الوقت - على الرغم من أن الشعب السوري شعر في السنوات الأخيرة بحلاوة استتباب الأمن الكامل بعد فترة طويلة ومرعبة من الحرب الأهلية الشاملة، لكن مع ذلك فإن الهجمات الجوية الصهيونية على مناطق مختلفة من هذا البلد، وخاصةً البنى التحتية الاقتصادية واللوجستية والعسكرية، تجعل السوريين يشعرون بالمرارة.
في الواقع، أصبحت اعتداءات الکيان الصهيوني اليوم هي الثغرة الأمنية الوحيدة الضعيفة في سوريا، والتي على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها دمشق وحلفاؤها في السنوات الأخيرة لمواجهة هذه الهجمات، لا تزال تخلف خسائر في الأرواح والأضرار، ويبدو أن استمرار هذه العملية سيؤدي إلى تغيير في الاستراتيجية الدفاعية للحكومة السورية وحلفائها في محور المقاومة، للتعامل بفعالية مع هذه الهجمات.
في الجولة الأخيرة من هذه الهجمات، شن الصهاينة صباح الثلاثاء الماضي هجوماً جوياً عدوانياً جديداً على منطقتين مختلفتين في سوريا، من بينها الريف الشرقي لمحافظة السويداء وريف دمشق الجنوبي، أسفر عن استشهاد مدنيين وخسائر مالية. وهذه هي الجولة الرابعة من الضربات الجوية للکيان الإسرائيلي في أقل من أسبوع.
واستهدفت الطائرات الحربية الصهيونية دمشق وريفها يومي الخميس والجمعة، إضافةً إلى هجوم آخر على حمص وريفها الأحد الماضي، أسفر عن مقتل وجرح خمسة جنود بينهم استشهاد مستشارين عسكريين إيرانيين.
في الأيام الأخيرة، وجّه الصهاينة مرةً أخرى تهديدات ضد المصالح والمقرات والقوات الاستشارية الإيرانية في سوريا، ورغم الاعتداء علی الأراضي السورية منذ سنوات بهذه الذريعة غير المشروعة واستهداف المراكز العسكرية والبنى التحتية الاقتصادية والمرافق اللوجستية لهذا البلد، لكنهم لم يتمكنوا أبدًا من تعطيل تقدم أهداف إيران الاستراتيجية في سوريا. لذلك، يجب العثور على سبب تصعيد الهجمات في الأيام الأخيرة في مكان آخر.
نتنياهو يسعى وراء خطة للهروب
لا شك في أن الأراضي الفلسطينية المحتلة لم تتعرض في العقود الأخيرة لأزمات متتالية وانقسامات داخلية واسعة بقدر ما تتعرض لها في الوقت الحاضر.
بعد عدة سنوات من فشل الأحزاب الصهيونية في تشكيل حكومة مستقرة، لم يتحقق هذا الأمر في الانتخابات الرابعة على التوالي، وتعرضت حكومة نتنياهو الجديدة لاضطرابات سياسية واحتجاجات على مستوى البلاد في الأشهر الأولى من عملها، حيث يكون هناك احتمال بانهيار الحکومة والعودة إلى دورة الانتخابات.
من المؤكد أن الاحتجاجات الحالية تستهدف نتنياهو، الذي حاول، على الرغم من قضايا الفساد، إيجاد طريقة للهروب من المحاكمة من خلال تقليص صلاحيات القضاء.
والآن، حتى التراجع عن خطة الإصلاح القضائي المثيرة للجدل لم يهدئ الشوارع، وتعاني حكومة نتنياهو من التشنجات والإضرابات والاحتجاجات. وفي هذه الظروف، فإن نتنياهو، الملقب بالساحر في مجال السياسة في الکيان الإسرائيلي، تحول إلى خطة خلق أزمة خارجية من أجل لفت انتباه الداخل الإسرائيلي عبر خلق التوتر مع الجيران، وخاصةً سوريا ولبنان.
الحكومة الصهيونية المتشددة تحاول إيجاد عذر بكل طريقة ممكنة لجعل الوضع الداخلي أكثر أمناً، بما في ذلك تصعيد الصراع مع الفلسطينيين في شهر رمضان المبارك، من خلال انتهاك المسجد الأقصى أو التوتر مع غزة والهجمات على سوريا.
وتسعى هذه الخيارات إلى ترسيخ وجهة النظر القائلة بأن الاحتجاجات المستمرة للمعارضة أدت إلى إضعاف الأمن القومي الإسرائيلي ضد الأعداء، ونتيجةً لذلك أدت إلى حشد المتطرفين ودعم الشرائح الرمادية في الأراضي المحتلة. وهذا الوضع يمكن أن يقلل من حدة الموقف الهجومي لأحزاب المعارضة.
من جهة أخرى، استطاع نتنياهو أن يضع قوات الجيش في حالة تأهب حرب من خلال تنفيذ ضربات جوية عديدة على الأراضي السورية، وبالتالي يحاول فض الاعتصامات وإنهاء تحدي قوات الجيش، وخاصةً ضباط سلاح الجو.
إن هجوم الکيان الإسرائيلي المباشر على مواقع قوات حزب الله وبعض المراكز الخاضعة لسيطرة مستشارين إيرانيين، سيؤدي على الأرجح إلى انتقام ومواجهة غير مرغوب فيها، كما أكدت المواقف الرسمية للحرس الثوري على ضرورة الانتقام. ولا شك في أنه في ظروف الحرب والاستعداد، يمكن أن يصاحب عصيان قوات الجيش عقوبات شديدة.
وفي هذا الصدد، ادعى الصهاينة أمس أنهم أسقطوا طائرةً مسيرةً أقلعت من سوريا، ونجحت في اجتياز الحواجز الأمنية دون أن يتم رصدها قبل اختراق أجواء الکيان الإسرائيلي.