الوقت- يظهر قرار سلطنة عمان بفتح مجالها الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية نهج تسوية زاحف وتدريجي يتم تنفيذه في ظل عروض اقتصادية مغرية.
يتم اتخاذ الخطوات التصالحية العمانية مباشرة بعد كل جولة من الحوار الاستراتيجي بين مسقط وواشنطن، والذي يعتمد أساسًا على التعاون الاقتصادي ويفتح الاقتصاد العماني لاستخدام أكبر للبرامج المالية الأمريكية.
في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه سلطنة عمان قرارها بفتح مجالها الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية، بدأت الجولة الأولى من المحادثات الاستراتيجية بين عمان والولايات المتحدة.
وعلى هامش هذا الاجتماع ، تم توقيع مذكرة تفاهم بين بنك الاستيراد والتصدير الأمريكي "أكسيم" لتوفير التسهيلات المالية لإطلاق المشاريع الصناعية، بما في ذلك في مختلف القطاعات مثل صناعات الاتصالات اللاسلكية وشبكات الجيل الخامس والتقنيات الحيوية، تم التوقيع على الطاقات المتجددة والزراعة ومعالجة مياه الصرف الصحي.
حكومة الرئيس جو بايدن كانت حاضرة في وسط عدة أشهر من المفاوضات التي أدت إلى اتفاق مسقط، وبالتالي شكر وزير خارجية النظام الإسرائيلي رئيس الولايات المتحدة و وزير خارجيته لهذا الدور.
لذلك، من وجهة نظر قاعدة المعلومات هذه، فإن نهج عمان الجديد يثبت أن تقدم اتفاقيات ابراهام أصبح أحد المبادئ الرئيسية للسياسات الأمريكية وليس له علاقة بما إذا كانت الحكومة في البيت الأبيض جمهورية أم ديمقراطية.
فتح المجال الجوي
قالت هيئة الطيران المدني العمانية، اليوم الخميس، إن المجال الجوي للسلطنة سيكون مفتوحا أمام جميع الناقلات الجوية المدنية، في خطوة ستمكن شركات الطيران الإسرائيلية من استخدام ممر سعودي-عماني لاختصار أوقات الرحلات إلى آسيا.
وكتبت هيئة الطيران المدني العمانية في تغريدة على حسابها على "تويتر": "إنفاذا للمتطلبات الدولية والمحلية بعدم التمييز بين الطائرات المدنية في المعاملة، فإن هيئة الطيران المدني تؤكد بأن أجواء سلطنة عمان مفتوحة أمام جميع الناقلات الجوية التي تستوفي شروط عبور الأجواء العمانية"، دون ذكر الطيران الإسرائيلي بالاسم.
وفي المقابل، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية، تزامنا مع التغريدة العمانية، أن سلطنة عمان قررت السماح لشركات الطيران الإسرائيلية بالتحليق في مجالها الجوي. ونقلت قناة "كان" الرسمية الإسرائيلية عن الوزارة أن القرار العماني يسمح بتقصير المدة التي تستغرقها رحلات الطائرات الإسرائيلية في طريقها إلى شرق آسيا.
وأعادت القناة للأذهان أنه في أعقاب زيارة الرئيس الأميركي لكل من السعودية وإسرائيل أعلنت الرياض أنها ستسمح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق في الأجواء السعودية.
وذكر موقع صحيفة "يسرائيل هيوم"، اليوم الخميس، أن القرار العماني جاء بعد شهرين من المفاوضات التي أجرتها إسرائيل مع السلطات في مسقط.
ولفتت الصحيفة إلى أن الخطوة العمانية ستقصر المدة الزمنية التي تستغرقها رحلات الطائرات الإسرائيلية إلى شرق آسيا بساعتين.
ونقلت الصحيفة عن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين قوله: "يدور الحديث عن قرار تاريخي وجدي بالنسبة للاقتصاد والسائح الإسرائيلي. إنني أتوجه إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس مجلس الأمن القومي "تساحي هنغبي" وإلى مدير عام وزارة الخارجية رونين ليفي وإلى موظفي الخارجية المخلصين الذين عملوا من أجل مصلحة مواطني إسرائيل واقتصادها".
وشكر وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين اليوم الخميس السلطان هيثم بن طارق آل سعيد سلطان عمان على فتح المجال الجوي لبلاده أمام جميع شركات الطيران، واصفا الخطوة بأنها "قرار تاريخي ومهم للاقتصاد الإسرائيلي وللمسافر الإسرائيلي".
العلاقات تحت الطاولة
حسب وسائل الاعلام الإسرائيلية فان العلاقات بين إسرائيل وعمان موجودة تحت الطاولة منذ عام 1978. حيث كان يمتلك الكيان الصهيوني ما يسمى ” المكتب التجاري ” وهو بالحقيقة غطاء لتواجد ضباط من الموساد الإسرائيلي في سلطنة عمان وكان هناك أيضا مشروع تجريبي لتحلية المياه.
تعهدات بعدم التطبيع
تعهدت سلطنة عمان، بأنها لن تبدأ عملية تطبيع للعلاقات مع الكيان الإسرائيلي، بعد إعلان البلد الخليجي فتح أجوائه أمام الطائرات الإسرائيلية المتجهة شرقا، حسب الإعلام العبري. وقالت القناة "12" اليوم الجمعة: "تعهدت عمان لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بأنها لن تبدأ عملية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. ووافقت السلطة الفلسطينية على عدم إدانة سماح السلطنة للطائرات الإسرائيلية بالتحليق في أجوائها باتجاه الشرق".
يأتي قرار سلطنة عمان المفاجئ ، رغم موافقة مجلس الشورى العماني مؤخرا، على إحالة مشروع تعديل المادة الأولى من قانون مقاطعة الاحتلال إلى اللجنة التشريعية والقانونية لإبداء الرأي قبل مناقشة المقترح وإقراره أو رفضه. ووقتها، قال نائب رئيس المجلس، يعقوب الحارثي، خلال الجلسة، إن التعديل المقترح “يوسع نطاق المقاطعة التي نصت عليها المادة الأولى”، مؤكدًا أن أعضاء المجلس المتقدمين بالطلب “اقترحوا تعديلات إضافية تتضمن قطع أي علاقات اقتصادية كانت أو رياضية أو ثقافية وحظر التعامل بأي طريقة أو وسيلة كانت سواء لقاءً واقعيًا أو لقاءً إلكترونيًا أو غيره”، وفقا لموقع “أثير” المحلي. والمادة الأولى من القانون المشار إليه تنص على أنه “يحظر على كل شخص طبيعي أو اعتباري أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقا مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها أينما أقاموا وذلك متى كان محل الاتفاق صفقات تجارية أو عمليات مالية أو أي تعامل آخر أيا كانت طبيعته”.
ولا توجد علاقات دبلوماسية رسمية بين عُمان والكيان الإسرائيلي، رغم طرح الدولة الخليجية كدولة محتملة للانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم، بعد الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، أجرى نتنياهو الذي كان وقتها أيضا رئيسا للوزراء زيارة مفاجئة هو وزوجته إلى سلطنة عمان، وجرى استقبالهما بحفاوة من قبل الراحل قابوس سلطان عمان والمسؤولين العمانيين.
الزيارة التي مهدت الطريق نحو التطبيع
الزيارة المفاجأة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى سلطنة عمان تفتح آفاق علاقات اقتصادية و تجارية و أيضا سياسية و عسكرية بعيدة الأمد و ذات طابع استراتيجي بالأساس في الخليج الفارسي. مع العلم أن الخطر الإيراني و توسعه في المنطقة يشكل خطرا إقليميا للمصالح الإسرائيلية و الخليجية في نفس الوقت. أما بخصوص هذه الزيارة الأولى من نوعها بصفة مفاجأة و علنية إلى دولة عربية خليجية تكرس نظرية التطبيع الشامل بين دول مجلس التعاون الخليجي و دولة إسرائيل. فرئيس الوزراء الإسرائيلي يحمل في جعبته لسلطنة عمان صفقات متعددة تشمل المبادلات التجارية و التعاون المالي قصد جلب الاستثمارات المباشرة و خاصة منها التركيز على جانب الانفتاح الإقليمي البحري علي المحيط الهندي قصد تطويق التحركات العسكرية الإيرانية و المزيد من التنسيق العسكري مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي هي أيضا تقيم علاقات دبلوماسية طبيعية عبر القنصلية الإسرائيلية بدبي.
إن هذه العلاقات الخليجية الإسرائيلية ترتكز بالأساس على الأولوية الاقتصادية و خاصة منها المبادلات التجارية و تنويع الاستثمارات في البنية التحتية و الترفيهية و العقارية. بالعودة إلى كلمة تطبيع فهي تحمل في مدلولها اللفظي نوعا من الكراهية و نبذ الطرف الآخر و هي كلمة غريبة في المصطلحات اللغوية العالمية، إذ تشير هذه الكلمة إلى تطبيع مع كائنات فضائية غريبة عن كوكبنا الذي يضم مخلوقات حيوانية و أيضا بشرية، إلا أن هذه الكلمة تدخل في زاوية العداء و الكره و النقمة لتكون فاصلا بين شعبين متناحرين.
فالدين للديان و الكون لبني الإنسان الذي كرمه الله و خلق منه شعوبا و قبائل لتتعارفوا و لا لتتقاتلوا و أيضا لتبرموا صفقات تجارية و مالية و أبرز قدوة على ذلك هو النبي محمد صلي الله عليه و السلم الذي كان يزور القبائل اليهودية لإبرام صفقات تجارية في القماش و الحرير.
هنا يكمن مربط الفرس, هل يجوز تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني أو لا؟. في المقابل تجرم بعض الدول العربية التطبيع منها بعض الدول الشمال إفريقية وخاصة منها الحركات الإسلامية والحركات القومية الشيوعية و التي حولت هذا الملف إلى مجالس نوابها للتصويت على هذا القانون. تعتبر هذه الدول أن أي علاقة تقام مع دولة إسرائيل أو مع بنيامين نتنياهو بمثابة جريمة دولية كبري ما يقلص بالنتيجة علاقتها الدبلوماسية و مساعداتها المالية وخاصة من قبل العم سام ترامب تحت نظرية "معاداة السامية".
فالمشهد الدبلوماسي في العلاقات الدولية يشهد العديد من المتغيرات المتسارعة وخاصة بعد ما سمي "الربيع العربي" وخاصة بعد وصول الحركات الإسلامية التي تكن كرها شديدا لدولة إسرائيل و حكامها و أبرز دليل على ذلك قطع تلك العلاقات بالكامل خلال فترة حكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي العياط و ذلك عبر حرق السفارة الإسرائيلية بالقاهرة و طرد سفيرها مع تهديده بالقتل.
كما أن الثورات المضادة بعودة الرموز الفاسدة السابقة في تلك الدول تصنف في خانة تعميق المشكلة و ليست بأي حال من الأحوال جزءا من الحل في الاستقرار الاقتصادي و السياسي. بالتالي يظل المشهد العربي في العلاقات الدولية مع دولة إسرائيل يتراوح بين التطبيع العلني مثل (مصر و الأردن و قطر و السعودية و دولة الإمارات العربية المتحدة و أيضا سلطنة عمان). أما بقية الدول العربية فهي تقيم علاقات سرية أو "تجرم التطبيع" أحيانا. فعالمنا أصبح اليوم يرتكز بالأساس على المصالح الاقتصادية و كل دولة أصبحت تولي اهتماما داخليا أكثر منها بالتدخل في شؤون الدول الأخرى.
أما القضية الفلسطينية فقد تخلى عنها الجميع في ظل وفاة نظرية القومية العربية الإشتراكية الثورية حيث أصبحت الساحة السياسية كلها تحت المظلة الأمريكية و جميع الحكومات العربية تتعامل مع القضية الفلسطينية كأنها صفقة بين الولايات المتحدة الأمريكية و الكيان الاسرائیلي و فلسطين.