الوقت- يصر المغرب على تحويل نفسه من موقع الجاني إلى موقع الضحية، ويتمسّك بنهج سياسة الهجوم كوسيلة للدفاع، وذلك لإبعاد تهم الفساد والابتزاز وشراء الذمم التي أدخلته في دوامة من الفضائح اللامتناهية.
بعد أن رفع دعوى قضائية ضد الصحفي الإسباني سيرخيو بيرينغير، وضد وسائل إعلام كشفت بالدّليل القاطع تورّطه في قضية بيغاسوس للتجسس، ها هو يدفع لمحاكمة صحفيان فرنسيين.
تنطلق الاثنين، محاكمة الصحفيين الفرنسيين المتابعين في قضية "محاولة ابتزاز" العاهل المغربي محمد السادس، في العام 2015، مقابل عدم نشر كتاب يتضمن معلومات قد تكون محرجة للرباط.وتعود تفاصيل هذه القضية إلى صيف 2015 الذي شهد لقاءات سرية في فنادق وتسجيلات سرية ومراقبة الشرطة ومغلفات نقود.
وكان الصحفيان إريك لوران وكاترين غراسييه، قد نشرا في العام 2012 كتابا عن الملك محمد السادس منع في المغرب.
وفي العام 2015، وقعا عقد نشر جديد مع دار النشر الفرنسية "لو سوي" Le Seuil لإعداد كتاب عن الموضوع نفسه.
وفي 23 يوليو 2015، تواصل إريك لوران مع الأمانة الخاصة لملك المغرب للحصول على موعد معه. ونظم الموعد في 11 أغسطس مع موفد مغربي هو المحامي هشام ناصري، في حانة في قصر باريسي.
وخلال هذا اللقاء، أعلن لوران عن التخطيط لنشر الكتاب مطلع 2016 وفيه معلومات قد تكون محرجة للرباط.
لكن الروايات عما تلا ذلك تختلف. فوفق الصحفي، عرض ناصري عليه اتفاقا ماليا من أجل عدم نشر الكتاب.
أما المملكة التي كان محامي الدفاع عنها في بداية المحاكمة وزير العدل الفرنسي الحالي إريك دوبون-موريتي، فأكّدت أن العرض المالي طُرح من قبل الصحفي الذي طالب بثلاثة ملايين يورو.
عقب هذا اللقاء الأول، قدم المغرب شكوى في باريس، وفُتح تحقيق على الفور.
وعُقد اجتماع آخر في 21 أغسطس 2015 بين المبعوث وإريك لوران في الفندق نفسه، لكنه كان تحت مراقبة عناصر من الشرطة.
وحصل لقاء ثالث في 27 أغسطس 2015 في فندق آخر وبحضور الصحفية كاترين غراسييه.
حينها وقعا على اتفاق بقيمة مليوني دولار لقاء التخلي عن كتابهما.
و أوقفا و بحوزة كل منهما 40 ألف يورو نقدا لدى خروجهما من الاجتماع مع موفد الملك الذي قام بتسجيل المقابلات دون علمهما.
وكانت هذه التسجيلات، التي اعتبرها محامو الدفاع عن الصحفيَين غير قانونية، في قلب معركة إجرائية أثناء التحقيق. ورفضت محكمة الاستئناف الطعن في نوفمبر 2017.
في البداية اتُهم الصحفيان إريك لوران (75 عاما) و كاترين غراسييه (48 عاما) بالابتزاز، ثم استفادا من إسقاط التهمة في نهاية التحقيق القضائي الذي استمر قرابة ستة أعوام.
ولوران مراسل سابق في "راديو فرانس" و"لوفيغارو ماغازين" و"فرانس كولتور"، وله العديد من الكتب أحدهما مثير للجدل ويتناول أحداث 11 سبتمبر 2011. أمّا غراسييه، فعملت في المغرب ونشرت كتبا عن المغرب وليبيا.
وأثناء التحقيق، اعترفا بقبولهما بعقد لـ"التخلي" عن الكتاب الذي كانت عواقبه الجيوسياسية "تقلقهما"، لكنهما نفيا أي تهديد أو ابتزاز.
وقال إريك موتيه محامي الدفاع عن غراسييه، لوكالة فرانس برس "لم تمارس السيدة غراسييه أي نوع من الابتزاز في هذه القضية وتعتبر أنها وقعت ضحية فخ".
وقال سيرج بورتيلي،محامي الدفاع عن لوران، "المدعى عليهما وقعا في فخ نصبته الاستخبارات المغربية".
وامتنع محامي المملكة المغربية أنطوان فيي، عن الإدلاء بأي تصريح.ويواجه المتهمان عقوبة السجن خمسة أعوام وغرامة قدرها 75 ألف يورو.
يشار إلى أن “لوران” وزميلته أصدرا سنة 2012 كتاب “الملك المفترس” الذي تضمن انتقادات للملك محمد السادس، وقبل ذلك بنحو عقدين أصدر لوران كتاب “ذاكرة ملك”، وهو عبارة عن سلسلة حوارات مع الملك الراحل الحسن الثاني .
وكان إيريك لوران صديقا للقصر وصديقا لوزير الداخلية في عهد الحسن الثاني إدريس البصري، إلى أن قرر إصدار كتاب “الملك المفترس” سنة 2012، والذي يتحدث فيه عن “سيطرة الملك محمد السادس ومقربيه على الاقتصاد في المغرب، حيث أبرز أن أصدقاء الملك اغتنوا بسبب احتكارهم للسوق الاقتصادية والكسب غير المشروع”، وهو الكتاب الذي قامت السلطات المغربية بمنع توزيعه بالمملكة.
هذا وقد أصبحت العاصمة الفرنسية باريس مسرحا لحرب الكتب حول القصر الملكي المغربي، فبعد أيام قليلة من فضيحة الصحفيين الفرنسيين الذين حاولا ابتزاز القصر لعدم نشر كتاب لهما، تفجرت قضية كتاب جديد لكن هذه المرة من تأليف مغربي، يتعلق بالأمير هشام العلوي ابن عم الملك محمد السادس، ما بات يشكل إحراجا كبيرا للقصر جراء ظهور العديد من المؤلفات التي تحاول نشر ما يجري داخله، حيث إن الكثير من الأسرار يجهلها العامة من الناس وخاصة منها غير القابلة للتداول.
فقد تقدم الأمير هشام العلوي، بدعوى قضائية في باريس ضد الصحفي المغربي علي عمار بتهمة القذف والتشهير، وذلك على خلفية ما جاء في الكتاب الذي أصدره الصحفي في تموز الماضي بفرنسا، تحت عنوان "مولاي هشام، مسار طموح فوق اللزوم"، حيث تضمنت الدعوى القضائية مقتطفات طويلة من الكتاب نفسه اعتبرها دفاع الأمير قذفا وتشهيرا في حق موكله.
وشملت دعوى الأمير ناشر الكتاب بيير غيوم دو رو، صاحب دار النشر التي تحمل الاسم نفسه، وطلب دفاع الأمير متابعته بنفس التهم التي يتابع بها عمار، أي القذف والتشهير العام والضرر بالشرف، وطلب دفاع الأمير من المحكمة إدانة كل من عمار وناشره بالتهم التي يتابعهما بها، والحكم عليهما تضامنا بمئة ألف يورو، و500 يورو عن كل يوم يتأخر في الدفع في حالة صدور حكم بإدانتهما.
وتأتي هذه الحادثة خلال أيام قليلة بعد أن وجه القضاء الفرنسي تهمة ابتزاز العاهل المغربي الملك محمد السادس للصحفيين الفرنسيين إريك لوران وكاترين غراسييه، حيث اتهما بسعيهما للحصول على أموال لقاء الامتناع عن نشر كتاب يتعلق بالعاهل المغربي الملك محمد السادس.