الوقت- بينما لم يتسلم بنيامين نتنياهو السلطة بعد باعتباره الفائز في الانتخابات الأخيرة في الأراضي المحتلة، فإن من أهم القضايا التي تشغل بال الصهاينة هذه الأيام سياسة الحكومة المستقبلية تجاه التطورات في أوكرانيا. وخاصة موضوع إرسال المساعدات العسكرية، فهناك خلافات كثيرة بين سلطات تل أبيب حول منحها من عدمه. ولقد حاولت الحكومة السابقة للنظام الصهيوني الحفاظ على علاقاتها مع الطرفين المتورطين في الحرب، لكنها واجهت ضغطًا تدريجيًا من الولايات المتحدة للتخلي عن موقف الحياد، حيث صوتت تل أبيب لمصلحة قرار الأمم المتحدة الذي يدين الهجمات الروسية على أوكرانيا في آذار / مارس، وبعد بضعة أشهر، طالبت تل أبيب، ومعها 93 دولة أخرى ، بطرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وعلى الرغم من أن النظام الصهيوني قاوم مطالب بعض الأطراف بإرسال أسلحة إلى كييف في الأشهر التسعة الماضية منذ الحرب، إلا أن هذه الممارسة ربما ستتغير عندما يتولى نتنياهو السلطة. إن نتنياهو، الذي يعتبر نفسه الآن رئيسًا للوزراء، قال مؤخرًا في خطاب ألقاه إنه سينظر في إمكانية إرسال أسلحة إلى أوكرانيا في حكومة تل أبيب المستقبلية. فهل نتنياهو قادر حقًا على تنفيذ هذه الخطة؟، لكن هناك الكثير من التساؤولات، فإضافة إلى المشاكل الداخلية في الأراضي المحتلة، هناك أيضًا بعض العقبات على الساحة الدولية في طريق إرسال المساعدات العسكرية، والتي يجب على نتنياهو أن يتخذ قراراتها للتغلب عليها.
عواقب المواجهة مع موسكو
على الرغم من وجود العديد من الخلافات بين مسؤولي تل أبيب حول مساعدة الأسلحة لأوكرانيا، فإن هذا الإجراء يمكن أن يعطل أيضًا العلاقات الثنائية بين هذا النظام وروسيا. وبسبب مواقف السلطات الإسرائيلية الداعمة لأوكرانيا ووجود مواطني هذا النظام في جبهات القتال في أوكرانيا، توترت العلاقات بين موسكو وتل أبيب، وحتى الروس، ردًا على هذه الأعمال، أغلقوا مكتب الوكالة اليهودية. وقال مسؤولو الكرملين مرارًا إن أي شحنة من الأسلحة الإسرائيلية إلى أوكرانيا ستعني نهاية العلاقات الثنائية وسيكون لها عواقب، وقد دفعت هذه القضية الصهاينة إلى اتخاذ موقف حذر بشأن التطورات في أوكرانيا.
وتتمتع إسرائيل بعلاقات ثقافية قوية مع كلا البلدين المتحاربين. وما يقرب من 15 ٪ من سكان الأراضي المحتلة هم من المهاجرين أو أطفال المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق، ومعظمهم من روسيا وأوكرانيا. وفي عام 1990، أقامت إسرائيل علاقات دبلوماسية واقتصادية قوية مع روسيا، وأقام رئيسا الوزراء السابقين أرييل شارون وبنيامين نتنياهو علاقات عمل قوية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. واستخدمت الحملة الانتخابية لنتنياهو في عام 2019 صور لقاء نتنياهو وبوتين معًا في إعلاناتهم.
وبالنظر إلى هذه الحقيقة، يعرف نتنياهو أنه إذا اتخذ خطوة إلى الأمام في أوكرانيا، فسوف تغضب موسكو وستحاول هذه الاخيرة النظر في جميع الاعتبارات. وتركز معظم المناقشات في إسرائيل حول إرسال مساعدات أسلحة إلى أوكرانيا على ما ستفعله روسيا ردًا على ذلك. إن نتنياهو يدرك حقيقة أن الصراع مع روسيا سيكون له أثره الأول على الميدان السوري وعلى حدود الأراضي المحتلة، ويمكن أن يكون جعل الجولان المحتل غير آمن خطوته الأولى. كما قال مندوب روسيا في الأمم المتحدة قبل أشهر في كلمة رداً على موقف تل أبيب الداعم لكييف، إن روسيا لا تعترف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل.
ومن ناحية أخرى، يحتاج نتنياهو، وهو عدو إيران من الدرجة الأولى، والذي ادعى مرات عديدة من قبل أن إسرائيل لن تسمح لطهران ببناء قاعدة لها في سوريا، إلى مساعدة الروس في هذا الصدد للتعامل مع التهديدات المزعومة من إيران. وسافر نتنياهو إلى موسكو والتقى ببوتين عدة مرات في العقد الماضي، في محاولة لتقليص نفوذ إيران في سوريا عبر روسيا والحصول على موافقة روسية لتنفيذ هجمات ضد دمشق، رغم أنه فشل دائمًا في ذلك.
وعلى الرغم من دعم نفتالي بينيت ويئير لابيد للحكومة الأوكرانية في الأشهر التسعة الماضية، إلا أنهما حاولا أيضًا منع تصعيد التوترات مع موسكو. وفي بداية الحرب في أوكرانيا، طلب زيلينسكي من السلطات الإسرائيلية توفير القبة الحديدية لهذا البلد، لكن الصهاينة رفضوا الموافقة على هذا الطلب بحجة علاقاتهم مع كييف. وبعد ذلك تقرر إرسال أنظمة دفاع جوي ورادار لكن ذلك لم ينفذ ورفضت تل أبيب ذلك. وفي الشهر الماضي، قال زيلينسكي إن إسرائيل لم تقدم لبلاده أي شيء للمساعدة في الدفاع عن نفسها، مشيرًا إلى أن قادة النظام لم يكونوا مصرين على رفض طلبات كييف لأنظمة الدفاع الجوي، ويرجع ذلك أساسًا إلى تخفيف التوترات مع موسكو.
مخاوف إسرائيل الأمنية
أعلنت صحيفة "هآرتس" مؤخراً في تقرير لها أن إسرائيل تتعرض لضغوط من الأمريكيين لتقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، حتى أن هذه الصحيفة قالت إنه طُلب من إسرائيل تقديم أسلحة استراتيجية إلى كييف. وما لا شك فيه، إذا كان هذا الادعاء صحيحًا، فعلى تل أبيب أن تزود الأوكرانيين بصواريخ متطورة وحتى القبة الحديدية.
ومن خلال هذا الإجراء، تحاول أمريكا وضع جزء من تكاليف الحرب في أوكرانيا على كاهل الصهاينة حتى يتمكن الغربيون من أخذ استراحة، ولكن هناك مشاكل في هذا الاتجاه أيضًا. وإحدى هذه المشاكل هي النقص المستمر في بطاريات الأسلحة والصواريخ الإسرائيلية الاعتراضية. والبطاريات التي صممتها إسرائيل لحماية الأسلحة، وببساطة لا توجد أنظمة فائضة متاحة يمكنها دفع ثمنها إلى دول أجنبية. بالطبع، الولايات المتحدة استثناء في هذا السياق لأنها اشترت بطاريتين لأسلحة جيشها، كما ترفض واشنطن منحهما للأوكرانيين. وعلى أي حال، يحتاج النظام الصهيوني إلى موافقة الولايات المتحدة قبل أي بيع أو نقل لنظام القبة الحديدية إلى أي دولة ثالثة، وحتى الآن لم يتم إصدار مثل هذا التفويض في حالة الحرب في أوكرانيا.
إن القضية الأكثر أهمية في عدم إرسال القبة الحديدية إلى أوكرانيا هي سرية هذا النظام الدفاعي. وتعتمد القبة الحديدية على تقنية عالية التصنيف ورائدة على مستوى العالم، وحمايتها ضرورية لضمان استمرار قدرتها على العمل بنجاح. ويتطلب نقل النظام والتكنولوجيا إلى دولة أجنبية مخاطرة متأصلة تعرض النظام الصهيوني للخطر. كما هو الحال مع الطائرات الأمريكية دون طيار التي تحطمت في العراق وإيران نفسها، تمكنت من تحقيق القدرة على بناء طائرات دون طيار متقدمة. وفي مقابلة مع MSNBC في أواخر أكتوبر، قال نتنياهو إن "الأسلحة التي قدمتها إسرائيل لحكومات أجنبية في الماضي، سيتم توفيرها لإيران في ساحة المعركة ضدنا."
عدم القدرة على المقاومة
على الرغم من رغبة بعض المواطنين الإسرائيليين في إرسال مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا ضد روسيا، إلا أن كبار المسؤولين في هذا النظام لديهم رأي مختلف. وفي الآونة الأخيرة، أعلن مسؤولون في تل أبيب أنهم إذا أرسلوا أسلحة إلى أوكرانيا، فسوف يواجهون مشاكل وسيواجهون تحديات للتعامل مع التهديدات من الخارج. وهذا الموقف الإسرائيلي ليس منفصلاً عن التطورات التي حدثت في الضفة الغربية في الأشهر الماضية. وتشعر سلطات تل أبيب بقلق بالغ إزاء صعود فصائل المقاومة الفلسطينية في القدس والضفة الغربية، وقد استخدمت كل قوتها لتدمير هذه الجماعات وضمان أمن الأراضي المحتلة، لكن هذه الإجراءات لم تتمكن من تحييد نضالات الفلسطينيين، وكل يوم نشهد عمليات ضد الصهاينة.
لذلك ، فإن الوضع في الضفة الغربية وصل إلى نقطة الغليان من حيث الأمن، وقد تبدأ أي صراعات. ولقد عبر أليكسي ناوموف، الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي، عن هذه الحقيقة وقال: "عودة بنيامين نتنياهو إلى مكتب رئيس الوزراء في إسرائيل بشرى سارة لموسكو، والنقطة هنا ليست إطلاقا ما إذا كان صديقا لموسكو أم لا". ويوضح نعوموف أن روسيا تفضل البلدان التي تهتم بشؤونها الخاصة، وتفضل "أردوغان وترامب ونتنياهو" على بايدن وجونسون والكرملين سعيد لأن نتنياهو من المرجح أن "يهتم بمصالح إسرائيل الأمنية". لذلك، بالنظر إلى أن هناك مؤشرات إلى نهاية الصراع في أوكرانيا في هذه الأيام، ستحاول إسرائيل مواصلة السياسة الحالية نفسها في أوكرانيا. ومن المحتمل أن يكون ادعاء نتنياهو بمساعدة كييف هو كسب رأي أحزاب اليمين المتطرف حتى يتمكن من استعادة منصب رئيس الوزراء بمساعدتهم، ويكون ذلك للاستخدام الداخلي فقط.