الوقت - عقد في معهد "اندیشه سازان نور" للدراسات الاستراتيجية مائدة مستديرة حول "أحداث الشغب الإيرانية الأخيرة بمؤشرات اللواء سليماني الفكرية والعملية"، حيث ألقى الدكتور سعد الله زارعي، الخبير في الشؤون السياسية، کلمةً في بداية الاجتماع.
في هذا اللقاء، ناقش الدكتور زارعي، في إشارة إلى مدرسة اللواء سليماني، منهجه وطريقته في مواجهة التطورات والاضطرابات المماثلة الأخيرة في المجتمع الإيراني.
مدرسة اللواء سليماني، مثال على النظرية والتطبيق
قال الدكتور زارعي: فيما يتعلق بالشهيد سليماني، نحن أمام مدرسة تسمى اللواء سليماني. مدرسة اللواء سليماني هي في الواقع مدرسة الثورة السلامية من حيث النهج والأداء. عندما نتحدث عن مدرسة الإمام الخميني والمرشد الأعلى، فإننا نتحدث عن نظرية وفلسفة ورؤى وسياسات الثورة الإسلامية، التي تشكل الأسس الفكرية للثورة.
لكن في الواقع، تولي مدرسة اللواء سليماني اهتمامًا بالحل والنتيجة والميدان. في مدرسة اللواء سليماني، فإن نفس النظريات والقيم والمبادئ التي يهتم بها الإمام الخميني والمرشد الأعلى في مدرستهما، تحقق عمليًا نجاحًا كبيرًا وتصبح معيارًا.
في الواقع، تقدم مدرسة قاسم سليماني الممارسة جنبًا إلى جنب مع النظرية، وتحقق نظرية الإمام الخميني والمرشد الأعلى النتيجة في مشهد العمل، وهذا أهم شيء يجب أن يشار إليه عند الحديث عن اللواء سليماني وأدائه.
بدء الحرب الهجينة
بدأت أعمال الشغب الأخيرة في إيران في نهاية سبتمبر، واستمرت لمدة سبعين يومًا. في هذه الظروف، من الضروري أن نرى كيف تفسر مدرسة اللواء سليماني الوضع الحالي. عندما نتحدث عن مدرسة اللواء سليماني، نتحدث عن موضوع حي وقائد واستراتيجية، وليس مادةً تاريخيةً.
التطورات الأخيرة في إيران كانت أيضاً عملاً في الشارع، قام به بعض الناس على شكل تخريب بالممتلكات وإراقة دماء وإحداث عنف، وجاء معارضو إيران، من الداخل والخارج، لإعطاء الزخم لما يحدث في الشوارع.
كانت في هذا المشهد مجموعات إرهابية سيئة السمعة مثل حرکة "مجاهدي خلق" الإرهابية، الذين لديهم عدد كبير من الجرائم في سجلهم وقتل 27 ألف إيراني. أيضًا، كانت الجماعات الانفصالية مثل كوموله وبيجاك وباك وما إلى ذلك، والتي لها تاريخ في محاولة تقسيم إيران، في مسرح أعمال الشغب.
في بداية الثورة الإيرانية، ارتكبت هذه الجماعات الانفصالية نفسها جرائم بقتل مزارعين وهجمات مسلحة على رجال الدين. ووقعت نفس الأحداث في مدن مختلفة من إيران ولم تنجح جهودهم، لكن أفعالهم وجهت ضربات قاسية للشعب الإيراني.
في التطورات الأخيرة في إيران، كان هناك أيضًا الملكيون. هذه الجماعات لديها كل أنواع الجرائم، من النزعات الانفصالية إلى تدنيس الإسلام ومحاولات تشويه سمعة رجال الدين، وجعل البلاد تعتمد على الأجانب.
كما تأثرت بعض هذه الاتجاهات بالسفارات الأجنبية وبعض الصناعات، مثل المقاهي والمجموعات الفنية والرياضية وحتى العلمية. على سبيل المثال، تمتلك السفارة الفرنسية في طهران شبكةً تحت نفوذها، وتقوم بإعداد معظم صالات العرض في طهران ليوم خاص. أو أولئك الذين درسوا في فرنسا في العقود القليلة الماضية، تم استقبالهم ودفع أجورهم عدة مرات في السفارة الفرنسية، وتواصلوا مع بعضهم البعض.
کما تم تنفيذ أعمال مماثلة في سفارات ألمانيا وبريطانيا وبعض الدول الأخرى. وتم هذا التشبيك بالشعار العام "المرأة، الحياة، الحرية"، الذي جمع الشيوعيين والانفصاليين والملكيين ليتبعوا طريق الإطاحة بالجمهورية الإسلامية.
كان هذا المشهد في الواقع حربًا هجينةً. الحرب الهجينة أكبر وأكثر تعقيدًا من الثورة الملونة، والثورة الملونة جزء من الحرب الهجينة وتقع ضمن هذا النوع من الحروب.
في الحرب الهجينة، تدخل الحكومات الأجنبية وتنشط شبكات مثل المشاهير داخل المجتمع، ويتم حدوث اضطرابات في الشبكة الاقتصادية والمعلومات وإدارة التطورات وما إلى ذلك، من خلال اختراق المراكز الحساسة وتعطيل أدوات مراكز القرار. والهدف هو انهيار الثورة الإسلامية وإضعافها.
كانت نقطة انطلاق هذه الحرب هي القيادة، لأن عدو إيران كان يعلم أنه عندما تفشل كل المؤسسات، يمكن للقيادة أن تأتي وتحبط الفتنة. ولذلك، كانت الخطوة الأولى هي إبعاد المرشد الإيراني الأعلی عن الميدان، من أجل طمأنة المعارضة بأن العقبة الرئيسية قد أزيلت. وهکذا، أثيرت شائعة وفاة الزعيم الإيراني في بداية أعمال الشغب، وحتى وسائل الإعلام الکبری المعارضة لإيران، مثل سي إن إن ونيويورك تايمز وواشنطن بوست، قد دخلت علی هذا الخط.
تحليل الأزمة في مدرسة اللواء سليماني
جدير بالذكر أن اللواء سليماني كان يتمتع بقدرة كبيرة على التعرف على المشهد. إذا لم يفهم الإنسان أبعاد الحادثة واتخذ قرارًا متأخرًا، فسيقوم بإحضار القوات إلى الميدان متأخرًا، ولا يمكن توقع حل المشكلة قريبًا، وبمرور الوقت تصبح معالجة الموقف صعبةً ومكلفةً.
إن أول ما کان يميز اللواء سليماني أنه كان خبيرًا في الأزمات، وکان يدرك أنه يتعين عليه التصرف بسرعة. عندما توترت أوضاع سوريا في مدينة درعا عام 2011، التقى اللواء سليماني بشار الأسد وأخبره أنه سيكون لديك قريبًا أزمة كبيرة وطويلة.
في ذلك الوقت، لم تكن أبعاد القضية كبيرةً، حيث اشتبك 100 شخص من درعا مع الشرطة ثم انخرطت عائلاتهم. في الوقت نفسه، أوضح اللواء سليماني، الذي سافر إلى سوريا، لبشار الأسد أن سوريا تواجه أزمةً خطيرةً ويجب على الحكومة أن تعدّ نفسها، لأن هذه الأزمة هي لتقسيم سوريا.
كان لدى اللواء سليماني أيضًا نفس الرؤية والبصيرة فيما يتعلق بالتطورات في العراق، حيث اشتمّ رائحة فتنة داعش منذ عام 2014 وقبل عام واحد من بدء الأزمة. قبل تسعة أشهر من بدء حرب داعش، حذر اللواء سليماني الحكومة العراقية، التي كانت حكومة نوري المالكي آنذاك، من أن داعش سيرفع علمه قريبًا في العراق، وستكون هناك أزمة لن تكون قدرة الجيش العراقي كافيةً للتعامل معها.
كيفية التعرف على الأزمة من قبل اللواء سليماني
كان لدى اللواء سليماني ثلاث قضايا في الاعتبار، وكان يعتقد أنه عندما تظهر هذه القضايا الثلاث، سنكون على وشك الدخول في أزمة.
أولاً: مهاجمة القائد والنقطة المحورية للنظام. کان اللواء سليماني يعتقد أنه عندما يستهدف العدو القيادة، فهذه علامة على بدء الأزمة من قبل العدو.
ثانياً: جهود المواجهة والانقسام. حسب اللواء سليماني، كانت هذه علامات مهمة على الأزمة. وثالثًا: استهداف المبادئ والأسس.
حسب اللواء سليماني، عند مهاجمة 5 قضايا، فهذه علامة على أن البلاد والسكان في أزمة: 1- الهجوم على الأيديولوجية والإسلام، وتكرار هذا الهجوم على الإسلام. 2- مهاجمة إيران ومحاولة القضاء عليها. 3- الهجوم على وجود الجمهورية الإسلامية. 4- مهاجمة القيادة، لأن القيادة في كل المجتمعات هي سند الأمة في المواقف الصعبة. 5- مهاجمة القيم الرئيسية للمجتمع. وفي هذه الظروف، يكون المجتمع على وشك الوقوع في مشاكل كبيرة.
الحاجة إلی اتخاذ إجراءات عاجلة
کان اللواء سليماني يؤکد أنه عندما يتم الهجوم على المبادئ، فإن البلاد ستخضع لتغييرات جوهرية. وفي هذه الظروف، كان اللواء سليماني يؤمن بإجراءات فورية، وأن الهيئات التنفيذية يجب أن تدخل المشهد بسرعة. في الأحداث الأخيرة في إيران، رأينا تأخيرات في بعض الأجهزة وتأخر أداء بعض الوظائف، وتسببت هذه التأخيرات في إطالة المشكلة وزيادة التكاليف. وكانت هذه الزيادة في التكاليف، بسبب حقيقة أن الأجهزة لم تقم بعملها الخاص في الوقت المحدد.
وفي هذه الظروف، کان اللواء سليماني يعتقد أنه من الضروري إبعاد القيادة فورًا عن مرمى الهجمات. وقال في وصيته للسلطات "إنني أشعر أحيانًا أن القيادة وحيدة، ولماذا لا نرى ردود الفعل المناسبة عندما تتعرض القيادة للهجوم؟ في هذه الحالة، يمكن إنشاء حاجز ضد هجوم العدو على القيادة، من خلال دفاع الشخصيات والأشخاص المؤثرين عن القيادة."
وثانياً، أكد على ضرورة الحفاظ على تکامل الناس في المواقف الحساسة. لهذا السبب، أكد في خطاباته الموجهة للفتيات غير المحجبات بشکل مناسب، أن هؤلاء هن فتياتنا وتدعمهن الجمهورية الإسلامية، والدفاع عن هؤلاء الفتيات لا يقل أهميةً عن الدفاع عن الفتيات المحجبات. لذلك، فإن التكامل مهم للغاية.
والحل الثالث للواء سليماني، كان الحضور المباشر للشخصيات في الحدث. فعندما يدخل رئيس مجموعة إلى المشهد، ستكون النتيجة واعدةً أكثر. في أيام سوريا الصعبة، اصطحب "اللواء سليماني" زوجته وابنته إلى دمشق وإلى مكان لم يتوقف فيه صوت إطلاق النار. وعلى الرغم من أن السوريين أنفسهم قد أخلوا المنطقة في ذلك الوقت، فقد أخذ اللواء سليماني عائلته إلى دمشق لإظهار استعداده التام.
على سبيل المثال، أثناء فيضانات إيران في 2019، سافر اللواء سليماني إلى مدينة الأهواز الإيرانية والمناطق العربية التي غمرتها المياه بالإمکانات المتاحة، مثل المواکب العراقية والحشد الشعبي، وقد دخل هو نفسه في المياه وغرق في الوحل حتى يساعد الناس، وکان يمسك بنفسه بأيدي المحاصرين ويحل مشاكل الناس. لذلك، فإن الحضور المباشر للمسؤولين في المشهد مهم للغاية.
والنقطة الأخرى هي أن اللواء سليماني كان يعتقد بشكل أساسي أن العدو سيأتي إلى الساحة بكل قوته، لكن لم تكن لديه شكوك في هزيمة العدو. وحسب رؤيته، لا توجد حادثة في العالم تفشل فيها الجمهورية الإسلامية، وكان واثقًا من النصر وکان يتصرف بثقة.
في الأحداث الأخيرة، والتي كانت أکبر عدة مرات من أحداث عام 2009 في إيران، وفي أعمال الشغب الحالية، حيث المشهد أكثر ازدحامًا وعددًا وتنوعًا من حيث التكتيكات والأساليب، وأكثر استدامةً من أي وقت مضى، في النهاية كانت روح ومنهج اللواء سليماني وأصدقائه ومدرسته هي التي أوصلت هذه القضية الرهيبة إلى نقطة النهاية بأقل عدد من الضحايا، ليتضح اليوم أن عدو إيران تراجع خطوةً إلى الوراء وقبل الهزيمة.
دور المرشد الأعلى في القضاء على أحداث الشغب
في بداية الاضطرابات في إيران، كان الانطباع الأولي أن بعض الناس لديهم اعتراضات وشكوك حول وفاة فتاة، يجب الرد عليها بالوثائق والأدلة، وإذا تم الرد ستنتهي القضية. كان لدى الكثير هذا التحليل.
خاض المرشد الأعلی الإيراني مواجهةً أوليةً حول هذه القضية، وصاحب الصمت مواجهته الأولية. في الأيام الأولى من أعمال الشغب، أجری محادثةً مع مجموعة ومرَّر هذه القضية، وكان هذا الصمت علامةً على أن إيران تواجه وضعاً يحتاج إلى التفكير، وكان الصمت علامةً على التفكير في الموضوع. ثم بعد أيام قليلة، ذكر هذا الموضوع في كلية الضباط، وقال إن "العدو ينشط، وهذا ما يعمله العدو منذ سنوات."
بالطبع، في 14 يونيو من هذا العام، ذكر المرشد الأعلی في إيران محاولة العدو لإثارة الفوضى والصراع الداخلي بين الناس، وتوقع خطة العدو قبل ثلاثة أشهر من الأزمة. واليوم، الجميع يعرف ما فعلته أمريكا في لندن وأربيل لتجهيز الإرهابيين المعادين للثورة الإيرانية، ومن الواضح أن هناك مؤامرةً واسعةً ضد أمن إيران وسلامتها.
كيفية التعامل مع خرق القانون
نحن أمام قضيتين، إحداهما مشكلة الشغب والأخرى هي الحجاب الذي يتم بطريقة منظمة في إيران. لا توجد نقطة ضعف في قضية الحجاب، وثمة قوانين محددة يجب على من يعيش في الجمهورية الإسلامية اتباعها، وليست هناك حاجة لدوريات إرشادية لتنفيذ هذه القواعد.
في الصيدلية والمتجر والمصنع والجامعة التي تتلقى تسهيلات وخدمات من الجمهورية الإسلامية، يجب عليهم الامتثال للقوانين، ويكفي ربط تقديم هذه الخدمات بمراعاة القوانين.
لطالما كان موقف اللواء سليماني أنه في مواجهة هذه القضايا يجب إقامة تواصل صادق، ويجب على المسؤولين التواصل وعدم الإذلال والإهانة. ويجب على الحكومة استخدام أدواتها وإلزام خدماتها بالامتثال للقوانين، والتعامل بالصرامة القانونية. من ناحية أخرى، يجب على الشعب والمجتمع الإسلامي أيضًا التعامل بالأخلاق، وحل المشكلة بالحوار وتجنب الازدواجية والتوتر.
لقد أوضح الإمام الخميني في رسالته إلى رجل الدين قديري، أن الحكومة يمكن أن تطلب شروطها الخاصة عند تقديم الخدمات. الحكومة توفر الكهرباء والأمن والدعم والتراخيص التجارية والخدمات البريدية، وهي أدوات حكومية يمكن أن يخضع توفيرها للامتثال للقوانين.