الوقت- لا يزال كيان الاحتلال الاسرائيلي يعيش حالة من الخوف من الزوال ودائما ما يؤكد قادة الاحتلال ومؤرخوه انهم ذاهبون نحو الزوال الحتمي، مثلا وزير حرب الاحتلال بيني غانتس، سبق وعبر عن مخاوفه الوجودية على مستقبل إسرائيل، وقال إنّ هناك مخاوف من سيطرة الفلسطينيين على إسرائيل في المستقبل القريب، وإن الدولة اليهودية ستتقلص خلال السنوات المقبلة لتصبح ما بين مستوطنة غديرا والخضيرة، وذلك الى جانب مقال رئيس حكومة الاحتلال السابق إيهود باراك، الذي شغل أيضاً مناصب عليا، بينها رئاسة الأركان في جيش الاحتلال، يثير فيه قلقاً كبيراً مما سماها لعنة العقد الثامن التي عاشتها الممالك اليهودية السابقة، وقد تطيح بدولة الاحتلال خلال السنوات القريبة.
هذه الأمور ليست وليدة اللحظة بل هي نتيجة تراكمات كثيرة في الأراضي المحتلة، أهمها: مشروعية الوجود الفلسطيني، وبالتالي كل من يعيش في إسرائيل يعلم كل العلم أنّ وجوده آني وليس أبدي، وما قاله هذان المسؤولان ليس من فراغ بل هو مزروع في وجدان جميع الإسرائيليين وينعكس دائماً على تحركاتهم مثلا: قبل فترة قُتل جندي إسرائيلي برصاص جندي آخر في طولكرم، لأنّ الأول خرج من المحرس وعندما عاد اعتقد زميله انّه فلسطيني وعلى الفور فتح النار عليه، وهذه الواقعة تدل على أمر مهم جداً وهو عقيدة الخوف من أيّ شيء فلسطيني، وهو أمر انعكس ليكون أسلوب حياة، فعندما تصدر جامعة تل أبيب قراراً بمنع رفع الفلسطينيين الذين يدرسون فيها لعلم بلادهم، هذا يجعلك تعلم بأنّ أربعة ألوان كفيلة بجعل جامعة كاملة ترتجف خوفاً منها. وخصوصاً أنّ الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة عام ،1948 قد تغلغلوا في المجتمع الإسرائيلي وأخذوا يشكلون قوة حقيقية فيه، قوة يمكنها أن تكون الثغرة التي قد تعبر من خلالها المقاومة إلى تلك المناطق إن ‘أحبت’.
الكاتب الإسرائيلي روغل ألفر، قال إن إسرائيل “تسير نحو الدمار المحتوم بعد أن وقعت على شهادة وفاتها” وإن هناك عوامل عدة تجرها إلى ذلك. واعتبر ألفر في مقال له بصحيفة هآرتس الإسرائيلية أن أغلبية اليهود في إسرائيل يؤيدون استمرار الاحتلال، وذلك لكونها دولة أبرتهايد ثنائية القومية.
يتكون المجتمع الاسرائيلي من عدة قوميات على رأسها اليهود "الاشكناز" الذين قدموا من اوروبا الشرقية وسيطروا على الكيان بشكل كامل وتولوا مقاليد الحكم، وتم تمثيلهم لاحقا بحزب العمل، وهنا عمل هذا التيار على ادخال العلمانية بشكل ما الى كيان الاحتلال وخلقوا نوع من التزاوج بينهما، الا ان ذلك لم يعجب التيار المتطرف من اليهود الذين قاموا بانقلاب سياسي عام 1977 اثر فوز حزب الليكود اليميني المتطرف بالانتخابات، وهو ما جعل المتطرفين اليهود يحكمون البلاد بوجه من يسمون انفسهم بالعلمانيين، فباتت احياء باكملها في القدس المحتلة والمدن الفلسطينية المحتلة الاخرى تخضع لسيطرة المتطرفين وخارجة عن نطاق دولة الاحتلال.
ومن هنا بدأت مرحلة جديدة في تاريخ هذا الكيان من ناحية التغير في التركيب الاجتماعي وطبقاته وفي علاقة الجماعات المختلفة ببعضها البعض أو علاقتها بالدولة. الصراعات والانقسامات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي تؤدي الى خلخلة الوضع بشكل دائم، هذا المجتمع يعاني من عدة انقسامات داخلية، وخاصةً في ظل قرب اختفاء اليسار الإسرائيلي من الساحة السياسية وهو الذي يمثل العلمانية بنسبة لليهود. وذلك بعد ان ظهرت بوادر تحول النظام السياسي إلى نظام يميني عنصري. فموجة العنصرية والتعصب أصابت مفاصل مهمة في المجتمع الإسرائيلي، سواء عبر الفتاوى الدينية أو القرارات والقوانين الحكومية.
المجتمع في كيان الاحتلال يعاني من ازمة هوية حقيقية، لانه يحاول الاهتمام بالمهاجرين بشكل كبير، لكي يكونوا مصدر شرعية له بالخارج، الا ان اليهود الذين يعيشون داخل كيان الاحتلال، يكونون دائما مستعدين للهجرة منه ان وجد اي تهديد عليهم ولو صاروخ سقط في منطقة مفتوحة او ترابية.
لذلك من يتابع قنوات الاحتلال ومواقعه الالكترونية يرى ان هناك اعلانات دائمة تروج للقيام بسياحة في فلسطين المحتلة بدلا من الذهاب الى اوروبا، او وضع تسهيلات كبيرة لليهود المقيمين في الولايات المتحدة واوروبا للقدوم الى فلسطين المحتلة، وهو ما يؤكد ان هناك ازمة كبيرة تضرب في صميم المجتمع الاسرائيلي. وفقاعة الأمان التي حاول الاحتلال الإسرائيلي إيجادها والاحتماء داخلها منذ عام 2011 هو أول من بدأ بثقبها وبذلك تناثرت هذه الفقاعة وانتهاء وجودها حتمي باعتراف قادة الكيان، وبدأت عمليات المقاومة الفلسطينية تثبت للجميع بان الكيان هش جدا وهو اضعف من ان يحمي بعوضة وهو اوهن من بيت العنكبوت، وبسبب هشاشته وحتمية زواله بايدي قادته بدأت هجرة عكسية في كيان الاحتلال نحو اوروبا والولايات المتحدة.