الوقت - المبادرة الدبلوماسية المتسرعة المعروفة باسم اجتماع العقبة، التي عقدت بوساطة أميركية الأسبوع الماضي بين السلطات الصهيونية والفلسطينية، فشلت فشلاً ذريعاً قبل الدخول في مرحلة التنفيذ.
كان اجتماع العقبة لقاءً عقده مسؤولون أمريكيون بهدف تخفيف حدة التوتر ومنع عمليات القوی الفلسطينية، لكن استمرار الهجمات والتوترات في الضفة الغربية بعد لقاء العقبة أظهر أن اللقاء لم يكن أكثر من حبر على ورق، وأنه كان مثل مولود ولد ميتاً.
ميناء العقبة، الذي يبلغ عدد سكانه 200 ألف نسمة، هو الميناء الأردني الوحيد الذي يتمتع بإمكانية الوصول إلى المياه المفتوحة، وقد استضاف الأسبوع الماضي اجتماعاً لممثلين عن السلطة الفلسطينية والکيان الصهيوني ومصر والولايات المتحدة، لخفض مستوى التوتر في الضفة الغربية، لكن هذا الاجتماع لم يكن له أي نتائج في الواقع.
خلال اجتماع مسؤولي منظمة السلطة الفلسطينية وممثلي حكومة نتنياهو، قتل ما لا يقل عن مستوطنين إسرائيليين في بلدة حوارة بالقرب من مدينة نابلس بالضفة الغربية، وبعد ذلك أضرم صهاينة متطرفون النار في عشرات المنازل الفلسطينية، وأسفرت هذه الهجمات عن إصابة ما لا يقل عن 100 مواطن فلسطيني واستشهاد شخص واحد.
كذلك، فبينما كان من المفترض أن تتوقف تل أبيب مؤقتًا عن البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، بناءً على وعد أمريكا لمحمود عباس بعد مشاركته في اجتماع العقبة لتخفيف حدة التوتر مع الفلسطينيين، لكن بعد ساعات فقط من لقاء العقبة، نفى بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الکيان الصهيوني، إلى جانب أعضاء في ائتلافه اليميني المتطرف، أي وقف للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية.
حتى أن الخلافات والتوترات في الضفة الغربية تتواصل بشكل أكثر حدةً حتى اليوم، ومجموع هذه الظروف يشير إلى فشل لقاء العقبة.
مسار الفوضى المزدوج
داليا شيندلين، وهي محللة سياسية مقيمة في تل أبيب، تعترف بفشل لقاء العقبة لـ "نيو عرب": "هذا الاجتماع لم يسر على ما يرام". وفي إشارة إلى الوضع الداخلي "غير المستقر للغاية" في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قالت إن اجتماع العقبة هو "طريق ذو اتجاهين للفوضى".
ووفقًا لهذه الخبيرة الإسرائيلية، ففي الوقت الذي اشتعلت فيه التوترات في الضفة الغربية، بدأت أكبر مظاهرة مناهضة للحكومة في تاريخ تل أبيب بمئات الآلاف من الأشخاص ضد خطط حكومة نتنياهو، وعملياً تم تهميش اجتماع العقبة.
علاوة على ذلك، تنتقد حماس وفصائل فلسطينية مسلحة أخرى السلطة الفلسطينية لتفاوضها مع تل أبيب. من ناحية أخرى، ترفض مجموعات اليمين المتطرف الحاكمة في تل أبيب مفاوضات العقبة وأي توقف للبناء الاستيطاني، وتواصل الإصرار على بناء مستوطنات في الضفة الغربية.
يقول طحاني مصطفى، محلل شؤون فلسطين في مجموعة الأزمات الدولية(ICG): "أي محاولة لتهدئة الوضع أدت في الواقع إلى نتائج عكسية، وأثارت غضب الرأي العام". وأضاف مصطفى: "كان الهدف من لقاء العقبة الردع، لكن هذا الاجتماع لم يكن له تأثير على الأراضي الفلسطينية".
منظمة بلا شرعية
يجب اعتبار عدم شرعية السلطة الفلسطينية بين المجتمع الفلسطيني، سببًا آخر لفشل لقاء العقبة السياسي.
كان لوجود محمود عباس خلال الثمانية عشر عاماً الماضية أسوأ نتيجة للسلطة الفلسطينية، حيث حوّل هذه المنظمة إلى منظمة تدافع عن مصالح الصهاينة بدلاً من الدفاع عن مصالح الفلسطينيين.
تقوم منظمة السلطة الفلسطينية، إلى جانب القوات العسكرية التابعة للکيان الصهيوني، باعتقال وقمع قوى المقاومة الفلسطينية، وبالتالي تفتقر إلى الشرعية اللازمة في المجتمع الفلسطيني.
ينتقد مواطن فلسطيني أداء منظمة السلطة الفلسطينية ومفاوضات هذه المنظمة مع تل أبيب، ويقول للعربي الجديد: "بالمعنی الحقيقي للکلمة، لا يوجد في هذه الأيام من يدافع عن الفلسطينيين كشعب واحد، وبالتالي يميل المواطنون الفلسطينيون أكثر نحو الجماعات المسلحة".
كما يشير تقرير مركز البحوث السياسية الفلسطيني(PSR) في كانون الأول(ديسمبر) 2022، إلى أن 23٪ فقط من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة راضون عن أداء عباس، و75٪ يريدون استقالته.
کذلك، ينتقد العديد من الفلسطينيين منظمة السلطة الفلسطينية لتأجيلها الانتخابات وقمع النشطاء والمتظاهرين بالقوة.
في الوقت نفسه، وبناءً على استطلاعات ميدانية في الأراضي المحتلة، يؤيد أكثر من 70٪ من الفلسطينيين تشكيل جماعات مسلحة مثل عرين الأسود، ويعتقدون أن السلطة الفلسطينية لا تملك الحق في اعتقال أعضائها.
وفي الواقع، النخب السياسية الفلسطينية تتنافس على المقاعد السياسية لمنظمة السلطة الفلسطينية والمناصب السياسية، أكثر من العمل علی حل قضية الاحتلال.
الوسيط ليس محايداً
من ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن مصالح مصر والأردن والولايات المتحدة كلها تتماشى مع الکيان الإسرائيلي، وبينما تدعي هذه الدول أنها تتوسط في القضايا والتطورات الفلسطينية، فهي في الواقع طرف في الصراع.
يقول المحلل السياسي الأردني عامر سبائلة: "اجتماع العقبة في الأردن كان في الواقع مبادرةً أمريكيةً بحتةً، ولم يلتفت لمصالح الفلسطينيين".
في الواقع، أظهر لقاء العقبة اختلال التوازن في الوساطة الدولية في التطورات الفلسطينية، وأثبت أن الدول الوسيطة أكثر اهتمامًا بممارسة الضغط على فلسطين، أكثر من الضغط علی الکيان الإسرائيلي.
أصبح الأردن مسؤولاً عن ضمان السلام في منطقة المسجد الأقصى، ومصر ملزمة بضمان السلوك غير المسلح لحماس، والسلطة الفلسطينية ملزمة بمواجهة الجماعات الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية، لكن في غضون ذلك لم يكن هناك ضغط على الکيان الإسرائيلي للالتزام بوعوده.
وعلى الرغم من موافقة الکيان الصهيوني على وقف بناء مستوطنات جديدة في لقاء العقبة، إلا أنه تراجع بعد انتهاء الاجتماع عن التزاماته، ولم يتهم أحد تل أبيب بخرق التزاماتها. من المقرر عقد الاجتماع القادم في مصر، لكن لا أحد لديه أمل كبير في إحداث تغيير كبير في فلسطين بمثل هذه الاجتماعات السياسية.
لن تغير هذه الاجتماعات أي شيء على الأرض، وتعلم جميع الجهات الدولية الفاعلة تقريبًا أن التغيير الرئيسي في فلسطين سيتم من خلال الضغط على الکيان الإسرائيلي، لكن لا أحد من الفاعلين الدوليين يبحث عن الضغط على الکيان، وبدلاً من ذلك يزيد الضغط على المواطنين الفلسطينيين. ولهذا السبب، يفضّل الفلسطينيون هذه الأيام ساحة المعركة على طاولة المفاوضات.