الوقت - توصف الحكومة الجديدة للکيان الصهيوني برئاسة بنيامين نتنياهو بأنها الأكثر تطرفاً في تاريخ هذا الکيان. وكان أحد جوانب هذا التطرف، هو التهديدات النادرة وغير المسبوقة لكبار المسؤولين الإسرائيليين ضد إيران وبرنامجها النووي. لكن ما مدى مصداقية هذه التهديدات؟
على الرغم من أن للکيان الإسرائيلي تاريخًا في مهاجمة المنشآت النووية المزعومة في العراق وسوريا، فهل يمكنه تكرار الأمر نفسه مع إيران؟ وبالنظر إلى أن الکيان الإسرائيلي نفذ مؤخرًا ضربةً بطائرة دون طيار(وإن لم تنجح) على مصنع ذخيرة في مدينة أصفهان الإيرانية، فهل من الممكن تخيل سيناريو مماثل لمنشأة نووية في إيران؟
نشرت مجلة "1945" الأمريكية مؤخراً تقريراً بعنوان "إذا هاجمت إسرائيل منشآت إيران النووية فماذا ستفعل إيران؟"، وأجابت على بعض هذه الأسئلة.
في الوقت الذي تلاشى فيه احتمال إعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة في فيينا، ازداد قلق الغرب بشأن اقتراب إيران من تحقيق قدرات نووية (عسكرية).
في واحدة من أحدث سلسلة الأعمال العدائية ضد الکيان الإسرائيلي، قالت السلطات الإيرانية مؤخرًا إن لديها صاروخًا بعيد المدى يمكنه الوصول إلى مدينة حيفا. وبالنظر إلى أن إيران ما زالت تتجه نحو أهدافها النووية، فإن الدولة اليهودية تلزم نفسها بالقضاء على هذا التهديد قبل أن يؤتي ثماره، بحسب "عقيدة بيغن".
من ناحية أخرى، إذا تحرك الکيان الإسرائيلي لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، فمن المحتمل أن تلجأ إيران إلى أسلحتها الأساسية: الحرب بالوكالة والصواريخ الباليستية.
لدى الکيان الإسرائيلي تاريخ في مهاجمة المنشآت النووية
يمكن العثور على أصل جهود الکيان الإسرائيلي السرية لتعليق وتأخير برنامج إيران النووي، في أهم سياسة لهذا الکيان وهي عقيدة بيغن.
تشير عقيدة بيغن إلى سياسة الکيان الإسرائيلي في الضربة الوقائية ومكافحة انتشار الأسلحة النووية، من أجل منع أعدائها من حيازة أسلحة دمار شامل، بما في ذلك التكنولوجيا (العسكرية) النووية.
يرجع أصل هذه العقيدة إلی قصف سلاح الجو الإسرائيلي لمفاعل أوزيراك النووي عام 1981. عندما برر مناحيم بيغن، رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي في ذلك الوقت، في مؤتمر صحفي علني، هذه المهمة، التي تمت تحت عنوان "عملية أوبرا"، على النحو التالي: "لو لم نقم بتدمير مفاعل أوزيراك، لكانت هناك محرقة أخرى في تاريخ الشعب اليهودي. لن يحدث مطلقاً مرةً أخری، لن يحدث مطلقاً مرةً أخری! قولوا هذا لأصدقائكم. قولوا لكل من ترونه: سندافع عن شعبنا بكل الوسائل المتاحة لنا. لن نسمح لأي عدو ببناء أسلحة دمار شامل ضدنا". كما قال رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي آنذاك، إن عملية أوزيراك ستكون "نموذجًا" للحكومات المستقبلية في الکيان.
خلال عملية أوبرا، هاجمت ثماني طائرات حربية إسرائيلية المفاعل النووي العراقي. وكانت هذه المهمة أول هجوم ناجح ضد مفاعل نووي في العالم.
الطيارون الإسرائيليون تمكنوا من الطيران لمئات الكيلومترات في المجال الجوي لدولة معادية دون أن يتم اكتشافهم، وذلك بفضل قدرة مقاتلات F-16، التي تسلمتها القوات الجوية الإسرائيلية من الولايات المتحدة.
وبعد سنوات، نفذ سلاح الجو الإسرائيلي ثاني هجوم ناجح ضد مفاعل نووي، وهذه المرة باستخدام طائرات أمريكية الصنع أيضًا. في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اكتشفت أجهزة المخابرات الإسرائيلية علامات على وجود برنامج نووي محتمل قيد التنفيذ في شمال شرق سوريا.
استندت الحكومة الإسرائيلية إلى عقيدة بيغن وأطلقت "عملية خارج الإطار"، للقضاء على خطر أسلحة الدمار الشامل. استخدم سلاح الجو الإسرائيلي مقاتلات F-15 و F-16 لتنفيذ هذه المهمة. وتمكنت هذه الطائرات، التي كان لها قدرات الحرب الإلكترونية، من المرور عبر أنظمة الدفاع الجوي السورية فور دخولها المجال الجوي السوري بتدمير محطة رادار.
سلبيات اللجوء إلى عقيدة بيغن
في حين أن إجراء عمليات سرية لتعطيل أو تقليل القدرات النووية للعدو شيء، فإن التدمير الكامل للمفاعل النووي المزعوم لدولة أخرى شيء آخر.
نادرًا ما تم استخدام عقيدة بيغن بسبب العواقب والنقاط السلبية التي يمكن أن تترتب عليها. حيث يشكل الطيران خلسةً إلى أراضي العدو لتدمير منشأة تخضع لحراسة مشددة، مخاطر تشغيلية كبيرة للطيارين. علاوة على ذلك، فإن شن ضربة استباقية ستكون له عواقب سياسية عديدة.
في المرتين اللتين استند فيهما الکيان الإسرائيلي علنًا إلى عقيدة بيغن، أدان المجتمع الدولي الهجمات إلى حد كبير. ومع ذلك، ربما يكون الردع الأكثر أهميةً للهجوم على موقع منشأة نووية، هو الانتقام المحتمل.
إذا دمّر الکيان الإسرائيلي إحدى المنشآت النووية الإيرانية، فماذا ستفعل طهران؟
على الرغم من أن الکيان الإسرائيلي وإيران انخرطا في "حرب الظل" لسنوات، فإن الهجوم الاستباقي على أحد المواقع النووية الإيرانية سيكون خطوةً نحو تصعيد التوترات.
في الصيف الماضي، في سلسلة من التدريبات العسكرية، قام الجيش الإسرائيلي بمحاكاة هجوم على المنشآت النووية الإيرانية فوق البحر الأبيض المتوسط.
وبما أن طهران زادت إنتاج المواد الخام اللازمة للتطوير النووي في السنوات القليلة الماضية، فإن الجيش الإسرائيلي يجهز نفسه عسكرياً بشكل أفضل لهجوم محتمل ضد هذا البلد. وبالإضافة إلى إعطاء الأولوية لتعزيز قدراتها النووية، ركزت إيران أيضًا على توسيع ترسانتها من الصواريخ الباليستية وتطويرها.
إذا اعترف سلاح الجو الإسرائيلي بتنفيذ عمليات واستهداف القدرات النووية الإيرانية، فإن هذا البلد سيهدد بلا شك بالرد بصواريخه. تعتقد أمريكا أن لدى إيران أكثر من 3000 صاروخ باليستي في ترسانتها، بعضها قادر على تهديد الکيان الإسرائيلي بشكل مباشر.
تزعم إيران نفسها أن صاروخ "خيبرشكن" محلي الصنع يبلغ مداه 3200 كيلومتر، ما جعل هذا السلاح أحد الأسلحة المفضلة لدى إيران. وبما أن حلفاء إيران الإقليميين، بما في ذلك حزب الله والجهاد الإسلامي في فلسطين، والتي تحيط بالکيان الإسرائيلي، تعتمد على إمدادات ثابتة من الأسلحة من خلال الحرس الثوري الإيراني، فإن إيران لديها قدرة أكبر من العراق أو سوريا على الانتقام من الکيان.
بالتزامن مع استمرار تصعيد التوترات بين الکيان الإسرائيلي وإيران، تزداد أيضًا احتمالية هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية. لکن هيمنة الحرس الثوري الإيراني على القوات الإقليمية بالوكالة ستشكل تهديدًا مباشرًا للکيان في حال وقوع هجوم.