الوقت - في ظل انعدام الأمن على نطاق واسع وتزايد النزاعات بين الصهاينة وجماعات المقاومة الفلسطينية في مختلف أنحاء الأراضي المحتلة في الضفة الغربية، وبينما لم يمض سوى أيام قليلة على ما سمي باجتماع النقب 2، ذهب وفد من حماس إلى دمشق في خطوة لافتة.
شهدت العلاقة بين الحكومة السورية وحركة المقاومة الفلسطينية حماس، في الأشهر الأخيرة، تغيرًا كبيرًا في مسار إعادة بناء حقبة الوحدة والتعاون الماضية.
بعد أن التقى مسؤولون رفيعو المستوى في حماس بشار الأسد للمرة الأولى منذ بداية الأزمة السورية في تشرين الأول من العام الجاري، قال الناطق باسم هذه الحركة حازم قاسم عن عملية إعادة العلاقات: "إن الجهد المستمر لإعادة العلاقات بدأ أولاً بوساطة الأطراف الإقليمية، وخاصةً محور المقاومة، ثم تم تبادل الرسائل حتى وصلنا إلى هذا الاجتماع".
مع بدء الصراع في سوريا، توترت العلاقات بين الجانبين تدريجياً. وغادر قادة الحركة، وعلى رأسهم خالد مشعل، الرئيس السابق لمكتبها السياسي في الخارج، دمشق في شباط/فبراير 2012، وأغلقت هذه الحركة جميع مكاتبها في سوريا وأوقفت نشاطها هناك.
لكن في عام 2017، أعلنت حماس انفصالها عن جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما فسره المحللون على أنه مقدمة للعودة إلى سوريا، من خلال إظهار الاستقلال السياسي عن الحکومات الإخوانية الداعمة للمعارضة السورية في المنطقة، وتحديداً تركيا وقطر.
جماعة الإخوان المسلمين محظورة في سوريا منذ الثمانينيات، وكانت الجماعة من أبرز عناصر فصائل المعارضة المسلحة في دمشق بعد اندلاع الأزمة. من ناحية أخرى، صدرت مثل هذه الإشارات من قبل الحكومة السورية قبل استعادة العلاقات بشكل كامل.
وکان بشار الأسد قد قال في لقاء مع عدد من قيادات فصائل المقاومة الفلسطينية في أيار 2021 بعد معركة سيف القدس "تحية لكل المقاومين في غزة. أبواب سوريا مفتوحة لجميع فصائل المقاومة الفلسطينية، وسوريا سياسياً وعسكرياً في قلب محور المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي".
لكن إلى جانب الالتزام الأخلاقي والسياسة المبدئية لحكومة بشار الأسد لدعم النضال التاريخي للشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، ما أدى في نهاية المطاف إلى تسريع إعادة بناء العلاقات بين حماس والحكومة السورية، هو التطورات الإقليمية الناجمة عن ميل الدول العربية وتركيا إلى تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، الأمر الذي جعل قادة حماس يدركون ضرورة تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع محور مقاومة.
لذلك، يجب النظر في جزء من أهداف الجولة الجديدة من زيارة مسؤولي حماس إلى سوريا، بأنها تأتي من أجل استكمال دورة التعاون السابق مع دمشق، الأمر الذي يمكن أن يؤدي حتى إلى إعادة منح امتياز إنشاء المکتب السياسي لهذه الحرکة.
ومع ذلك، فإن إظهار الاهتمام الثنائي في تعزيز روابط الماضي، له علاقة أيضًا بالتطورات الحالية في سوريا وفلسطين، ويمكن أن تحمل زيارة وفد حماس رسالةً للحكومة الصهيونية المتشددة، التي تمضي قدماً في إجراءات متهورة لإشعال نزاعات جديدة في المنطقة.
مرت 10 أيام على الغارة الجوية الصهيونية على حي كفرسوسة بريف دمشق، والتي أسفرت عن مقتل عدد من المواطنين السوريين بينهم ضابط عسكري. وعلى الرغم من أن الحكومة السورية تمكنت من تقليل شدة ونجاح الهجمات الصهيونية باستخدام أنظمة دفاعية، إلا أن حقيقة أن الأزمة الداخلية السورية أدت إلى خسارة غالبية أوراق القوة التي تصنع موازنة التهديد لسوريا أمام الصهاينة، أمر لا يمكن إنكاره.
لكن من أقوى وأهم أوراق موازنة التهديد، التحالف مع المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي تتم استعادته بسرعة. وبعد الهجوم الإسرائيلي الأخير، أعلنت بعض المصادر نقلاً عن قادة الجهاد الإسلامي، أن الهجوم الإسرائيلي کان يستهدف اجتماع فصائل المقاومة في دمشق، ويعني هذا الخبر أن دمشق تحاول أن تلعب دوراً أكبر في تطورات الضفة الغربية هذه الأيام.
وكان الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة قد قال في وقت سابق عن استمرار دعم الحكومة السورية للمقاومة: "إن أول صاروخ مضاد للدبابات أطلقته سرايا القدس على سيارة صهيونية في قطاع غزة خلال معركة سيف القدس، حصلنا عليه بدعم من سوريا ووصلنا إلى غزة عبر ميناء اللاذقية".
الآن أيضًا، من أهداف زيارة وفد حماس إلى دمشق، المشاركة في لقاء قادة فصائل المقاومة الفلسطينية. وقال خليل الحية، رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية في حماس: "الهدف من اللقاء مع قادة فصائل المقاومة الفلسطينية في دمشق، هو توحيد الجبهات الوطنية لمواجهة جرائم الاحتلال، في ظل وجود الحكومة الفاشية المتطرفة للکيان الصهيوني التي تصب الزيت على النار، وترتكب الجرائم بحق الفلسطينيين. وحماس تدين كل اللقاءات والاجتماعات التي تستهدف المقاومة الفلسطينية، سواء في العقبة أو في أي مكان آخر".
التعامل مع أوضاع ضحايا الزلزال الفلسطينيين
لكن إضافة إلى الأهداف المعادية للصهيونية، تهدف هذه الزيارة إلى خلق دور لحركة حماس في تقديم المساعدة للحكومة السورية، وكذلك الحد من مشاكل الفلسطينيين الذين ضربهم الزلزال.
بعد الزلزال الرهيب الذي وقع الشهر الماضي، أعلن إسماعيل هنية، رئيس حركة حماس، على الفور عن استعداده لمساعدة المتضررين من الزلزال، معربًا عن تعاطفه مع الشعب والحكومة في سوريا.
تشير الإحصاءات إلى أن اللاجئين الفلسطينيين كانوا أيضاً من بين الضحايا. وكان أحمد الديك مستشار وزير الخارجية الفلسطيني قد أعلن في وقت سابق مقتل ما لا يقل عن 51 فلسطينياً يعيشون في مخيمي الرمل في اللاذقية والنيرب بحلب.
وحسب الإحصائيات التي قدمتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين(أونروا)، فإن عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا يبلغ الآن 438 ألف لاجئ، وغالبيتهم تحت خط الفقر(أي دخل أقل من دولارين للفرد في اليوم). ولا يزال 40٪ منهم في حالة نزوح طويل الأمد بسبب النزاعات والتدمير المستمر للملاجئ.
هذا في حين أن العقوبات الغربية تعيق وصول المساعدات الدولية إلى دمشق، والحكومة السورية لا تملك القوة الكافية لحل مشاكل ضحايا الزلزال بشكل كامل. وبالتالي، بطبيعة الحال ينتظر اللاجئون الفلسطينيون مساعدة السلطة الفلسطينية أو حركة حماس.