الوقت - بدأ معسكر رئيس وزراء الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو، معركة توزيع الحقائب الوزارية حتى قبيل تكليف زعيم "الليكود" اليميني بتشكيلها رسميا.
وبعد التجربة التي استمرت عاما كاملاً لائتلاف مختلط بين اليمين والوسط واليسار والعرب، تؤشر نتائج الانتخابات الجديدة على تحول حاسم نحو اليمين في السياسة الإسرائيلية، مع ما يجلبه ذلك من تداعيات على علاقات إسرائيل في المنطقة، والتوترات المستمرة بينها وبين الفلسطينيين، والعلاقات بين اليهود والعرب في المجتمع الإسرائيلي.
فتواجه دولة الاحتلال تحديًا جديدًا يتمثّل في التسويق للحكومة الإسرائيلية التي سيشكلها بنيامين نتنياهو، والتي ستضم أحزابًا عنصريةً وحتى فاشية، على شاكلة حزب (القوّة اليهوديّة)، الذي يُطالِب زعيمه إيتمار بن غفير، الذي أدين مرّتيْن بمحكمةٍ إسرائيليّةٍ بدعم الإرهاب، بإسناد حقيبة الأمن الداخليّ له لكي “يثأر” من فلسطينيي الداخل والفلسطينيين في الضفّة الغربيّة المُحتلّة، الذين حسب برنامجه الانتخابيّ يرفضون الانصياع للقانون الإسرائيليّ ويقومون بمخالفاتٍ جنائيّةٍ ضدّ اليهود، وعلى نحوٍ خاصٍّ في النقب.
فمن جديد يستحوذ المتطرف ايتمار بن غفير، رئيس حزب القوة الصهيونية، على اهتمام إعلام دولة الاحتلال الإسرائيلي، بعد إعلان خطته للتضييق على الأسرى الفلسطينيين، حيث من المتوقع أنّ يحصل على وزارة الأمن الداخلي التي تتولى مسؤولية مصلحة السجون الإسرائيلية.
وترتكز خطة بين غفير، للتضييق على الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي على تشديد ظروف الاعتقال للأسرى الأمنيين- حسب إعلام الاحتلال- وتصعيدها.
ويسعى "بن غفير" لتبني تقرير شلمومي كهتابي المفوض المتقاعد الذي تم تعينيه على يد ويزر الأمن الداخلي السابق جلعاد أرداد.
وأحد المطالب حسب المصادر الأمنية الإسرائيلية، قد تشعل الميدان إذا تم تطبيقها وهي إلغاء الحبس بشكل تفاضلي بالغرف والزنازيين؛ بمعنى أنّ يتواجد أسرى من حماس والجهاد وفتح في غرفة واحدة؛ وبالتالي لن يكون الانتماء التنظيمي هو من يُحدد تسكين الأسرى في الغرف.
وتقوم الخطة أيضاً على إلغاء مُسمى الناطق باسم الأسرى ووقف الوجبات؛ لكِن هذه الخطة رفضت المؤسسة الأمنية للاحتلال تطبيقها حتى بعد عملية الهروب الكبير للأسرى الستة من سجن جلبوع؛ خوفًا من ردود الأفعال في الضفة الغربية وكذلك في غزّة.
وتضم الخطة أيضاً حسب المصادر والتي ستكون بمثابة برميل بارودٍ متفجّرٍ، أضافت المصادر، تكمن في مطالبة بن غفير بالسماح لليهود بالدخول للمسجد الأقصى متى شاءوا ودون أيّ تقييداتٍ من شرطة الاحتلال، وهذه الخطوة عمليًا، في حال إخراجها إلى حيّز التنفيذ، ستؤدي حتمًا لاشتعال الأمور في القدس المُحتلّة وقد تنتقل إلى الصفّة الغربيّة المُحتلّة وإلى داخل القرى والبلدات والمجمعات والمدن العربيّة-الفلسطينيّة داخل ما يُطلَق عليه الخّط الأخضر، علمً أنّ عدد الفلسطينيين في أراضي الـ 48 بات أكثر من مليونيْن.
عُلاوةً على ما ذُكِر أعلاه، فإنّ تطبيق مخطط بن غفير الجديد بشأن الترتيبات للدخول للمسجد الأقصى، سيكون عمليًا القضاء على ما يُسّمى بالوصاية الأردنيّة، وإضافة إلى ذلك، قيام كيان الاحتلال بتحدّي العالم الإسلاميّ، إذْ إنّ تغيير ساعات وأماكن دخول اليهود إلى الأقصى، سيكون ضربةً قاصمةً للوضع القائم (Status quo) في أحد أهّم الأماكن المُقدسّة للمسلمين، والذي يتّم التعامل حسبه منذ أنْ وضع عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967 أوزاره.
بدوره، أكّد رئيس نادي الأسير الفلسطيني، قدورة فارس، على أنَّ "هذه الخطة ليست من إنتاج أفكار بن غفير بل موجودة من قبل؛ لكِن الخطورة في الموضوع، هي أنَّ هذا الشخص لو تولى هذه الحقيبة سيُحاول تنفيذها".
وأضاف فارس: في الماضي كانت هناك محاولات لتنفيذ الخطة ولكنها دائماً تبوء بالفشل؛ وذلك بسبب الحسابات السياسية والأمنية في المنطقة، وبالتالي تم تأجيل تنفيذها من قبل حكومات الاحتلال المتعاقبة".
وتابع: "هذه الأفكار ليست من ايتمار بن غفير؛ ولكِنها موجودة في السابق ويرغب هو في تنفيذها ولن يتورع عن ذلك؛ لأنّه مسكون بالعنصرية والفاشية والحقد والكراهية وفرصتة لممارسة الانتقام؛ لذلك الأمر في غاية الخطورة".
وبالحديث عن أسباب تركيز بن غفير على قضية الأسرى، قال فارس: "إنَّ هذا الأمر مُرتبط بطموحه لتولي وزارة الأمن الداخلي التي تقع ضمن صلاحيتها مصلحة السجون؛ لكِنه تحدث عن قضايا أخرى كالاستيطان والأسرى".
وختم فارس حديثه، بالإشارة إلى أنَّ تولي اليمن العنصري المتطرف الحكم في إسرائيل يُمثل خطراً على مستقبل القضية الفلسطينية برمتها؛ وبالتالي مطلوب من الحركة الوطنية التمعن في التحولات التي حدثت في إسرائيل، وبلورة جبهة وطنية تحتكم في عملها على رؤية وخطة عمل من شأنها أنّ تُمكن شعبنا من امتلاك زمام المبادرة، وعدم استجداء ردود الفعل أو طلب الحماية من المجتمع.
"إيتمار بن غفير" مُحامٍ وناشط سياسي "إسرائيلي" يُعرف بانتمائه لليمين المتطرف، وهو رئيس فصيل "العظمة اليهودية" (عوتسما يهودت)، وأحد أعضاء الكنيست "البرلمان الإسرائيلي"، ومُشارك أكثر من مرة في عمليات اقتحام المسجد الأقصى.
استسقى بن غفير أفكاره المتشددة من مدرسة الحاخام مائير كاهانا، مؤسس حركة "كاخ" الذي فاز بمقعد في الكنيست "الإسرائيلي" عام 1984 قبل أنّ تُصنف حركته "إرهابية وفاشية"، وعُرفت مدرسة كاهانا باسم "الكهانية"، ومنهجها الجمع بين المغالاة القومية والتدين السياسي والممارسات العنيفة.
ووفقاً للكهانية، يؤمن بن غفير بفكرة أنَّ العرب في فلسطين أعداء يجب إخراجهم بالعنف ولا يقبل التعايش معهم، وعلى يهود العالم كافة أنّ يُهاجروا إلى فلسطين.
وقد اشتهر بوضعه على جدار منزله صورة لمنفذ مجزرة المسجد الإبراهيمي -التي راح ضحيتها 29 مصلياً في 25 فبراير/شباط 1994- باروخ غولدشتاين، حيث يصفه بـ"البطل"
وتتلخص محاولات بن غفير دخول الكنيست بالتالي: في دورة الانتخابات الـ19 للكنيست، وضع مايكل بن آري مساعده بن غفير وصديقه باروخ مارزل على قائمة الحزب الذي شكله في يناير/كانون الثاني 2013، لكنه فشل في رصد أصوات كافية لحجز مقعد في الكنيست.
وفي انتخابات الكنيست الـ21، ترشح بن غفير على رأس قائمة "العظمة اليهودية" التي حصلت على حوالي 83 ألف صوت، ولم يجتز نسبة الحسم كذلك.
أما في الفترة التي سبقت دورة الانتخابات الـ23، فقد رفض رئيس حزب "اليمين الجديد" نفتالي بينيت ضم بن غفير إلى قائمة تحالف الصهيونية الدينية.
وفي الدورة الانتخابية الـ24، ترأس بن غفير حزب "العظمة اليهودية"، كما دعمه رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، وفور انتخابه في مارس/آذار 2021 عضواَ في الكنيست، قال إنّه "يجب إزالة أعداء إسرائيل من أرضنا"، في إشارة إلى الفلسطينيين عامة.
وفي الدورة الـ25 في أكتوبر/تشرين الأول 2022، رشح بن غفير نفسه لتولي حقيبة وزارية لم يُحددها، إلا أنّ شريكه بتسلئيل سموتريتش قال إنّه "يُريد حقيبة الدفاع أو الأمن الداخلي"، وقد لقي بن غفير دعماً من نتنياهو.
ووفقًا للإعلام العبريّ فإنّ بن غفير، وهو مستوطن ويقطن فيما يُسّمى بالحيّ اليهوديّ بمدينة الخليل، سيُشعِل النار في كلٍّ من القدس المُحتلّة وتحديدًا في محيط المسجد الأقصى، وبصفته مسؤولاً عن شرطة الاحتلال، فإنّه، حسب القناة الـ 13 بالتلفزيون العبريّ، سيُعيد النظام والقانون إلى النقب، الذي حسب مزاعمه سيطر عليه العرب، وباتوا لا يمتثلون لقوانين الكيان.
وفي السياق عينه، ونقلاً عن مصادر مقربّةٍ من العنصريّ بن غفير، الذي التقى رئيس الوزراء القادم بنيامين نتنياهو، أمس الأحد، قالت القناة الـ 13 بالتلفزيون العبريّ إنّ بن غفير سيبدأ حال تسلّمه حقيبة الأمن الداخليّ بتنفيذ خطّته القاضية بتشديد التعامل مع الأسرى الفلسطينيين السياسيين، ومصادرة الإنجازات التي حققوها على مدار سنواتٍ من النضال ضدّ سلطات السجن بالكيان، الأمر الذي من شأنه تفجير الأوضاع داخل السجون، وهو الذي سينعكِس على الشارع الفلسطينيّ برمّته، وفق التلفزيون العبريّ.
إضافة للعنصري بن غفير،هناك العنصري الآخر أيضاً الجنرال الإسرائيليّ المُتقاعد، تسفي فوغل، الذي سيكون أحد أعضاء الكنيست الجدد. الرجل، الذي كان مسؤولاً عن قيادة المنطقة الجنوبيّة في جيش الاحتلال، لا يُخفي مواقفه العنصريّة ضدّ العرب، وهو المرشّح الـ 11 في حزب (القوّة اليهوديّة)، الذي حصل على 14 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة.
فوغل صرح أكثر من مرّةٍ لوسائل الإعلام العبريّة أنّ علاج “المخربين” الفلسطينيين وأيضًا الذين يقومون بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة يجِب أنْ يكون القتل فورًا عن طريق إطلاق الرصاص بالرأس مباشرةً، أمّا اليهود الذين يرتكبون مخالفاتٍ جنائيّةٍ، فقال فوغل إنّه يجِب إعادة تأهيلهم دون سجنهم،على حد تعبيره.
وبالسياق ذاته، طالب أمس رئيس لجنة المتابعة العليا للفلسطينيين في الكيان، محمد بركة، طالب المجتمع الهيئات والمؤسسات ذات الصلة بتوفير الحماية الدوليّة لعرب الـ 48 مع اقتراب موعد الإعلان عن تشكيل حكومة نتنياهو السادسة.
وكانت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربيّة في الداخل الفلسطينيّ، حملّت العام الماضي، الحكومة الإسرائيليّة ورئيسها بنيامين نتنياهو، المسؤولية الكاملة عن تدنيس المسجد الأقصى المبارك، وعن مؤامرة تهجير العائلات الفلسطينية في الشيخ جراح، ومحاولة اغتيال هوية القدس الحقيقية، وعن مجمل السياسة الإجراميّة المتمثلة بحصار قطاع غزّة وبالاستيطان في الضفة الغربية، وعن جرائم عصابات المستوطنين واليمين الفاشي المتطرف، التي تشُنّ اعتداءاتٍ منظمةٍ ضدّ أهلنا في المدن الفلسطينية التاريخية والمدن المختلطة، وتُحيّي جماهيرنا التي تُعبّر عن غضبها على جرائم الاحتلال.