الرغم من احتدام التوتر بين حكومة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيوني، والإدارة الديمقراطية للولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة، إلا أن واشنطن لا تزال الداعم الأكبر لهذا الکيان، والصهاينة أنفسهم يعترفون بذلك.
لذلك، فإن الإسرائيليين لا يحبون قوةً غير أمريكا لتدخل علی خط الصراع بين فلسطين والکيان، وبالذات الصين التي اتخذت في الأشهر الماضية نهج التحالف مع إيران والدول العربية المعادية لتل أبيب.