الوقت- يبدو أن التغييرات تعصف بالكيان الإسرائيلي، لا سيما جراء العمليات الناجحة للمقاومة الفلسطينية، والتي أدت الى حصول شرخٍ داخلي بين الأطراف الإسرائيلية، خصوصاً أن الطرف اليساري ليس راضٍ عن مسار وسياسات الحكومة الحالية. فيما تجدر الإشارة الى أن الأحداث الجارية، تعتبر جديدةً على التاريخ الإسرائيلي، لناحية لعب الأطراف على وتر المصلحة الداخلية، وهو الأمر الذي كان يعتبر خطاً أحمر سابقاً. مما يدل على حجم الشرخ الإسرائيلي الداخلي، وارتفاع السخط المحلي من سياسات نتنياهو وحكومته. فكيف يمكن تحليل المشهد الإسرائيلي؟
سار حوالي 3,000 متظاهر من اليسار في تل أبيب ليلة السبت، إحتجاجا على ما وصفوه بتحريض اليمين ضد المنظمات اليسارية و رئيس الدولة رؤوفين ريفلين . والتظاهرة قد تكون فريدةً من نوعها وتدل على حجم الشرخ الداخلي في الكيان الإسرائيلي، فقد أطلق عليها منظموها عنوان: "السير معاً ضد حكومة تحرض بدلاً من عرضها حلول، وضد محاولات اليمين المتطرف التفرد بالسلطة، داخل الحكومة ومن خارجها".
ولعل الطرف المسمى بمنظمة "إم ترتسو"، وهي منظمة يمينية، هو الأكثر تعرضاً لموجة الإنتقادات الحادة، بما في ذلك من اليمين المتطرف، بسبب شريط فيديو كانت قد نشرته المنظمة، الأسبوع الماضي، واستهدفت به نشطاء يسار بارزين. يُظهر شريط الفيديو هذا، منفذ هجوم فلسطيني يقوم بطعن المشاهد، ويتهم أربعة رؤساء تابعيين لليسار، بمساعدة منفذ الهجوم بواسطة أنشتطهم، موحياً بأنهم "مزروعون" أجانب بسبب حصول منظماتهم على أموال من عدد من الحكومات الأوروبية والإتحاد الأوروبي.
على صعيدٍ متصل، قال زعيم المعارضة وعضو الكنيست "يتسحاق هرتسوغ" الأسبوع الماضي، أن الفيديو يحرض على إراقة دماء النشطاء الإسرائيليين، ودعا رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" ووزير التربية والتعليم "نفتالي بينيت" إلى شجب الفيديو، متهما إياهما بالتغاضي عن التحريض بالتزامهما الصمت .
وهنا لا بد من الإشارة الى التالي:
- يعيش الداخل الإسرائيلي أزماتٍ كبيرة لا سيما بعد الفشل في تحقيق نتنياهو لإنجازاتٍ ليس على الصعيد الإقتصادي أو الإجتماعي الداخلي للكيان الإسرائيلي فحسب، بل على الصعيد الأمني أيضاً. وهو الأمر الذي جعل الأطراف الداخلية في تل أبييب تصب جام غضبها على الحكومة. كما أن المشكلات التاريخية بين اليمين واليسار عادت لتخرج للواجهة من جديد.
- وهنا فإن نوع الأحداث الجارية تعتبر جديدةً على الداخل الإسرائيلي. إذ كان الأمن الداخلي للكيان خطاً أحمر، لا يمكن تجاوزه، لكن المشكلات الموجودة، و حجم الإختلاف الكبير بين الطرفين، جعل الأمور تزداد تعقيداً، كما أن قيام منظمةٍ صهيونية بإنتقاد أطراف داخلية، هو من الأمور التي يجب الوقوف عندها، خصوصاً أنها وجهت انتقاداتها للطرفين على الرغم من ميولها للطرف اليميني.
- كما أن شريط الفيديو والذي أنتجته شركة "موشيه كلوغهافت"، والذي يعمل كمستشار كبير لوزير التربية والتعليم "نفتالي بينيت" وأدار حملة حزب البيت اليهودي الإنتخابية سابقاً، جعل عضو الكنيست دوف حنين يتهم الحكومة اليمينية بالفشل الذي يدفعها لإستخدام التطرف. مما يجعلها تلقي اللوم على اليسار بسبب سياساتها الفاشلة على كافة الأصعدة.
وبين كل تلك الأحداث يطفو جلياً فشل حكومة "نتنياهو" لا سيما بعد عملية رعنانا الأخيرة. وهو الأمر الذي يمكن اعتباره القاسم المشترك بين كل الإختلافات الداخلية. فالرجل لم يكن مقبولاً من اليمين لكي يتقبله اليسار الإسرائيلي. فقد وجه أقطاب بأحزاب اليمين واليسار في تل أبيب انتقادات حادة لحكومة "نتنياهو". حتى وصل الأمر بالمعسكر الصهيوني بالإعتراف بأن حكومة نتنياهو ليست سوى حكومة أقوال وأكاذيب، وحان الوقت الآن لتسليم مهامها، لأنها فشلت في جلب الأمن والسلام للمواطنين، فبعد وقوع عملية رعنانا على رئيس الوزراء الإسرائيلي العودة الى منزله وتسليم مقاليد الحكم، لأنه يفشل يومياً في جلب الأمن والأمان لمواطني الدولة بحسب تعبيرهم.
إذاً، تزداد يوماً بعد يوم الخلافات الداخلية في الكيان الإسرائيلي. بين أطرافٍ تريد التفرد بالسلطة، وهو ما تتصف به حكومة نتنياهو، وبين أطرافٍ أخرى معارضة لسياساته التي تعتبرها فاشلة. في حين يعيش الجميع حالةً من الرعب وانعدام الأمن، بعد عمليات الفلسطينين الأخيرة. وهنا ينتظر المراقبون مستقبل الأيام، لا سيما أن السخط الداخلي الإسرائيلي تحول الى مشاكل تخطت العديد من المحرمات. حتى أصبحت لغة التحريض سياسة الأطراف الداخلية، ناهيك عن إفتعال الإضطرابات عبر الإعلام والترويج لأفكار متطرفة. فهل بدأ الربيع العبري؟