الوقت - بعد أن رأى الأمريكيون أنه من خلال إذکاء نيران الشغب واللجوء إلى العمليات النفسية والدعاية، وفرض عقوبات عديدة ومتسلسلة على طهران، لا يمكنهم الحصول على تنازلات من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تحولوا إلى استجداء التفاوض والدبلوماسية.
بعد أيام قليلة من المزاعم الأمريكية الجديدة بأن "الاتفاق النووي ليس على جدول أعمالنا"، أعلن وزير الخارجية الإيراني عن تسرع واشنطن للتوصل إلى اتفاق مع إيران.
لقد أصبح النهج المتناقض للأمريكيين واضحًا وعلنيًا، لدرجة أنه جعل تصريحاتهم بشأن المفاوضات النووية أكثر تفاهةً وغير موثوقة.
قبل أيام قليلة، أعلن المسؤولون الأمريكيون بوضوح أن المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي ليست على جدول أعمالهم، وذلك باستخدام ذريعة حقوق الإنسان ودعم المشاغبين، فضلاً عن مزاعم الطائرات بدون طيار المزيفة ضد إيران، وأن واشنطن لا تفكر في اتفاق، لكنهم الآن يرسلون رسالةً مفادها أنهم مستعدون للتوصل إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن!
الممثل الأميركي الخاص لشؤون إيران روبرت مالي، أكد الأسبوع الماضي أن "سياستنا هي الدفاع عن الحقوق الأساسية للشعب الإيراني ودعمها، وأن تحديد نوع الحكومة في إيران يعتمد على قرار الإيرانيين أنفسهم"، وقال بوضوح إن إعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة والمفاوضات بشأن رفع العقوبات عن إيران في فيينا، ليست حتى على أجندة واشنطن.
کما أكد نيد برايس المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، في مؤتمره الصحفي الأسبوعي بشأن المحادثات النووية مع إيران، أنه "من الواضح الآن أن الاتفاق ليس وشيكًا"، وأشار إلى الاضطرابات الأخيرة في بعض المدن الإيرانية، وقال: "في الوقت الحالي، مثل بقية العالم، نحن نركز على شجاعة الشعب الإيراني وليس على المفاوضات في دولة أخرى".
بدورها أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير في اجتماعها الأسبوعي عن مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، أن باب الدبلوماسية سيبقى دائمًا مفتوحًا لأمريكا، ولكن بالنظر إلى الوضع الحالي "نحن لا نشهد اتفاقًا قريبًا".
وقال جون كيربي، منسق العلاقات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، الخميس الماضي: "حالياً وضعت الولايات المتحدة جانباً محاولة التفاوض مع ايران بسبب إرسال طائرات مسيرة لروسيا. نحن لا نركز على الدبلوماسية في الوقت الحالي".
في السياق ذاته، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الجمعة الماضي، إن "واشنطن تعتبر الحل الدبلوماسي أفضل طريقة للتعامل مع إيران"، وأضاف: "تحقيق الاتفاق النووي مع إيران ليس وشيكًا". وزعم أن أمريكا ستواصل اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمواجهة أنشطة إيران في المنطقة.
واستناداً إلى المواقف الرسمية للأمريكيين، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن "الولايات المتحدة فقدت اهتمامها بمفاوضات إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، وتنوي التركيز على دعم الأنشطة المناهضة للحكومة في إيران".
لکن الآن وبعد أيام قليلة من التصريحات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين وتكهنات الخبراء والمراقبين الدوليين بشأن خروج خطة العمل الشاملة المشتركة من أجندة واشنطن، أعلن وزير الخارجية الإيراني رسالة الأمريكيين قبل ثلاثة أيام.
تجدر الإشارة إلی أن المقاربة المتناقضة للأمريكيين فيما يتعلق بمفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة ليست جديدةً، لكنها تشير إلى عمق ضعف وهشاشة الولايات المتحدة في المجالين الداخلي والخارجي، ومن ناحية أخرى، فهي اعتراف بالفشل في مشروع خلق الفوضى في إيران.
رسالة الأمريكيين قبل ثلاثة أيام
قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي كان يتحدث للصحفيين يوم السبت الماضي: "تلقينا رسالةً من أمريكا قبل ثلاثة أيام. الأمريكيون، وهم يتبادلون رسائلهم، في عجلة من أمرهم للتوصل إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن."
وتابع: "لقد أوضحنا أن الاتهامات التي وجهتها (الوكالة الدولية للطاقة الذرية) للجمهورية الإسلامية الإيرانية في المجال النووي، يجب حلها. لسنا مستعدين للتوصل إلى اتفاق، وبعد ذلك تضغط الوكالة باستمرار على جمهورية إيران الإسلامية."
لا يعطي الأمريكيون الأولوية للاتفاق فحسب، بل يستعجلون في ذلك أيضًا
أضاف أمير عبد اللهيان: "لذلك، فيما يواصل الأمريكيون تبادل رسائلهم معنا، لكنهم يحاولون إذکاء القضايا التي كانت تدور داخل إيران في الأيام الماضية."
وأوضح: "أعتقد أنهم يتطلعون لممارسة ضغوط سياسية ونفسية، ويريدون كسب امتيازات في المفاوضات". وتابع: "لن نقدم أي تنازلات للجانب الأمريكي. سوف نتحرك في إطار المنطق وإطار اتفاق يحترم الخطوط الحمراء لجمهورية إيران الإسلامية، ولكن في نفس الوقت، لن نترك طاولة المفاوضات أبدًا."
وقال وزير الخارجية الإيراني: إن تقييمنا لرسائل الجانب الأمريكي حتى في الأيام الأخيرة، هو أن الأمريكيين ليسوا فقط أولويتهم (الاتفاق)، بل في عجلة من أمرهم أيضًا.
تاريخ صلاحية استخدام السلوك المتناقض في مجال الدبلوماسية قد انتهى
أشار أمير عبد اللهيان إلى السلوك المتناقض للأمريكيين في مفاوضات رفع العقوبات، وقال: "لست متفاجئًا من أن الأمريكيين يتحدثون بطريقة ما ويتصرفون بطريقة أخرى. بالطبع، في بعض القضايا في المفاوضات، أخبرنا الأمريكيون أننا إذا اتفقنا على هذه المسألة، فلا يمكننا تأكيد ذلك بسبب مشاكل داخلية."
وأضاف: "نتفق في بعض المجالات ونتفهم المشاكل الداخلية للجانب الأمريكي، لكننا لن نسمح للأمريكيين بإثارة الفوضى في إيران ببعض التصريحات من جهة، والإعلان عن تسرعهم واستعدادهم للتوصل إلى اتفاق عبر بعض الرسائل الرسمية التي يرسلونها إلينا من جهة أخری."
وقال وزير خارجية إيران مخاطباً الأمريكيين: "على الجانب الأمريكي أن يعلم أن تاريخ صلاحية السلوك المزدوج والمتناقض في مجال الدبلوماسية قد انتهى. اليوم، الرأي العام بحاجة إلى معلومات دقيقة، ويجب أن يخبر مسؤول أمريكي حكومتي وزملائي عن سبب تأخير المفاوضات في فيينا وأنه يجب الإسراع بها، ولماذا يقولون في وسائل الإعلام إن هذه القضية ليست أولويتنا الأولى. بالطبع، هذه المسألة تجعلنا أكثر جديةً في عدم التعرض للدغ من نفس الجحر مرةً ثانيةً في مراعاة خطوطنا الحمراء."