الوقت_ يشهد حزب “الليكود” (يمين متطرف)، برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، انقساما حادا حول خطة “إصلاح القضاء” ما بين مؤيد ومعارض، فيما دعا نتنياهو مؤخراً إلى اجتماع لقادة أحزاب الائتلاف الحاكم، وبالتالي فإنّ الانقسام لم يعد ضمن المعارضة والسلطة ومن معهم بل داخل الحزب الذي يزعمه نتنياهو، حيث يقول قطاع عريض من الإسرائيليين إن الإصلاحات القضائية التي اقترحتها الحكومة تقوض أسس الديمقراطية، وهم يصرخون بشغف وغضب فوق دقات الطبول وهتافات "لا للديكتاتورية" بينما تجمع الإسرائيليون في القدس للاحتجاج على حكومة رئيس الوزراء بما يقدر بنحو 100 ألف إسرائيلي في أكبر مظاهرة في العاصمة الفلسطينية منذ سنوات، وإنه يخشى على مستقبل الأمة الاحتلالية التي تأسست على أنقاض فلسطين، وهو قلق من تصميم الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ "إسرائيل" على المضي قدمًا في الإصلاحات القضائية التي تخشى شريحة كبيرة من المجتمع الإسرائيلي أن تقوض بشدة ركائز ما يسمى "النظام الديمقراطيّ" في الكيان.
انقسام ضمن الليكود
لا بد أنّ ما يدور حوله هذا الأمر في الكيان هو تسييس نظام "العدالة" وما إذا كان سيتم تأجيل الفصل بين السلطات، إضافة إلى أن حجتهم بأن القضاء هو "حصن النخبة" هي "خدعة"، كما أنها حملة مخطط لها لملاحقة كل شخص لا يتفق مع وجهة نظرهم أي الفاشية اليمينية المتطرفة، وحزب ”الليكود” له 32 نائبا من أصل 120 في الكنيست (البرلمان التابع للعدو)، وهو قائد الائتلاف الحكومي المكون إجمالا من 64 نائبا، والذي نال ثقة الكنيست في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي ويوصف بأنه “الأكثر يمينية في تاريخ الاحتلال".
والدليل على الانقسام الأكبر، أعلان رئيس لجنة الأمن والخارجية في الكنيست يولي إدلشتاين تأييده لموقف غالانت، زميله في الحزب، داعيّاً في تصريح لإذاعة صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إلى وقف مشروع حزمة التشريعات الخاصة بما يسمى "إصلاح القضاء"، وألمح إلى أنه لن يدعم التصويت على تغيير تشكيل لجنة تعيين القضاة، وعلى مدى شهرين، وقعت "إسرائيل" في خضم معركة مريرة على نحو متزايد بين تحالف من اليمين المتطرف القومي المتطرف والمعسكرات الدينية التي تقود الإصلاحات المقترحة وتلك المعارضة، وإنها أزمة سلطت الضوء على الاستقطاب العميق في المجتمع حيث انجرفت البلاد إلى اليمين خلال هيمنة نتنياهو السياسية لأكثر من عقدين.
وفي الوقت الذي تدور فيه المعركة الرئيسية حول الإصلاح القضائي، هناك الكثير من الأمور على المحك فيما يصفه الكثيرون بأنه معركة من أجل روح الأمة، إنه ليس إصلاحًا قضائيًا فقط، بل إنه أعمق وأوسع من هذا حيث يعتبر البعض حتى من أبناء الليكود "أن الأمر يتعلق بهويتهم، إنه يتعلق بماهية إسرائيل، كما أنه معركة من أجل روح إسرائيل كديمقراطية"، وهذا ما دفع غالانت إلى محاولة الوصول إلى اتفاق واسع وحوار مع المعارضة لأن الصورة التي يراها معقدة للغاية، وخاصة أنّ الجيش الإسرائيلي، في أكثر الوحدات حساسية، أصبح مسرحا للصراع الذي يسيطر على الأراضي الفلسطينيّة المحتلة حاليّاً.
دليل آخر على مدى الانقسام وخطورته، دعوة وزير الزراعة آفي ديختر (ليكود) إلى وقف مساعي إقرار خطة “إصلاح القضاء” إلى ما بعد الأعياد القريبة التي تبدأ بعيد الفصح (5-12أبريل/نيسان المقبل، وذكرت القناة السابعة بالتلفزيون الإسرائيلي أن ديختر أبلغ نتنياهو ووزراء “الليكود”، خلال الأيام الأخيرة، بأن “الخلاف عميق” و”لن يكون هناك طريق للعودة”، إذا لم يوقفوا حزمة التشريعات التي قلبت الوضع الإسرائيليّ، في دولة احتلاليّة ليس لديها دستور مكتوب ولا مجلس أعلى، كان القضاء والمحكمة العليا فيها على وجه الخصوص يعتبران تاريخياً بمثابة الضوابط الحيوية والتوازن للسلطة السياسية فضلاً عن الدفاع عن الحقوق المدنيّة.
مساع حكوميّة خطيرة
خرجت التظاهرات الإسرائيلية في اليوم الذي بدأ فيه النواب التصويت على الإصلاحات القضائية، ويبرر بنيامين نتنياهو وأنصاره الإصلاحات على أنها عملية طال انتظارها، لكن نتنياهو وحلفاءه في الائتلاف يريدون للساسة ممارسة مزيد من النفوذ على المحكمة، وتشمل التغييرات المقترحة منح الحكومة السيطرة على تعيين قضاة المحكمة العليا ومنح الكنيست سلطة إبطال أحكام المحاكم التي تلغي القوانين، ويبرر نتنياهو وأنصاره الإصلاحات على أنها عملية طال انتظارها لإعادة توازن السلطة بين السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وإنه يظهر القليل من علامات التسوية واتهم المحتجين بتجاهل إرادة الشعب.
لكن بعد وصول الانقسام إلى حد خطير، دعا عضو الكنيست إيلي دلال (ليكود) إلى وقف الخطة الحكومية والبدء في حوار موسع، وحسب صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية توجد أصوات أخرى في “الليكود” ترى أنه من الأفضل وقف خطة نتنياهو بشأن القضاء، لكنها غير مستعدة للحديث علنا للإعلام، من ناحية أخرى طالب نواب من “الليكود” بإقالة الوزراء المعارضين لخطة إصلاح القضاء، وقال أوفير كاتس رئيس الائتلاف في مقابلة مع القناة “14”: “مَن لم يصوت للإصلاح (القضائي) هذا الأسبوع، فقد انتهت مسيرته السياسية في الليكود".
وبما أن منتقدي الحكومة يصرون على أن الأسس الديمقراطية التي بني عليها الكيان باتت مهددة، ويخشون أن تسمح الإصلاحات للحكومة بالدوس على حقوق الإسرائيليين وتمكين الجماعات الصهيونية المتشددة والدينية من تعميق دور الدين في المجتمع، بيّن وزير الاتصالات شلومو كارعي أن إسرائيل على مفترق طريق تاريخي بين الديمقراطية والديكتاتورية ووزير دفاعها يختار الديكتاتورية ويعطي دفعة لرفض الخدمة والانقلاب العسكري، كما طالبت وزيرة الإعلام جيليت ديستيل أتفيريان بإقالة غالانت بقولها في تصريح صحفي:“أعتقد أن رئيس الوزراء يجب أن يقيله اليوم، على وزير الدفاع واجب حماية أمن سكان إسرائيل، والخيار الذي اتخذه غالانت يضر أكثر مما يفيد".
ويسعى رئيس الوزراء إلى تمرير مشاريع قوانين “إصلاح القضاء” بالقراءات الثلاثة في الكنيست قبل انتهاء الدورة البرلمانية الشتوية في 2 أبريل/نيسان المقبل، كما يمكن أن يعزز حركة المستوطنين اليهود القومية المتطرفة لتوسيع نطاق انتشارها عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة في وقت يتصاعد فيه العنف، حيث تشن القوات الإسرائيلية غارات شبه يومية في الضفة الغربية وتزداد الهجمات على الإسرائيليين.
ويأتي المعارضون من قطاعات عديدة في المجتمع الإسرائيلي، مسؤولو دفاع سابقون ومحافظون متقاعدون من البنوك المركزية ومديرو تكنولوجيا ومهندسون معماريون ورؤساء بنوك وأطباء وأكاديميون، وفي اتفاقيات الائتلاف مع الأحزاب التزم نتنياهو بعدد من السياسات التي سيكون لها تأثير بعيد المدى على المجتمع الإسرائيلي، بما في ذلك توسيع صلاحيات المحاكم الحاخامية وتشديد القواعد حول التحولات الدينية والهجرة، كما تعهد بضم الضفة الغربية "مع اختيار التوقيت ومراعاة المصالح الوطنية والدولية لدولة إسرائيل".
ومنذ فوزه في انتخابات العام الماضي، صاغ الائتلاف تشريعات على عدد من الجبهات، تتراوح من الإصلاحات القانونية إلى التغييرات التي تسمح للأشخاص المدانين بارتكاب جرائم، كما قامت بإضفاء الشرعية على تسع بؤر استيطانية يهودية في عمق الضفة الغربية، حتى أن "إسرائيل" اعتبرتها مبنية بشكل غير قانوني.
ختاماً، يجمع الإسرائيليون على "نهاية وتفت الكيان"، في وقت تفقد حكومة نتنياهو شرعيتها يوماً بعد آخر، وتأخذ الكيان إلى طريق نهايته وخيمة، نتيجة تعنت نتنياهو، فيما يردد غالبية الإسرائيليين عبارة “إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة”، وإنّ موضوع "نهاية إسرائيل" يطغى بشكل كبير على لسان المواطنين والكثير من المحللين والمسؤولين الإسرائيليين، استناداً إلى أدلة كثيرة أهمها الصراع على السلطة والتماسك الداخليّ الذي بات مجرد ماض لا رجعة إليه.