الوقت - مرت ثلاث سنوات على اتفاقية ناغورنو كاراباخ للسلام بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا، لكن التوترات مستمرة في القوقاز، وتتبادل القوات العسكرية للبلدين إطلاق النار كل يوم.
في الأسابيع الأخيرة، اتهمت سلطات أذربيجان وأرمينيا بعضهما البعض بانتهاك وقف إطلاق النار في ناغورنو كاراباخ، وزادت هذه القضية من المخاوف بشأن بدء جولة جديدة من الصراعات. وفي مثل هذه الظروف، فإن عواقب موقف سلطات جمهورية أذربيجان لن تشمل فقط حدود أذربيجان وأرمينيا، ولكن أيضاً المنطقة بأكملها.
الرئيس الأذربيجاني، الذي يريد تنفيذ طموحاته في كاراباخ، تصرف بشكل غير لائق مع أرمينيا في تصريحاته الجديدة. حيث قال مخاطبًا الأرمن: "لكي تعيش أرمينيا بشكل مريح، يجب أن تقبل شروطنا وتعترف رسميًا بناغورنو كاراباخ كأرض لأذربيجان. يجب أن توقع أرمينيا معاهدة السلام معنا، وحسب شروطنا يجب أن تقوم بإجراءات ترسيم الحدود".
الرئيس الأذربيجاني الذي يساهم بشكل أكبر في زعزعة الاستقرار وانعدام الأمن في القوقاز، ادعى في رسالة الأسبوع الماضي أن السلام والاستقرار في المنطقة يتوقف على تصرفات هذا البلد وتركيا.
اتفاقيات كاراباخ الهشة
بعد تحذيرات أذربيجان والتحركات العسكرية لهذا البلد على الحدود المشتركة، يشعر الأرمن بالقلق من الوضع الأمني في كاراباخ.
قبل أيام قليلة، حذر رئيس وزراء أرمينيا في خطاب ألقاه من احتمال تصعيد جمهورية أذربيجان للتوتر في ناغورنو كاراباخ وكذلك في منطقة الحدود المشتركة، وقال: استنتاجي يعود إلى الخطاب العدواني المتزايد لجمهورية أذربيجان، ولدينا بالطبع معلومات أخرى.
وأكد رئيس وزراء أرمينيا أن أرمينيا ليست دولةً تبادر بأعمال عدوانية أو تثير التوتر، ولهذا قرر دعوة مراقبين من الاتحاد الأوروبي. وأصدرت وزارة الخارجية الأرمينية في الأيام الأخيرة بياناً استندت فيه إلى التقييمات، وأعلنت أن الأدلة تشير إلى أن أذربيجان تستعد لعدوان جديد على ناغورنو كاراباخ والإبادة الجماعية للأرمن.
بالنظر إلی التحذيرات القاسية لسلطات باكو والانتهاكات المتكررة لوقف إطلاق النار، هناك احتمال نشوب صراع في المستقبل القريب، ولهذا السبب أعرب الروس مرارًا وتكرارًا في الأسابيع الماضية عن قلقهم بشأن فشل وقف إطلاق النار في كاراباخ، وطالبوا كلا الجانبين بضبط النفس.
في الحربين الشاملتين اللتين وقعتا بين البلدين في عامي 1992 و 2020، قُتل وجُرح عشرات الآلاف من الجنود من الجانبين، ويمكن أن يتسبب تصعيد التوتر في خسائر فادحة في الجارتين.
بناءً على الاجتماعات الثنائية التي عُقدت بين أذربيجان وأرمينيا العام الماضي في موسكو وبروكسل، وحضرها وسطاء إقليميون أيضًا، كان من المتوقع أن تهدأ التوترات بين باكو ويريفان، لكن الحرب الكلامية في اجتماع ميونيخ الأمني أظهرت أن الخلافات تتجاوز ما يمكن حله بوساطة عدة دول.
على الرغم من أنه في نوفمبر 2020، وبناءً على اتفاقية السلام بوساطة روسيا، تمكنت جمهورية أذربيجان من استعادة معظم ناغورنو كاراباخ من أرمينيا بعد ثلاثة عقود، لكنها لا تزال غير راضية عن الحدود الجديدة وتخطط لضم المناطق المتبقية إلى أراضيها.
وفقًا لهذه الاتفاقيات، كان من المفترض أن تتمركز قوات حفظ السلام الروسية حول ممر لاتشين لمنع نشوب صراع محتمل بين قوات البلدين، لكن مع تورط الروس في حرب أوكرانيا، أجبرت قوات حفظ السلام أيضًا على مغادرة كاراباخ، وكانت هذه فرصة جيدة للأذريين لتحقيق سياساتهم الطموحة.
وفي هذا الصدد، منذ كانون الأول (ديسمبر) 2022، سيطرت قوات باكو على ممر لاتشين، ومن خلال محاصرة الجزء الأرمني من كاراباخ، أخذوا هذه المنطقة كرهينة ولا يسمحون بتقديم المساعدة لأهالي هذه المنطقة.
هذا المعبر هو الطريق الوحيد الذي يمكن لأرمينيا من خلاله إيصال الغذاء والوقود والإمدادات الطبية إلى السكان الأرمن في كاراباخ، وهي المنطقة التي يعيش فيها حوالي 120 ألف أرمني، وتخضع لسيطرة الحكومة المحلية لهذه المنطقة منذ حرب كاراباخ الأولى.
أهداف أذربيجان من التغييرات الجيوسياسية في ممر زنغزور
تدعي سلطات باكو أنه من الضروري إنشاء معبر ونقطة مراقبة حدودية في نهاية طريق لاتشين، لكن المجتمع الدولي يعتبر هذا العمل إبادةً جماعيةً، ويجب فتح هذا الممر في أسرع وقت ممكن.
لا تهتم أذربيجان بالمطالب الدولية، وقد أوقفت في الأيام الأخيرة نقل الغاز إلى ناغورنو كاراباخ الأرمنية، وقد تسبب انقطاع تدفق خط الأنابيب هذا إلى جانب إغلاق لاتشين، في خلق كارثة إنسانية للسكان الأرمن في هذه المنطقة.
يحاول رئيس أذربيجان ومسؤولون آخرون في باكو الضغط على أرمينيا بهذا العمل المعادي للإنسان، وإجبارها على الانصياع لمطالب باكو. المطلب الرئيسي لجمهورية أذربيجان هو بناء ممر زانجيزور، الذي يربط أراضي أذربيجان بمنطقة ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي، فإضافة إلى الأرمن، فإن دول المنطقة، بما في ذلك إيران وروسيا، عارضت بشدة هذه الخطة المثيرة للجدل.
تأتي الجولة الجديدة من التوترات في ناغورنو كاراباخ، في ظل الظروف التي تحاول فيها روسيا إعادة نشر جزء من قوات حفظ السلام في هذه المنطقة، من أجل المساعدة في استقرار المنطقة.
کما أرسل الاتحاد الأوروبي عدداً من خبرائه إلى هذه المنطقة منذ أشهر قليلة بحجة إحلال السلام بين أذربيجان وأرمينيا، ولكن علی أساس مصالحه الخاصة، لكن أياً من هذه التحركات السياسية والعسكرية لم تتمكن من إجبار جمهورية أذربيجان على التراجع من مواقفها، وقد أظهر الرئيس الأذربيجاني أنه لن يقبل بأي شيء أقل من بناء ممر زانجيزور، أو احتلال كاراباخ الأرمنية (جمهورية أرتساخ).
إن ممر زانجيزور، إذا تم تنفيذه، سيدمر حدود إيران وأرمينيا إلى الأبد، وستكون أذربيجان الجار الوحيد لإيران في القوقاز.
إلى جانب تركيا والکيان الصهيوني، تحتاج أذربيجان إلى تدمير حدود إيران مع أرمينيا من أجل إنشاء ممر تركي(قناة توراني) من تركيا إلى شينجيانغ بالصين، ولهذا السبب حاولوا احتلال الشريط الحدودي بين إيران وأرمينيا خلال حرب ناغورنو كاراباخ التي استمرت 44 يومًا.
بمعنى آخر، تتحول جمهورية أذربيجان من دولة احتلت جزءًا من أراضيها، إلى دولة تسعى إلى احتلال جزء من أراضي دولة مجاورة. وبقدر أهمية الحدود القانونية لأذربيجان بالنسبة لإيران، من المهم أيضًا الحفاظ على الحدود القانونية لأرمينيا، ولن تسمح طهران لأي دولة مجاورة بإحداث تغيير حدودي.
من ناحية أخرى، تريد جمهورية أذربيجان إظهار استيائها من موقف إيران من خلال تكثيف الهجمات الإعلامية وتأجيج المناقشات حول القومية والانفصالية، وفي الوقت نفسه الضغط على أرمينيا لقبول هذه الخطة، ويمكن أن تكون هذه القضية كعب أخيل بالنسبة لجمهورية أذربيجان، التي أثارت استياء الأقليات مثل الليزجينيين والطالشيين.
تظهر التطورات في كاراباخ أن سلطات باكو لديها قرار جاد لتغيير الجغرافيا السياسية في المنطقة. ومن ناحية أخرى، تعارض أرمينيا ودول المنطقة هذا الإجراء، ويمكن لإصرار باكو أن يزيد من حدة التوترات في جنوب القوقاز ويجرّ القوى الأخرى عبر الإقليمية إلی هذه القضية، وانعدام الأمن هذا هو أفضل فرصة للکيان الصهيوني وبريطانيا وأمريكا لجعل المنطقة غير آمنة.
واستراتيجية إيران في هذا الموقف هي نفس الخط الذي رسمه الحرس الثوري الإيراني في تدريباته الكبيرة على نهر أراس، وهدف طهران ليس الحرب بل خلق أمن مستقر في المنطقة.