الوقت- إن كل إنسان حر و شريف لا يمكنه أن يسكت عن الظلم والإضطهاد، و ما حدث في الأيام القليلة الماضية للمسلمين الشيعة في نيجيريا من قتل و إضطهاد جعل العالم الإسلامي عامة و الشيعي خاصة يتحرك ليقول كلمة الحق في وجه السلطان الجائر. فإنتفض المسلمين الشيعة في نيجيريا في مظاهرات غاضبة ضد الظلم الذي لحقهم من الجيش و الحكومة النيجيرية، معلنين رفضهم لما قام به الجيش ضد المدنيين الشيعة العزّل الذين حضروا في حسينية "بقيّة الله" في مدينة "زاريا" لتشييع جنازة أحد الضحايا، الذين سقطوا على أيدي جماعات "بوكو حرام" الإرهابية، التي تبايع تنظيم "داعش".
نحن في هذا المقال نحاول أن نجيب عن الأسئلة التالية: كيف عبّر الشيعة في نيجيريا عن غضبهم و رفضهم لهذه الأحداث الدامية؟ وهل ستقوم الدولة النيجيرية بواجباتها تجاه المجرمين و تضمن أمن مواطنيها و حمايتهم من الإرهاب الذي غزاهم في عقر دارهم؟ و هل ستتراجع الحكومة في نيجيريا عن دعمها للإرهاب؟
بعد إنتشار صورة للشيخ "إبراهيم الزكزكي"، ملطخا بدمه و ممسوكا من قدميه على مواقع التواصل الإجتماعي، كذلك إنتشار تسجيل صوتي، قيل أنه الأخير للشيخ "الزكزكي" قبيل إعتقاله. قال فيه إن "الجيش حاصر منزله و قتل كل الموجودين في حسينية "بقية الله"، إضافة إلى قتله للمعتقلين الأحياء". لقت هذه الأحداث الدامية أصداء واسعة في نيجيريا فقد خرج الآف الشيعة من أنصار الحركة الإسلامية في مدن عدة منها كانو، كادونا، باووشي، كاتسينا وغومبا، إستنكارا لقتل المئات من المدنيين العزّل، وإعتقال زعيم المسلمين من أتباع أهل البيت(عليهم السلام) فضيلة الشيخ "إبراهيم الزكزكي".
جابت المظاهرات شوارع المدن النيجيرية رافعة شعارات ضد الإرهاب الداعشي و الحكومة المتواطئة مع الإرهاب، مطالبين بملاحقة المجرمين و إنزال أشد العقوبات بهم، كما طالبوا بالإفراج الفوري عن الشيخ الزكزكي و زوجته و جميع أنصاره المعتقلين لديها ظلما. و حذروا من تهاون الدولة في حفظ أمنهم و حمايتهم من الإرهاب الداعشي المتربص بهم. و أضاف الناطق بإسم المتظاهرين قائلا: "نحن نطالب بحقوقنا كمواطنين في نيجيريا من الحرية و العدالة و العيش بأمن و سلام".
كما أكد المتظاهرون على أن هذه الإعتداءات لن تخيفهم و لن تجعلهم يتراجعوا عن السير في طريق الحق و نصرة المظلومين، فهم ضد الإرهاب الداعشي و مع قضايا الأمة المحقة، و مع الشعوب المستضعفة في كل بقاع العالم. وهم ليسوا وحدهم في الساحة، فقد سارعت الشعوب الصديقة إلى نصرة إخوانهم في نيجيريا، فإنطلقت مظاهرات الغضب في كل من إيران والعراق ولبنان وبريطانيا وغيرها من البلدان الإسلامية رافضين الهجوم الظالم من قبل الجيش النيجيري على الشعب الأعزل، مطالبين الحكومة النيجيرية في إنزال أشد العقوبات بالمجرمين. كما طالبوا بتأمين الحماية للمسلمين الشيعة و إبعادهم عن الصراعات الإقليمية. و أكدوا أنهم ليسوا وحدهم في الميدان و في حال لم تستجب الحكومة لمطالب الشعب النيجيري المظلوم فإنها ستواجه غضب الشعب.
واللافت ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، عن إستشهاد أكثر من أربعة أشخاص بالرصاص الثلاثاء الماضي في "كادونا" شمال نيجيريا على يد الشرطة التي أطلقت النار على متظاهرين سلميين كانوا يطالبون بإطلاق سراح رئيس الحركة الإسلامية الشيخ "إبراهيم الزكزكي".
أهم الأسباب و الدوافع لهذا الإعتداء الظالم
و نذكر هنا أهم الأسباب والدوافع لهذا الإعتداء الوحشي، فنيجيريا تعيش منذ سنوات حربا وإقتتالا داخليا بسبب التدخل الخارجي، كان آخرها الإعتداء الغاشم الذي حصل السبت الماضي على الحركة الإسلامية وشيخها الزكزكي.
أولا: العداوة الشديدة بين الشيخ الزكزكي و الفاسدين من الحكام و قادة الجيش. فلطالما إنتقد الشيخ الزكزكي الفساد المستشري في الدولة، و السياسة القائمة على إذكاء الفتن الطائفية بين المسلمين و المسيحيين بهدف السيطرة على مقدرات الشعب من النفط وغيره.
ثانيا: الروابط القوية مع الكيان الإسرائيلي؛ فقد قام النظام النيجيري بإقامة علاقات قوية مع الكيان الإسرائيلي على المستوي الأمني، وتقديم المساعدات للدولة النيجيرية مقابل قضايا الأمة الكبرى، والتي من أهمها القرار النيجيري بالإمتناع عن التصويت لصالح القرار الفلسطيني في مجلس الأمن. و هذا ما كان دائما يحذر منه الشيخ الزكزكي، فقد كان يوجه إنتقادات شديدة اللهجة للحكومة ما جعلها تسخط عليه كثيرا وتسعى إلى التخلص منه.
ثالثا: الحرب الكاذبة على "بوكو حرام"؛ فمنظمة "بوكو حرام" الإرهابية التي أعلنت مؤخرا مبايعتها لتنظيم "داعش" الإرهابي تسعى دائما للتعرض للشيعة في نيجيريا بدوافع خارجية. و كان الشيخ الزكزكي قد إتهم قيادات في الجيش و القوى الأمنية النيجيرية بالتواطؤ الممنهج مع الإرهابيين.
ختاما: نقول بأن هذه المجزرة البشعة التي إرتكبها الجيش النيجيري مدانة في كل القوانين و الأوساط الدولية، فقد أثارت دهشة كل المراقبين و الساسة في الداخل النيجيري و الخارج. و السؤال المهم الذي يطرح نفسه؛ ما الهدف من وراء هذا الإعتداء الظالم؟ ولمصلحة من تقتل الحكومة النيجيرية شعبها المظلوم والأعزل؟ وهل ستتراجع عن ظلمها و تضمن لمواطنيها العيش الحر و الكريم في وطنهم؟