الوقت- يدرك الكيان الصهيوني جيداً أن مقاومة أبناء الشعب الفلسطيني اتخذت منحى اخر وتوسعت، فالضفة الغربية أصبحت رافداً قوياً للمقاومة المسلحة داخل قطاع غزة ،حيث إن الضفة الغربية أصبحت عنوناً جديداً للمقاومة فمدن الضفة "نابلس ، جنين”، أصبحت تمثل خطراً على الكيان الصهيوني حيث لا يَقِلُّ خطَرِها عن الصّواريخ والمُسيّرات التي ترعب الكيان الصهيوني والتي تطلق من داخل قطاع غزة في سياق الرد على الاحتلال الصهيوني وجرائمه بحق أبناء الشعب الفلسطيني، في هذا السياق يمكن القول إن الخطر الأكبر الذي باتَ يُشَكّل خطرًا وجوديًّا وحقيقيًّا لكيان الاحتِلال الإسرائيلي ويُعَجّل من انهياره لم يعد الصّواريخ والمُسيّرات التي تمتلكها المقاومة فقط، وإنّما خلايا المُقاومة الشبابيّة النّاشطة في الضفّة الغربيّة وثلاث مُدُن رئيسيّة على وجْه الخُصوص وهي: نابلس، جنين، والقدس، لأنّها باتت في اشتباكٍ مُتصاعدٍ يرفع من كُلفَة الاحتِلال ماديًّا وبشَريًّا لأوّل مرّة مُنذ 22 عامًا.
من الجدير بالذكر خلال الأحداث الاخيرة في الضفة الغربية يتضح جلياً أن الضفة الغربية تتمع بقوة كبيرة حيث أثبت أبناء الشعب الفلسطيني أن الاحتلال يبقى احتلالاً أينما وجد وأن أبناء الشعب الفلسطيني لن يترك الكيان الصهيوني يسرح ويمرح في الأرضي المحتلة، فالعمليات الاخيرة التي حدثت في داخل مدن الضفة الغربية أرعبت الكيان الصهيوني وفي نفس الوقت أكدت أن أبناء الشعب الفلسطيني متضامنيين مع أبناء حركات المقاومة في داخل قطاع غزة وهنا يمكن القول إن الضفة الغربية ومن خلال مدنها وأبنائها أعادت للمقاومة زخمها.
الضفة الغربية وروح المقاومة
لا يخفى على أحد أنّ حالة الغليان التي وصلت إليها الضفة الغربية لا يمكن السيطرة عليها من قبل الكيان الصهيوني، وليس تطوّر العمليات، من جنين إلى نابلس وصولاً إلى القدس ، إلّا دليلاً على تطوّر هذه المقاومة، فعلى الرّغم من الجهود الكبيرة التي بذلها الاحتلال الصهيوني في مواجهة المقاومة في الضفة المحتلة وحصرها في مناطق محدَّدة، وصناعة نماذج لمناطق هادئة بعيدة عن المواجهة والضغط فإنّ العمليات الأخيرة في الضفة المحتلة أثبتت أن هذه النماذج فاشلة، وأن "خطر" تنامي مقاومة الضفة الغربية وصل إلى مرحلة يصعب السيطرة عليها، على الرغم من الجهد والقوة الأمنيَّين المبذولين فيها على مدار الساعة من قبل الكيان الصهيوني.
وفي هذا السياق من الواضح أن أعداد مَن باتوا يؤمنون بالمقاومة بالضفة الغربية أكبر كثيراً من السابق. وفي كل يوم، تندفع أعداد جديدة من الشبّان إلى طريق مقاومة العدو ومستوطنيه، والسلاح لم يعد المعضلة الكبرى أمام مَن يريد المقاومة، فعلى عكس التوقعات الأمنية للاحتلال، التي تُفيد بالسيطرة على الوضع في الضفة المحتلة مع تشديد القبضة الأمنية، وما يُطلق عليه "عمليات جزّ العشب"، تنطلق فئات جديدة من الفلسطينيين نحو مواجهة الاحتلال ورفض سياسات التدجين.
مقاومة الضفة.. تثير قلق الاحتلال الصهيوني
ما يُقلِق جيش الاحتلال الصهيوني، أنّ المُقاومة في الأراضي المُحتلّة عائدةٌ بقوّةٍ، مُعتَمِدةً على نفسها، ولا تتطلّع إلى مُساعدة أحد من الحُكومات المُطبّعة، فالمقاومة مُحصّنة من اختِراقاتها وأموالها، ولهذا ستُغيّر كُلّ المُعادلات على أرض المِنطقة، وليسَ في الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة فقط.. فالقادم أعظم بكثير. حيث تشهد الضفة الغربية حراكاً فلسطينياً مقاوماً شبه دائم في وليس مرتبطاً بحالة معينة، وهذا يعود إلى أن الفلسطيني لا يقبل بالاحتلال بأي شكل من الأشكال.ويُستدل على ذلك بالتقارير التي تصدرها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية سنوياً والتي تدعي وتتحدث فيها عن إحباطها لمئات العمليات. من خلال ما تم ذكره يتبين أن المقاومة في الضفة هي الآن على أشد ما يكون حيث سبق وأن اعترف الجِنرال غانتس في تصريحاتٍ صِحافيّة سابقة أن مدينتيّ نابلس وجنين تُشَكِّلان تحدّيًا خطيرًا مُعقّدًا "للجيش الإسرائيلي"، بسبب الدّعم الشّعبي الكبير الذي يحظى به الشّباب النّشطاء فيهما في إشارةٍ إلى الخلايا المُسلّحة في المدينتين، وخاصَّةً جماعة “عرين الأسود” التي تأسّست في مدينة نابلس القديمة ومُخيّم بلاطة للاجئين كرَدٍّ على المجزرة التي ارتكبتها قوّات إسرائيليّة لتصفية ثلاثة شُبّان استَشهدوا بإطلاق 500 رصاصة على سيّارتهم، وكانَ يُمكن اعتِقالهم أحياءً .
تلاحماً كبيراً بين الحاضنة الشعبية والمقاومة
اليوم الضفة الغربية تشهد بلا شك تصاعداً في نوعية وعدد الفعل المقاوم، وذلك بالنظر لفشل استراتيجيات الاحتلال خلال السنوات الماضية في قمع المقاومة الفلسطينية، فالمقاومة في الضفة تشهد تصاعداً كبيراً مع تقدم الوقت؛ لأن أركان هذا العمل المقاوم قائم على مواجهة العدوان والانتهاكات "الإسرائيلية"، وهي تستمر وتتصاعد في القدس والضفة. نعم يمكن القول إن استمرار الـمـقـاومة بالضفة الغربية وامتدادها لكامل جغرافية الضفة الغربية واستخدامها تكتيكات عسكرية جديدة، ستفرض على الجندي الإسرائيلي ضرورة إيجاد حلول فورية أثناء القتال، وهو ما فشل به في العمليات الأخيرة وعجزت القوات "الإسرائيلية" عن التعامل معه ميدانياً، وسيتكرر ذلك طالما استمر الفعل المقاوم وتطور. فنماذج الشباب المقاوم أصبحت مثمرة ومبهرة ويقتدي بها الشبان في الضفة؛ لأن عناصر الاستفزاز الصهيونية في الضفة عوامل تأجيج للمقاومة واشتعال المواجهة، ونشهد تلاحماً بين الحاضنة الشعبية والمقاومة، ويقدم المدنيون كل ما يساعد المقاومين على البقاء والاستمرار، وخاصة المخابئ والإعاشة، هذا التلاحم يبرز واضحاً في مخيم جنين ومخيمات نابلس وفي العديد من المناطق.
فشل الخيارات الإسرائيلية ضد المقاومة في الضفة الغربية
يعترف "الجيش" الإسرائيلي بأنه يجد صعوبات جمة في وقف عمليات المقاومة، وخاصة عمليات إطلاق النار في أرجاء الضفة الغربية، وأعلن رئيس الشاباك، رونين بار، "أن هناك زيادة بنسبة 30% في عمليات إطلاق النار مقارنة بالعام الماضي، لقد عانينا من أكثر من 130 عملية إطلاق نار هذا العام، مقارنة بـ 98 في عام 2021 بالكامل، و19 في عام 2020". في السياق نفسه بدأت تصريحات قادة المنظومتين الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بالإقرار أن "العمليات العسكرية السابقة لا تلبّي الأهداف المرجوة منها، وأن استمرار الأوضاع في الضفة الغربية على هذه الحال يسير بـ "إسرائيل" إلى كارثة أمنية استراتيجية لن يقتصر تأثيرها على مناطق الضفة الغربية فقط، بل سيتعداها إلى مناطق فلسطين المحتلة عام 48.
وأشار تنامي عدد الإنذارات الأمنية لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى نيات تنفيذ عمليات فدائية داخل فلسطين المحتلة عام 48، وعلى ضوء ذلك، باتت "إسرائيل" تفكر في خيارات جديدة لمواجهة المقاومة في الضفة الغربية. تدرك إسرائيل أن ما يجري في شمال الضفة الغربية أنه تحدي أمني وواقعا استراتيجياً أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، وتخشى من ترسيخ المقاومة المسلحة جذورها في الضفة، لذا هي تمارس الضغط على السلطة للعمل ضد المقاومين، وفرض سيطرتها كما هو الحال في وسط وجنوب الضفة الغربية
في الختام تعمل المقاومة في الضفة الغربية على استنزاف العدو الصهيوني من خلال العمليات المتنوعة والمنتشرة في نقاط مختلفة ممتدة وتعزيز دور المطاردين وحمايتهم و ستعمل على تقويض القوة العسكرية للعدو عبر استنزاف مقدراتها وتكبدها خسائر مادية وتدمير معنويات الجنود الصهاينة من خلال جرهم إلى دائرةٍ مفرغة من المواجهات المتقطعة.ما يجري بالضفة يتطلب من حركات المقاومة استثمار هذه العمليات وتوظيفها بشكل مناسب يسهم باسترجاع دورها إلى صدارة العمل المقاوم والبناء عليها وتشييد كيان مقاوم يقف على أسس صلبةٍ لا تهتز ولا تتزعزع لو أحسنا أفراداً وتنظيمات فهمه والتعامل معه، لقد فتحت تضحيات هؤلاء الفدائيين الشجعان الباب أمام مرحلة جديدة في الكفاح الفلسطيني المهم، لذلك فإن المراكمة على هذه العمليات، و تراكمها سيقود إلى ثورة وليس إلى انتفاضة لو تم تحصينها وأحسن البناء عليها، والانتقال بها إلى مرحلة قادمة نحو الخلاص من الاحتلال.