الوقت- إن النظام الصهيوني الذي يحتاج دول المنطقة العربية للخروج من عزلته السياسية والأمنية، يواصل تحركاته الدبلوماسية بشكل مستمر للاقتراب من هذه الدول. وعلى الرغم من أن العديد من رحلات واجتماعات المسؤولين الإسرائيليين مع المسؤولين العرب تتم في السر ولا تنعكس في وسائل الإعلام، فإن بعض هذه اللقاءات يتم الإعلان عنها من قبل الصهاينة أنفسهم من أجل كسر محرمات اقتراب العرب من هذا النظام. وفي هذا الصدد، أفادت مصادر إخبارية بأن وفدا رفيع المستوى من النظام الصهيوني زار مؤخرا وناقش العلاقات الثنائية مع وزير خارجية سلطنة عمان بدر البوسعيدي، خلال زيارتهم إلى السلطنة.
وزعمت قناة "I24" التابعة للنظام الصهيوني أن لقاء الوفد الصهيوني عقد على هامش مؤتمر MEDRC في عمان، ولقد حضر نائب مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية ورئيس دائرة الشرق الأوسط في عمان في هذا الاجتماع. وبحسب وسائل الإعلام الصهيونية، فإن فتح المجال الجوي العماني أمام الرحلات الجوية الإسرائيلية كان من أهم جداول أعمال الاجتماع المذكور. وبدوره، عرض النظام الصهيوني على عُمان الانضمام إلى منتدى النقب والتعاون في عدد من المشاريع الإقليمية، مع التركيز على ما هو في مصلحة الفلسطينيين، من أجل كسب الرأي الإيجابي للقادة العمانيين. إن فتح الطريق الجوي العماني أمام الطائرات الإسرائيلية يكتسب أهمية كبيرة للصهاينة. لإن هذا النظام، الذي له علاقات واسعة مع دول جنوب وشرق آسيا، وخاصة الهند والصين، وله عدة رحلات جوية يومية من تل أبيب إلى آسيا، فلهذا السبب تحاول السلطات الإسرائيلية تقليص وقت السفر وتكاليف السفر. وإذا سمحت عمان، مثل المملكة العربية السعودية، للطائرات الإسرائيلية بالمرور في سمائها، فإن هذا الحلم سيتحقق إلى حد كبير.
وإضافة إلى ذلك، من أجل السفر إلى شرق آسيا، يتعين على الطائرات الإسرائيلية المرور عبر نهاية الحدود الجوية للإمارات، والتي تقع بالقرب من مضيق هرمز، وبسبب قرب هذه المنطقة من الحدود المائية لإيران، يمكن أن يشكل خطورة على الصهاينة. وبالنظر إلى أن مستوى التوتر بين إيران والنظام الصهيوني الذي يتزايد كل يوم، فإن المسؤولين في تل أبيب قلقون بشأن أمن تجارتهم الجوية على طريق الخليج الفارسي. ولكي يتمكن الإسرائيليون من السفر إلى شرق آسيا بأمان ودون أي خوف، فهم بحاجة إلى مساعدة عمان لإكمال الممر الجوي من الأراضي المحتلة إلى شرق آسيا والقيام برحلاتهم في أقصر وقت ممكن، لكن سلطات مسقط لقد رفضت حتى الآن هذه الطلبات ولم توافق.
خطوة نحو التطبيع
بصرف النظر عن محاولة الصهاينة الحصول على إذن بالمرور عبر الخط الجوي العماني، فإن وراء هذه التحركات الدبلوماسية، هناك أهداف أخرى مهمة جدًا لإسرائيل. ومن المؤكد أن النظام الصهيوني يفكر في السنوات الأخيرة في إقامة علاقات مع الدول العربية على طول مشروع التطبيع، وبالتالي فإن عمان هي أيضًا جزء من هذه الخطة لإدخال هذا البلد إلى معسكرهم. وعلى الرغم من أن حكومة عمان قالت مرارًا وتكرارًا إنها لن تكون الدولة الثالثة في الخليج الفارسي التي تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وجعلت أي تفاعل مع هذا النظام مشروطًا بإقامة حل الدولتين في الأراضي المحتلة، إلا أن الصهاينة لم يخيب أملهم ويواصلون بذل جهود متواصلة، وهم مستمرون في كسب رأي سلطات مسقط.
ويحاول الصهاينة بناء جسر للتطبيع من خلال أخذ زمام المبادرة باستخدام الطرق الجوية، لأن مرور الطائرات الإسرائيلية عبر الأجواء العمانية ومن وقت لآخر بحجة التزود بالوقود يمكن أن يكون مقدمة لمزيد من التفاعلات و أخيرا التطبيع في المستقبل. وفي السنوات الأخيرة، ادعى مسؤولون في تل أبيب مرارًا وتكرارًا أن عُمان ستكون الدولة العربية التالية التي تنضم إلى اتفاق التسوية، لكن لم يتم إحراز أي تقدم حتى الآن. وتعتبر سلطات تل أبيب أي علاقة صغيرة مع العرب وسيلة لإضفاء الشرعية على أنفسهم بين الرأي العام في العالم العربي، كما أن استخدام الطرق الجوية يمكن أن يوفر أيضًا فرصة للصهاينة لإظهار من خلال الدعاية الإعلامية المكثفة أن عمان أيضا تقيم علاقات مع إسرائيل. ومن ناحية أخرى، لن يستخدم الصهاينة فقط فتح الخطوط الجوية العربية لمرور الطائرات التجارية أو طائرات الركاب، ولكن بسبب المخططات السرية التي يمتلكها النظام الصهيوني ضد الدول الإسلامية في المنطقة، فإنهم سيستخدمون أيضًا هذه الطرق لدفع خططهم العسكرية.
وفي العام الماضي، أظهر النظام الصهيوني أن هدفه الرئيسي من وجوده في الخليج الفارسي هو مواجهة نفوذ إيران في المنطقة، وتوقيع العقود الأمنية وبيع أنظمة الدفاع إلى الإمارات والبحرين ونشر طائرات التجسس بدون طيار في هذه الدول دليل على تنفيذ خطط هذا النظام وهي ضد إيران. ولهذا الغرض، فإن هذا البرنامج مدرج أيضًا على جدول الأعمال في عُمان والمملكة العربية السعودية، ويمكن لتب أبيب استخدام المسار الجوي لهذه الدول لأغراض عسكرية في المستقبل، بما في ذلك حركة المقاتلات وطائرات التجسس دون طيار للتعرف على المعلومات والحصول عليها.
إن وجود علاقات اقتصادية مع عمان على مستوى محدود للغاية ليس شيئًا يرضي الصهاينة، بل وجود علاقات سياسية وفتح السفارات وتسهيل حركة المواطنين الإسرائيليين إلى عمان والتأثير اللاحق في الطبقات الأمنية والثقافية في البلاد. إن مشروع الصهاينة بعيد المدى أمر طبيعي، وإقامة علاقات مع العرب والأجواء العربية يفترض أن تكون بداية لتحقيق هذا الهدف النهائي.
وعقب تداول المعلومات حول المفاوضات، أعاد الناشطون في سلطنة عمان تفعيل وسم "عمانيون ضد التطبيع"، ليتصدر قائمة الوسوم الأكثر تداولاً على موقع التدوين المصغر "تويتر"، عبروا من خلاله رفضهم التام لمثل هذه الخطوة. إذ قال المواطن مصطفى العمري: "لا أعتقد أن حكومتنا منفصله عن شعبها، عمان من أقصاها إلى أقصاها ترفض أي نوع من التطبيع، فنحن عمانيون ضد التطبيع". فيما غرّد آخر يُدعى سيد أمين: "لا يجيني واحد يتفلسف يقول مصلحة البلد، مصلحة البلد تقتضي أن نجلب العدو فوق رؤوسنا يومياً؟! اليهود ناقضين العهد إن كنتم لا تعلمون، يبدو أنكم لا تعرفونهم"
وعلي صعيد متصل، كشفت وسائل إعلام أمريكية عن لقاء جمع مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، بوزير الخارجية العماني سيد بدر البوسعيدي، لمناقشة فتح مجال بلاده الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية. ونقل موقع “آكسيوس” الأمريكي، أن لقاء جمع مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، بوزير الخارجية العماني سيد بدر البوسعيدي، لمناقشة فتح مجال بلاده الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية. وبالعودة الى عام 2018، فقد سافر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الى مسقط واجتمع مع السلطان قابوس بن سعيد، وكان القائد الإسرائيلي الأول الذي يسافر الى الدولة الخليجية علنًا منذ عام 1996. وقد أعقبت زيارته، زيارة لوزير المواصلات ووزير المخابرات السابق يسرائيل كاتس للمشاركة في مؤتمر دولي.