الوقت- أثناء الأسابيع الأخيرة، اُرسلت سلطنة عمان كوسيط من قبل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لإقناع حركة أنصار الله اليمنية بتمديد وقف إطلاق النار، لكن عدم جدية الطرف الآخر في المفاوضات أدى بصنعاء إلى استنتاج أنهم يتابعون سرا خطة أخرى غير السلام. وعلى الرغم من ورود العديد من التقارير في الأسابيع الأخيرة عن موافقة السعوديين على شروط أنصار الله وكان من المتوقع أن تنتهي مفاوضات وقف إطلاق النار قريبًا وإحلال السلام، إلا أنه يبدو أن تحرك المسؤولين العمانيين في طريقهم إلى الرياض وصنعاء ما هو إلا مضيعة للوقت، وهذه القضية أثارت غضب صنعاء.
وعشية الذكرى الثامنة للحرب في اليمن، حذرت سلطات صنعاء مرة أخرى المعتدين من استمرار الأعمال العدائية. وفي هذا الصدد، طالب مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى اليمني، في كلمة له الأجانب بمغادرة هذا البلد، ووقف الحرب في اليمن وإنهاء حصار هذا البلد، لأنهم إذا لم يفعلوا ذلك، فإن العواقب ستكون وخيمة عليهم. وطالب المشاط بالتزام تحالف العدوان بكل الواجبات والحقوق المشروعة للشعب اليمني، مؤكدا مساهمة الشعب اليمني من موارد وثروات بلاده في الحصول على الحقوق والخدمات. وفي المقابل حذر المجلس اليمني تحالف المعتدين وأعلن أن تجاهل صبر ومعاناة الشعب اليمني له عواقب وخيمة.
في الوقت نفسه، يوم الجمعة الماضي، في ذكرى استشهاد صالح علي الصماد الرئيس التنفيذي السابق لصنعاء، أكد آلاف اليمنيين على استمرار مقاومتهم حتى خروج الدول المعادية من اليمن. وحذروا قوات العدو من خلال مسيرات كبيرة في مدن مختلفة، بانهم لن يسمحوا للولايات المتحدة وإنجلترا بالتواجد داخل حدود اليمن، وأنهم سيواصلون تحرير اليمن من أي احتلال أجنبي.
مفاجأة للمتسللين
أعلن قادة صنعاء مرارًا وتكرارًا في الأشهر الأخيرة أنه إذا واصلت السعودية والإمارات عدوانهما، سينفد صبرهم وسيستأنفون العمليات الصاروخية في عمق المعتدين. لذلك فالسلام الحالي هو حالة الهدوء قبل العاصفة التي إذا ارتفعت ستجر السعودية وحلفاءها إلى دوامة.
بقي شهر واحد بالضبط حتى الذكرى الثامنة لبدء الحرب في اليمن، وهذه الفترة القصيرة فرصة جيدة لقادة الرياض وأبو ظبي للنظر في جميع الجوانب واختيار المسار الصحيح. لأن نمط سلوك أنصار الله قد أثبت أنه يحمل العديد من المفاجآت للمعتدين في ذكرى هذه الحرب، ومن المرجح هذه المرة أن يتكرر استهداف عمق تراب السعودية والإمارات. وفي العام الماضي، وجه أنصار الله ضربة قوية للمملكة العربية السعودية بهجمات بطائرات دون طيار على منشآت أرامكو، وكانت هذه الضربة شديدة لدرجة أن السعوديين وافقوا على الفور على وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر.
مع الأخذ في الاعتبار التحذيرات القاسية لقادة أنصار الله، إذا استمر السعوديون في جرائمهم ضد الشعب اليمني المظلوم، فإن رد أنصار الله هذه المرة سيكون أكثر شمولاً. وفي الأشهر الأخيرة، حذرت القوات المسلحة اليمنية مرارًا وتكرارًا من أن الحرب القادمة ستكون أكثر إيلامًا وأوسع نطاقًا من ذي قبل. وقال اليمنيون إنه إذا بدأت جولة جديدة من الصراعات فلن يقتصر نطاقها على أرض المعتدين بل سيغطي ما وراء المنطقة.
وحذر أنصار الله من أن استمرار الوضع لن يؤدي إلى السلام أو الحرب، وطالما استمر الحصار الاقتصادي وسحب المعتدون موارد الشعب اليمني فلن يسكتوا في وجه هذه الإجراءات. ويشعر أنصار الله، بصفتهم ضامنًا لأمن اليمن، بواجب ثقيل على أكتافه، وقد طلب الناس من القوات المسلحة لبلدهم تقديم إجابة حاسمة للغزاة بالقول إن المعتدين لا يفهمون سوى لغة القوة.
ووفقًا للتغيرات الجيوسياسية التي حدثت في النظام الدولي بعد الحرب الأوكرانية، فإن الهجمات الصاروخية المحتملة من قبل أنصار الله على المنشآت النفطية في السعودية والإمارات لن تفرض تكاليف باهظة على المعتدين فحسب، بل ستلحق أيضًا الضرر بالدول الغربية وسيواجهون أزمة طاقة وسيتعين على الأوروبيين دفع ثمن باهظ لشراء الطاقة التي يحتاجون إليها.
معايير أمريكا المزدوجة
في العام الماضي، إضافة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، نشطت الولايات المتحدة والنظام الصهيوني ودول أوروبية في اليمن، بإنشاء قواعد في محافظتي حضرموت والمهرة، حيث يسرقون موارد النفط والغاز في البلاد، وهاجم أنصار الله ناقلات النفط السعودية مرتين ونفذوا هجمات بطائرات دون طيار وقالوا إن هذا مجرد تحذير وأن العمليات المستقبلية ستكون مدمرة. وبفضل قوتها العسكرية، تحاول الولايات المتحدة تعزيز موطئ قدمها في جنوب اليمن وتواصل نهب النفط والغاز في البلاد، لكن أنصار الله، دون خوف من الولايات المتحدة، حذروا من أن مصالح واشنطن ستكون أهدافًا مشروعة لها. لقد قام زعماء أنصار الله بتهديد الأمريكيين علانية.
فتح الطريق للمفاوضات
يبدو أن السعوديين أخذوا تحذير أنصار الله بجدية عشية الذكرى السنوية للحرب في اليمن واضطروا إلى اتخاذ إجراءات عملية لإفادة اليمنيين بإنجازات المفاوضات الجارية. وبناء على ذلك، أعلن وزير النقل في حكومة الإنقاذ الوطني اليمني عبد الوهاب الدرة، يوم الأحد الماضي، دخول عدة سفن تجارية إلى موانئ الحديدة، وعدة سفن أخرى في طريقها لدخول هذه الموانئ. وقال في هذا الصدد: "بعد التفتيش في ميناء جيبوتي، توجهت السفن التي دخلت اليمن مباشرة من هذا الميناء إلى ميناء الحديدة دون تأخير". وأضاف الدرة: "أن من بين هذه السفن 18 سفينة تتنقل من موانئ التحميل إلى موانئ "الحديدة" و "الصليف" و "رأس عيسى" وتنقل المواد الغذائية والمنتجات البترولية والحاويات". وتابع: "وصول السفن إلى الموانئ اليمنية مستمر بشكل يومي، لضمان تلبية احتياجات 70٪ من الشعب اليمني. وتوفير احتياجات اليمنيين من أقرب المنافذ والمطارات حق من حقوقهم".
وسابقاً، كانت هذه السفن قد احتجزت من قبل التحالف العربي المعتدي بقيادة السعودية لفترة طويلة، حتى لأكثر من 10 أشهر، على الرغم من التفتيش الدقيق من خلال آلية هيئة التفتيش في جيبوتي واستلام التصاريح الدولية. ويؤكد قادة صنعاء إنهم لن يوقعوا على أي اتفاق حتى يتم رفع الحصار عن اليمن وفتح المطارات وصرف رواتب موظفي الحكومة من عائدات بيع النفط في هذا البلد. وجدية أنصار الله أجبرت السعوديين على التراجع.
على الرغم من أنه في بداية الحرب، كانت للسعودية وحلفائها المسلحين اليد العليا في التطورات الميدانية، ولكن مع مرور الوقت، انقلبت الطاولة لصالح اليمنيين بقوة الصواريخ والطائرات المسيرة ومؤخرا مع إنجازات القوة البحرية، وإضافة إلى السعودية والإمارات، حتى النظام الصهيوني يخشى قوة هذه الحركة ويعتبرها تهديداً لوجودها المزيف.
وتجدر الإشارة إلى أن التقدم العسكري لأنصار الله قد تحقق في وقت كانت فيه اليمن تحت حصار شديد من البر والجو والبحر، ولم يتم تقديم أي مساعدات خارجية لليمنيين، ولكن بالاعتماد على القدرات المحلية، تمكنوا من خلق قوة ردع، إن إنفاق الغزاة والرياض وأبو ظبي مبالغ طائلة لشراء أنظمة دفاعية من أمريكا والنظام الصهيوني خير مثال على هذه الحقيقة.
ثماني سنوات من الحرب في اليمن لم تسفر إلا عن الهزيمة للسعودية والإمارات، والآن من الأفضل لحكام الرياض وأبو ظبي أن يعودوا إلى رشدهم ويتصالحوا مع أنصار الله بدلاً من استمرار الاحتلال، لأن استمرار هذه الحرب سيكون له عواقب لا يمكن إصلاحها على المعتدين. لأن اليمنيين أظهروا أنه ليس لديهم ما يخسرونه ولديهم القوة لمعاقبة الغزاة، وهذا تحذير خطير للتحالف المعتدي بمغادرة اليمن قبل فوات الأوان وترك مصير اليمنيين لأنفسهم.