الوقت- في حين يتفق العديد من المحللين على سقوط الليرة بعد الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة، يرمي البنك المركزي التركي أوراقه الأخيرة لمنع سقوط الليرة قبل الانتخابات.
ما هي الأوراق الأخيرة للبنك المركزي؟
فرض البنك المركزي التركي يوم الجمعة قواعد تمنع البنوك من الاحتفاظ بالعملات الأجنبية وقد تم اتخاذ هذه الإجراءات بسبب تعرض الليرة التركية للضغط ودعمها ضد التراجع.
عززت هذه القرارات القواعد التي تم وضعها من قبل لزيادة حيازة الليرة وتحفيز الناس لزيادة ودائعهم بالليرة ومنع تحويل الليرة إلى عملات أجنبية وكانت هذه هي إحدى الأدوات التي استخدمها صانعو السياسات لتحقيق الاستقرار في العملة المحلية.
إذا كانت 60٪ من ودائع أي بنك تجاري ليست بالليرة، فيجب عليه إيداع المزيد من العملات الأجنبية في البنك المركزي وهذا يعني أن نسبة الاحتياطي القانوني للودائع بالعملات الأجنبية وصناديق المشاركة ذات أجل استحقاق سنة واحدة قد زادت من 25٪ إلى 30٪.
القاعدة الثانية تنص على أنه إذا انخفض مستوى ودائع المقرضين التجاريين بالليرة إلى أقل من 60 في المئة، فيجب على المقرضين شراء سبع نقاط مئوية من السندات الحكومية الإضافية.
وفقًا للوائح المنشورة في الجريدة الرسمية للبلاد، يُعفى المقرضون الذين تبلغ ودائعهم بالليرة بنسبة 60 ٪ أو أكثر من شرط الاحتفاظ ببعض السندات الحكومية.
وفقًا للبيانات التي جمعتها وكالة بلومبرج، انخفض العائد على سندات 10 سنوات بالليرة التركية بمقدار 35 نقطة إلى 10.32 في المئة.
تعد زيادة نسبة الليرة في الودائع المصرفية حجر الزاوية لدعم الليرة من قبل البنك المركزي حيث تظهر بيانات البنك المركزي أنه حتى 31 مارس، كانت 59.3 في المئة من الودائع في البنوك بالليرة.
تعرضت الليرة لضغط هبوطي مقابل الدولار في الأسابيع الأخيرة، وتوقعت البنوك الكبرى مثل HSBC و Morgan Stanley أن تشهد الليرة انخفاضًا حادًا مقابل الدولار بعد انتخابات مايو.
يتوقع التجار أن تحدد نتيجة الانتخابات الرئاسية اتجاه سياسات تركيا النقدية والمالية، وفي حال فوز كمال كيليجدار أوغلو ممثل المعارضة والمنافس الرئيسي لرجب طيب أردوغان، ستتجه سياسات تركيا النقدية والمالية التي كان يديرها أردوغان من خلال تدخله على شكل غير تقليدي بالعودة إلى الطريقة التقليدية وسيجد البنك المركزي الاستقلال بوعود المعارضة.
وخلافا لما يقوله علم الاقتصاد حتى الآن، يعتبر أردوغان أن سعر الفائدة هو سبب التضخم، ومن أجل تحفيز الإنتاج، قام بتخفيض سعر الفائدة في وضع زاد فيه التضخم في تركيا بعد فيروس كورونا ثم مع الهجوم الروسي على أوكرانيا، ازداد وضع التضخم مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، لكن أردوغان لم يتراجع عن قراره وخفض سعر الفائدة.
تسبب نمو التضخم في قيام الشعب التركي بشراء جميع أنواع الأصول للحفاظ على قوتهم الشرائية، لكن البنك المركزي التركي منع تعديل قيمة الليرة وفقًا للتضخم وحاول دعم الليرة بقوانين مختلفة وكشف أردوغان عن خطة تأمين الودائع بالليرة مقابل العملات الأجنبية وهدد الشركات بأنها إذا لم تبع عملاتها الأجنبية في السوق، فستواجه مشاكل في الحصول على قروض، ما يجبرها على بيع الليرة وزيادة النقد الأجنبي.
وحسب تقديرات بلومبرج، أنفق البنك المركزي التركي 108 مليارات دولار في العام السابق لتثبيت الليرة ومنعها من الهبوط أمام الدولار؛ لكن بالنظر إلى التضخم المرتفع في تركيا وتكاليف الدمار الذي خلفه الزلزال، يتوقع المحللون أن تنخفض الليرة بعد الانتخابات التركية، بغض النظر عمن سيفوز.
أبرز محطات انهيار الليرة التركية
الانقلاب الفاشل بداية الانهيار
يعتبر مراقبون أن ليلة 15 يوليو/ تموز عام 2016، حين حدثت المحاولة الانقلابية الفاشلة، كانت بداية تهاوي سعر الليرة التركية، وقت فقدت نحو 4% من قيمتها، قبل أن تتحسن في اليوم التالي، لكن 3 ليرات مقابل الدولار لم تعد حاجزاً نفسياً للسوق والمكتنزين، حينما اقتربت منه ليلة الانقلاب، وسجلت 2.9 ليرة للدولار الواحد.
واستمر التراجع الطفيف خلال عام 2016، ليقفل العام على نحو 3.52 ليرات مقابل الدولار.
تراجع ما بين 2017 و2019
لكن عام 2017، الذي بدأ بأحداث سياسية محلية، من خلال تعديلات دستورية تزيد من صلاحيات الرئيس وتتجه بالنظام التركي نحو النظام الرئاسي، ترافق مع تسجيل الليرة 3.77 ليرات.
ثم تصاعدت التوترات مع الولايات المتحدة، وقت علقت واشنطن جميع خدمات التأشيرات "باستثناء المهاجرين" بعد صدور حكم قضائي تركي بحبس متين طوبوز، الموظف في القنصلية الأميركية العامة في إسطنبول، بتهم مختلفة، بينها "التجسس"، وردت تركيا بالمثل، ليقفل العام على 3.79 ليرات للدولار الواحد.
مطلع عام 2018 بعد نزع جزئي لفتيل التوتر مع الولايات المتحدة، وارتفاع قيمة الصادرات وعائد السياحة، تحسن سعر صرف العملة لتعود إلى عتبة 3.75 ليرات للدولار.
لكن منتصف عام 2018، وبعد الحكم على القس الأميركي ندرو برونسون، بدأت الليرة بالتذبذب لتفقد 19% من قيمتها ليلة 10 أغسطس/ آب، وقت تصاعد التوتر بين أنقرة وواشنطن، وضاعف الرئيس الأميركي ترامب الرسوم على الصلب والألومنيوم التركيين، وفرض عقوبات على وزيري العدل والداخليّة التركيين. وخاطب الرئيس أردوغان الشعب التركي: "إن كان لديكم أموال بالدولار أو اليورو أو ذهب تدخرونها، اذهبوا إلى المصارف لتحويلها إلى الليرة التركية، إنه كفاح وطني". لكن العام انتهى بتسجيل الدولار 5.28 ليرات.
بدأ عام 2019 بسعر دولار مقابل أكثر من 5 ليرات تركية، وتهاوت في نيسان/ أبريل العام نفسه إلى ما دون 7 ليرات، قبل أن تتحسن وينتهي العام على 5.8 ليرات مقابل العملة الأميركية. وشهد هذا العام عزل رئيس البنك المركزي التركي مراد قايا، واستلام تركيا منظومة الدفاع الصاروخية إس- 400 من روسيا، وسط توتر مع واشنطن، مع تهديد ترامب بتدمير الاقتصاد التركي.
2020 العام المفصلي.. إقالات للمحافظين وخفض للفائدة
أما العام 2020، الذي يصنفه مراقبون بالمفصلي بالنسبة لليرة، لأنه ترافق مع "وباء كورونا" وتراجع الصادرات والسياحة، كما تمت إقالة محافظ البنك المركزي مراد أويصال، واستقالة وزير الخزانة والمالية التركي، وسط أزمات دبلوماسية مع فرنسا وتوتر مع واشنطن، بسبب فرض الأخيرة عقوبات على الصناعات الدفاعية التركية.
بدأت العملة بنحو 5.98 ليرات مقابل الدولار، لكنها تراجعت نهاية الربع الأول إلى 6.53 ليرات، واستمر التراجع خلال الربع الثاني من العام 2020، لتسجل نهاية شهر يونيو/حزيران 6.855 ليرات للدولار، ليبدأ التراجع بنسب كبيرة في الربع الثالث، وقت أقفل شهر سبتمبر/أيلول على 7.79 ليرات مقابل الدولار.
وشهد شهر أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2020 أدنى سعر لليرة التركية، وقت هوت إلى 8.5 ليرات، لتتعافى قليلا بالربع الأخير، وتقفل العام على 7.43 ليرات للدولار الواحد بخسارة من قيمة الليرة بنحو 23% في ثاني أكبر خسائر، بعد عام 2018 الذي خسرت خلاله حوالي 38% من قيمتها.
العام 2021 الأسوأ
بيد أن العام 2021، يعتبر الأسوأ على الإطلاق بالنسبة لليرة التركية التي خسرت أكثر من 47% من قيمتها، بعد أن تراجعت من 7.28 ليرات في نهاية يناير/ كانون الثاني إلى نحو 13.8 ليرة.
وحفل العام 2021 بأحداث اقتصادية داخلية، نالت، حسب مراقبين، من الثقة بالليرة التركية، تجلت بعزل الرئيس التركي محافظ المصرف المركزي ناجي إقبال في شهر مارس/ آذار، وتعيين شهاب قافجي أوغلو.
واستمرار تركيا بتخفيض سعر الفائدة الذي كان السبب المباشر بتراجع سعر صرف الليرة، فبعد تخفيض الفائدة 100 نقطة في 23 سبتمبر/ أيلول، تابعت لجنة السياسات المالية بالمصرف المركزي خفض السعر في أكتوبر/ تشرين الأول بواقع 200 نقطة، ليصبح السعر 16%، قبل أن يأتي في 18 نوفمبر/ تشرين الأول الماضي التخفيض الأخير ليصل سعر الفائدة إلى 15%، وتهوي الليرة من نحو 10.4 وتستمر بالتراجع، رغم تدخل المصرف المركزي المباشر عبر "بيع دولار بالسوق" مرتين مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2020.
ماذا ينتظر الليرة في المستقبل؟
ما لا شك فيه أن الزلزال الأخير الذي ضرب تركيا سيؤثر على الاقتصاد التركي لعدة أعوام وربما يمنع الليرة التركية من الوقوف في وجه التضخم والعودة إلى قوتها أمام الدولار وأياً كان من سيفوز في الانتخابات المقبلة ستواصل الليرة مسلسل سقوطها وخصوصا بعد خوف المستثمرين وسحب أموالهم.