الوقت – تثير العلاقة بين المغرب والكيان الصهيوني مخاوف عسكريين ودبلوماسيين ومحللين إسبان، فوفق هؤلاء فإن تعزيز الرباط لقدراته العسكرية يمكن أن يؤدي إلى زعزعة “الوضع الراهن” لغرب البحر الأبيض المتوسط.
حيث قالت صحيفة “إلكونفدينسيال” الإسبانية، إن التحالف المغربي الإسرائيلي في مجال الدفاع والتعاون العسكري يثير قلق الأوساط العسكرية الإسبانية، وفق ما يؤكده الكثير من الخبراء والديبلوماسيين الإسبان، مشيرة إلى أن هذا التحالف الذي لم يكن متوقعا قد يؤدي إلى تغير ميزان القوى في غرب البحر البحر الأبيض المتوسط.
وحسب تقرير نشرته الصحيفة الإسبانية المذكورة الخميس، فإن بدايات هذا التحالف تعود إلى أواخر سنة 2020 عندما توسطت الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب لدفع الرباط وتل أبيب لتوقيع اتفاق تطبيع العلاقات الذي كان مقابله اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء.
ورصدت “إلكونفيدينسيال” في ذات التقرير كرونولوجيا التحالف العسكري الدفاعي بين المغرب وإسرائيل منذ توقيع اتفاق تطبيع العلاقات الثنائية، حيث تسارعت وتيرة توقيع الاتفاقيات العسكرية بعد ذلك، إضافة إلى تبال الزيارات لكبار المسؤولين العسكريين من كلا البلدين، وخاصة المسؤولين الإسرائيليين الذين حلوا بالعاصمة الرباط، مثل وزير الدفاع بيني غانتس، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي وغيرهما.
كما أشار المصدر نفسه، إلى توقيع اتفاقيات عسكرية حصل المغرب بموجبها على عدد من العتاد العسكري الإسرائيلي المتطور، كما تم الاتفاق على إنشاء مصنعين لصناعة الطائرات المسيرة عن بعد من نوع “كاميكازي” بالمغرب، ما سيُعطي دفعة قوية للصناعة العسكرية بالمغرب.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، وفق الصحيفة الإسبانية، بل إن المغرب وإسرائيل وقعا العديد من الاتفاقيات للتعاون في المجال العسكري وتبادل الخبرات والتجارب، ما سيرفع من القدرات العسكرية للجيشين ويزيد من تجاربهما في التعامل مع الحروب والتهديدات العسكرية.
واعتبرت الصحيفة الإسبانية أن كل هذه التطورات المتسارعة منذ تطبيع الرباط لعلاقاتها مع إسرائيل، تزامنا مع عملية التحديث المتواصلة التي تقوم بها الممكلة المغربية لتقوية وتجديد ترسانتها العسكرية، تُشكل كلها قلقا للأوساط العسكرية في إسبانيا، وخاصة أن هذه التطورات تشير إلى إمكانية حدوث تغيرات كثيرة في ميزان القوى بين دول المنطقة.
وهذا وسبق أن تحدثت تقارير إعلامية إسبانية في وقت سابق عن وجود مخاوف فعلية لدى إسبانيا من التحديث العسكري الذي تُجريه الرباط في السنوات الأخيرة، إضافة إلى الشراكة الدفاعية التي وقعتها مع تل أبيب ورغبة المغرب في إحداث صناعة دفاعية داخل ترابه، حيث إن هذا كفيل بجعل المغرب منافسا وندا قويا لمدريد في المنطقة.
كما أن التخوفات الإسبانية تبقى دائما قائمة في ظل العديد من الملفات العالقة بين المغرب وإسبانيا، مثل قضية احتلال إسبانيا لكل من سبتة ومليلية وعدد من الجزر، كالجزر الجعفرية، ما يجعل احتمالية الصدام العسكري بين البلدين دائما قائمة.
لعل ما يخيف إسبانيا التي ظل مسؤولوها يتابعون بصمت تطور العلاقات المغربية الإسرائيلية، هو إمكانية حدوث تغير في موازين القوى في المنطقة. فإسبانيا باتت تتخوف من أن يتحول المغرب إلى قوة إقليمية في منطقة البحر الأبيض المتوسط. إذ من شأن الاتفاقيات الأمنية بين الرباط وتل أبيب أن تفرض توازن قوى جديداً يحتل فيه المغرب وضعية مختلفة.
فبموجب الاتفاق الأمني والعسكري المغربي الإسرائيلي، سيمكن للرباط الحصول على معدات أمنية إسرائيلية عالية التقنية، إضافة إلى التعاون في التخطيط العلمياتي وفي مجالات البحث والتطوير التكنولوجي العسكري والحصول على معدات إسرائيلية عالية التكنولوجيا بسهولة.
ويرى حسني العبيدي، الأستاذ المحاضر في جامعة جنيف، أن إسبانيا تتخوف من الاتفاق المغربي الإسرائيلي نظرا لتداعياته على التفوق العسكري لإسبانيا في المنطقة، "وخاصة أن الاتفاق يشمل أيضا بناء قاعدة عسكرية غير بعيد عن سبتة ومليلية وهما مدينتان مغربيتان محتلتان من قبل إسبانيا، إضافة إلى بناء مصنع لتصنيع معدات عسكرية بما فيها طائرات مسيرة بتقنية إسرائيلية".
عدا عن ذلك، يؤكد حسني العبيدي، أن إسبانيا باتت تعتبر الاتفاق تهديدا لمصالحها في المنطقة، وتتخوف من حدوث اختلال في موازين القوى بأن تصبح الرباط قوة عسكرية في شمال إفريقيا، وهو ما قد يشعل فتيل السباق نحو التسلح، وخاصة مع دول أخرى مهمة بالنسبة لإسبانيا، وخاصة الجزائر.
فإسبانيا، يضيف حسني العبيدي، عضو في الحلف الأطلسي والاتحاد الأوربي ولديها نفوذ تاريخي مهم في منطقة شمال إفريقيا، وخاصة في منطقتها الغربية، كما أن العديد من القواعد العسكرية التابعة للحلف الأطلسي موجودة في إسبانيا.
وقال العبيدي: "فبالتالي وصول المغرب إلى مرحلة مهمة في علاقته مع إسرائيل يمكن أن يؤهله لأن تصبح له علاقات متقدمة مع الولايات المتحدة، العضو الأساس في الحلف الأطلسي، ومن شأنه في النهاية أن يفقد إسبانيا أهميتها الاستراتيجية باعتبار أن الدولتين متقاربتان جغرافيا. هذا إضافة إلى أن المغرب سيصبح له نفوذ عسكري قد يوظفه لصالحه في منطقة المتوسط".
وفي وقت حرصت السلطات الإسبانية على مراقبة تطور العلاقات المغربية الإسرائيلية في صمت حذر، تم تسريب تقرير مخابراتي إسباني يفترض أن يكون سريا، ما دفع الكثيرين إلى التساؤل عن سر هذا التسريب وفي هذا الوقت بالذات.
ويؤكد حسني العبيدي أن هذا التقرير سرب بشكل مقصود من قبل إسبانيا. وقال: "هناك نية من قبل إسبانيا بأن يخرج هذا التقرير للعلن، لأن الحكومة الإسبانية تنشد حصول تجاوب من قبل الإسبان وحتى من قبل المجتمع الدولي مع مخاوفها، وفي الوقت نفسه هي تريد الحصول على المساعدة والدعم من قبل الاتحاد الأوربي.
ختاماً إن إسبانيا في أزماتها مع المغرب، سواء منها أزمة المهاجرين أو غيرها، في كل مرة تبحث عن دعم كل من الاتحاد الأوربي والحلف الأطلسي. وفي حال اقتنع الاتحاد الأوربي بأنه لابد من الوقوف إلى جانب إسبانيا لمواجهة تخوفاتها إزاء المغرب، فإن هذا سيكون أمرا مهما بالنسبة لإسبانيا، لكون المغرب تربطه علاقات قوية تجارية واقتصادية وسياسية قوية مع الاتحاد الأوربي، وليس من مصلحته أن تسوء علاقته بالاتحاد. فهذا الأخير قد يجد نفسه مضطرا إما للوقوف في صف إسبانيا لأنها عضو أساسي أو أن تبقى على الحياد. وهو ما ستعتبره إسبانيا موقفا سياسيا وتخليا عنها من قبل الاتحاد الأوروبي.