الوقت - إن تعزيز تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بين الدول العربية، هو مشروع كان الصهاينة يحلمون به منذ عقود، وبعد إقامة علاقات مع بعض المشيخات الخليجية، فإنهم يركزون الآن على لبنان.
بعد فشل أمريكا والکيان الصهيوني في إضعاف لبنان وهزيمة حزب الله بالحرب، اتخذوا طريقًا آخر لتحقيق أهدافهم. لذلك، فإن اتفاقيات الغاز التي أبرمت مؤخرًا بين بيروت وتل أبيب، هي جزء من المشروع العبري الغربي الخفي لجرّ لبنان إلى التطبيع مثل مشيخات الخليج الفارسي.
هذه المسألة أثارت الآن جدلاً في البيئة السياسية والإعلامية في لبنان. فهل يمكن لاتفاق الغاز الأخير أن يكون له أي تأثير على مصير العداء الطويل الأمد لهذا البلد مع الصهاينة أم لا؟ للإجابة على هذا السؤال وغيره من الأسئلة، أجری موقع "الوقت" حواراً مع السيد حسن هاني زاده، الخبير في شؤون غرب آسيا.
الوقت: يحاول الکيان الإسرائيلي والولايات المتحدة التحرك نحو تطبيع العلاقات عبر اتفاقية الحدود مع لبنان. ما هي برأيكم القدرات التي تمتلكها اتفاقية الحدود هذه، والتي يمكن للصهاينة والولايات المتحدة استخدامها لتطبيع العلاقات بين بيروت وتل أبيب؟
السيد حسن هاني زاده: في الواقع، حقل كاريش للنفط والغاز المشترك بين لبنان والکيان الصهيوني، حيث بدأت عمليات الحفر فيه على مدى السنوات الثماني الماضية، يحتوي على أكثر من 180 تريليون قدم مكعب من الغاز. كما أنه يمتلك عشرات المليارات من براميل النفط، وبهذا المعنى ، فهو يمتلك أحد أكبر خزانات النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط.
تم اكتشاف موارد حقل كاريش للغاز قبل سنوات، وكان الکيان الصهيوني على وشك استغلالها، لكن تحذيرات السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، من أنه "إذا أراد الإسرائيليون استخدام حقل الغاز هذا من جانب واحد، فإن المقاومة لن تسمح بذلك"، جعلت الصهاينة يتراجعون.
كان من المفترض أن يبدأ استغلال الکيان الإسرائيلي لقطاع الطاقة هذا الشهر الماضي، لكن تحذيرات السيد نصر الله فعلت فعلتها، فأرسلت أمريكا وفداً إلى بيروت للتوسط للتوصل إلى اتفاق بين الجانبين لمنع تصعيد التوترات، وبعد عدة أشهر من المفاوضات تم التوصل أخيراً إلى اتفاق بهذا الشأن.
يقع جزء مهم من موارد الطاقة هذه في المجال البحري للبنان، ولذلك اضطر الکيان الصهيوني للموافقة على هذه الاتفاقية، على الرغم من أن هذه الاتفاقية تنص على الحد الأدنی من حقوق اللبنانيين في استخراج موارد الغاز.
الوضع الآن هو حيث إنه إذا أرادت تل أبيب انتهاك هذا الاتفاق، فإن حزب الله سوف يضع جانباً كل الاعتبارات وسيستهدف المنشآت التي بناها الکيان الإسرائيلي في السنوات الماضية بمساعدة الغرب. توجد نسبة عالية من موارد غاز كاريش داخل حدود لبنان، وهذا الموضوع يلبي احتياجات اللبنانيين إلى حد ما. لذلك، لن يعني هذا الاتفاق بأي حال من الأحوال إقامة علاقة مع الکيان الصهيوني، وهو مجرد اتفاق لاستخراج موارد الغاز المشتركة، ولا تستطيع أمريكا والکيان الإسرائيلي استخدامه لتحقيق هدف تطبيع العلاقات مع لبنان.
الوقت: كيف ينظر الرأي العام اللبناني لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع الکيان الإسرائيلي، وهل يعتبرها مقدمةً للتطبيع أم لا؟ وبشكل عام، ما هو رأيهم في هذه الاتفاقيات؟
السيد حسن هاني زاده: الشعب اللبناني يسعى إلى الحفاظ على مصالحه الوطنية، وموارد الطاقة هذه موجودة في المنطقة البحرية اللبنانية، وقد بنت "إسرائيل" منشآت حفر في هذه المنطقة دون مراعاة القوانين الدولية. واللبنانيون ضد عملية التطبيع، لكنهم يتوقعون أن يكون لهذا الاتفاق أثر في حل مشاكل البلاد الداخلية، والخروج من الأزمات التي يواجهونها منذ عدة سنوات.
الوقت: كيف سيكون تأثير هذا الاتفاق على انتخاب الرئيس اللبناني؟ قال السيد حسن نصر الله، إن اتفاق الحدود مع الكيان الصهيوني جاء نتيجة التعاون بين ميشال عون والمقاومة، وإن العلاقات بين عون وحزب الله كانت جيدةً خلال هذه الفترة. لكن حالياً، تريد التيارات المعارضة في لبنان تعيين شخص غير متحالف مع حزب الله.
السيد حسن هاني زاده: مسألة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية لا علاقة لها بالرئيس. حالياً، تسعى التيارات السياسية في لبنان لانتخاب رئيس ضد حزب الله، وتصر على انتخاب ميشال معوض رئيساً، لكن في الجلسات الخمس الأخيرة التي جرى فيها التصويت في البرلمان، لم يستطع معوض الحصول علی الآراء اللازمة. بسبب الخلافات السياسية فإن عملية انتخاب الرئيس ستكون طويلةً، والآن يتعين على حزب الله أن يبحث عن رئيس يمكنه حماية مصالح لبنان ككل.
بعض الکتل التي شعرت بأن ميشال معوض معارض لحزب الله لم تصوت له، وهذه المسألة أطالت أمد عملية انتخاب الرئيس. وعلى أي حال، لا يمكن لأي رئيس يتولى منصبه أن يكون غير مبال بهذه الاتفاقية.
الوقت: مقابل خطط الولايات المتحدة والکيان الصهيوني للترويج لخطاب التسوية في لبنان بعد اتفاق التطبيع، ما هي خطة حزب الله للتعامل مع التطبيع وكيف سيتعامل مع هذا الموضوع؟
السيد حسن هاني زاده: المؤكد هو أنه لا يمكن لأي حكومة في لبنان أن تقيم علاقات مع "إسرائيل" دون الرجوع إلى رأي مجلس النواب، ولبنان أيضاً جزء من محور المقاومة، وعلى أي رئيس أن يكون منسجماً مع غالبية الكتل النيابية ليبقى في منصبه، ويشغل حالياً ممثلو حزب الله وحلفاؤه غالبية المقاعد.
في الماضي، لم يستطع سعد الحريري، رئيس وزراء لبنان الأسبق، الذي كان يتمتع بقدرة سياسية أكبر بين التيارات السياسية ودعم القوى الأجنبية، إقامة علاقة مع الکيان الإسرائيلي. لذلك، فإن موضوع تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ليس بيد رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية، وصانع القرار النهائي هو مجلس النواب، الذي يعارض هذه القضية بشدة في الوقت الحالي.
الوقت: في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، هل ورد ذكر السلطة القانونية التي يجب الرجوع إليها في حال نشوب خلاف؟
السيد حسن هاني زاده: الأمريكيون أنفسهم هم الضامنون لهذه الاتفاقية، وفي حال حدوث نزاع بين الطرفين، فإنهم سيقررون وإذا رفض الکيان الإسرائيلي تنفيذ هذا الاتفاق، يمكن للسلطات اللبنانية أن تتفاوض مباشرةً مع الولايات المتحدة لتأمين مصالحها.
الوضع الآن هو حيث إنه إذا ألغی الکيان الإسرائيلي الاتفاقات من جانب واحد، فإن حزب الله سيتصرف بناءً على التحذيرات التي وجهها، وسيستهدف جميع منشآت الغاز الإسرائيلية في حقل الغاز المشترك دون إضاعة الوقت، وحزب الله قادر علی ذلك.
وعلى الرغم من توقيع هذه الاتفاقية في عهد يائير لبيد، رئيس الوزراء السابق في الكيان الصهيوني، ومؤخراً قال بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود، الذي سيشكل الحكومة بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية، إنه سينسحب من الاتفاق بين بيروت وتل أبيب، لكن الظروف المحيطة بحقل كاريش للغاز هي بحيث أنه إذا انسحب الكيان الإسرائيلي من الاتفاق، فلن يبقی اللبنانيون مکتوفي الأيدي.
الوقت: كسؤال أخير، هل تعتقدون أنه من الممكن الوثوق بالضمانات الأمريكية بشأن الحفاظ على الاتفاقية؟
السيد حسن هاني زاده: إذا انحازت الولايات المتحدة إلى جانب الإسرائيليين في أي خلاف بين بيروت وتل أبيب، فلن يتبقى خيار آخر للبنان، وآخر خيار لهذا البلد هو تدمير منشآت الغاز التي عملت "إسرائيل" جاهدةً على إنشائها منذ سنوات.
لذلك، فإن حقل كاريش للغاز هو كعب أخيل للصهاينة، وهم يعرفون جيداً أنهم إذا انسحبوا من الاتفاقية، فإن الرأي العام في لبنان كله سيكون ضد إسرائيل. لأن هذا اتفاق تم التوصل إليه بوساطة الأمريكيين، وإذا انسحب الکيان منه، فلن يلوم أحد حزب الله ولبنان على اختيار الخيار العسكري للردّ علی الصهاينة.
کما أن هذه المنشآت هي أيضًا ضمن مرمى صواريخ حزب الله البالستية، وسيتم تدميرها بالكامل في فترة وجيزة، وهذه ورقة رابحة بيد المقاومة وستستخدمها في حال عرقل الکيان الإسرائيلي مسار الاتفاق.