الوقت- يبدو ان السعودية باتت تدرك واخيرا وبعد 13 عاما ان الحرب في سوريا فاشلة ولن تنجح في اسقاط الدولة السورية، وهو ما جعلها تبحث عن قنوات تفاوض مع دمشق علها تنجح في احداث خرق بالوضع السياسي الحالي، وزير الخارجية السوري فيصل بن فرحان آل سعود، اكد ان إجماعا بدأ يتشكل في العالم العربي أنه لا جدوى من عزل سوريا وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين.
واضاف ان هذا الاجماع ليس فقط بين دول مجلس التعاون، بل في العالم العربي على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار. واوضح بن فرحان، انه في ظل غياب سبيل لتحقيق الأهداف القصوى من أجل حل سياسي فإن نهجا آخر بدأ يتشكل لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين وخاصة بعد الزلزال المدمر في سوريا وتركيا. واشار الى انه لذلك، ينبغي أن يمر ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما، بما يسمح على الأقل بتحقيق الأهداف الأكثر أهمية وخاصة فيما يتعلق بالزاوية الإنسانية وعودة اللاجئين وما إلى ذلك.
الامير السعودي وعند سؤاله عن التقارير التي أفادت بأنه قد يزور دمشق بعد أن زارها نظيراه الإماراتي والأردني في أعقاب الزلزال، قال إنه لن يعلق على الشائعات. وتمثل التصريحات التي أدلى بها الأمير في منتدى ميونيخ للأمن تغيرا في السياسة بالمقارنة مع السنوات الأولى للحرب في سوريا المستمرة منذ عام 2011 عندما دعمت دول عربية من بينها السعودية الجماعات الارهابية المسلحة التي قاتلت الدولة السورية، ولكنه منذ العام الماضي بدأت تتغير المواقف العربية نحو دمشق، وبعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا، وأرسلت السعودية طائرات محملة بالمساعدات لمناطق منكوبة تسيطر عليها الحكومة السورية في إطار جهود الإغاثة من الزلزال بعدما اكتفت في البداية بإرسال مساعدات لشمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة. وفي ظل هذا الانفتاح فلا يزال هناك دول عربية أخرى قلقة من اعادة علاقاتها مع دمشق، اضافة الى انها تعتقد ان العقوبات الاميركية المفروضة على سوريا قد تغير مجريات الأمور. حيث قال وزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم الصباح في ميونيخ إن بلاده لا تتعامل مع دمشق وتقدم المساعدات عبر منظمات دولية وعبر تركيا. ولدى سؤاله عما إذا كان هذا الموقف سيتغير قال الوزير الكويتي "لن نغير شيئا في الوقت الراهن".
السعودية تريد الحوار وعودة العلاقات مع دمشق لأسباب عدة، أبرزها أن الرياض لا تريد أن تكون خارج العلاقات مع سوريا في الوقت الذي تتمتع فيه إيران بعلاقات مهمة معها. إضافة إلى أن تركيا تريد تصحيح هذه العلاقات أيضا، وفيما بتعلق بالرياض فعلاقاتها الإيجابية مع دمشق تعني بوابة لضبط النفوذ التركي في المنطقة وضمان الاستقرار في عدد من الدول كلبنان على سبيل المثال. من جهة أُخرى السعودية باتت دولة صاحبة مشروع ورؤية إقليمية خاصة بها، وهي بحاجة إلى تصفير المشاكل لتعوم مشاريعها، ولا يمكن نجاح تلك الرؤية مع الأحقاد الشخصية مع سوريا وقيادتها.
وحسب المعلومات، فقد شهدت الأسابيع الأخيرة عدداً من اللقاءات السورية – السعودية، أجريت من دون أي معلومات عن مستوى اللقاء ومكانه وموعده، لكنها وصفت باللقاءات رفيعة المستوى حسب الأوسط السياسية.
أما فيما يتعلق بدمشق فشروطها واضحة بخصوص الحوار وفتح صفحة جديدة، وهذه الشروط تتمثل بضمانات أمنية واقتصادية، وجدول زمني واضح لخروج القوات الأجنبية من البلاد، مع ضمانات بعدم دعم الجماعات المسلحة وعدم الضغط على الدولة في قضية النظام السياسي الجديد. وهنا يجب ألّا ننسى ما قاله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عندما أراد الانسحاب من سوريا عندما صرح علانية أن الرياض هي من طلبت بقاء قواته في سوريا وأنها ستمول هذا البقاء، وبالتالي يمكن للرياض أن تستخدم نفوذها لخروج الأميركي من سوريا.
من ناحية ثانية، تُمارس على الدولة السورية الآن الكثير من الضغوطات الدولية، مثل الحصار الاقتصادي بهدف دفعها نحو قبول الحوار من دون شروط ولا سيما مع السعودية، لكن القيادة السورية تواصل رفض هذه الضغوطات لأنها تعلم أنها إذا قبلت الحوار من دون شروط أو بتأجيل الشروط فلن تحصل على أي شيء مستقبلاً، وبالتالي سيتم تعويم الملف السوري أكثر ويأخذ كل طرف ما يريده ويبقى الشعب السوري من دون أن يحقق أي شيء. وتعلم القيادة السورية أن الضغط الاقتصادي والإنساني والتلويح بعقوبات أمريكية جديدة، هو مسألة وقتية ليس إلّا، فإذا مرت العاصفة الشتوية هذه ودخلنا الربيع المقبل سيتغير الوضع بصورة كبيرة نحو الأفضل على جميع المستويات والأصعدة.