الوقت- الجزائر التي اشتهرت بأنها الوسيط بين الدول الإسلامية، ستتوسط بين الفصائل الفلسطينية هذه المرة لتنحية الخلافات التي دامت عدة سنوات جانباً إلى الأبد، وتوقيع اتفاقية مصالحة.
ولهذا الغرض، يومي الثلاثاء والأربعاء من هذا الأسبوع، سيجتمع وفد من حركتي حماس وفتح في الجزائر، ويناقشان القضايا المعنية.
وفي هذا الصدد، قال فايز أبو عيطة، سفير فلسطين في الجزائر، إنه تماشياً مع الاتفاق على "الرؤية الجزائرية" لإنهاء الخلافات، فإن ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية، بما في ذلك 12 مجموعة بقيادة فتح وحماس والجهاد الإسلامي، سيحضرون هذه الاجتماعات.
وحسب السفير الفلسطيني، فإن هذا الاجتماع سيعقد بعد شهور من الجهود التي بذلتها الجزائر من أجل تحقيق رؤية شاملة واتفاق مقبول من جميع الأطراف الوطنية الفلسطينية.
کما أعرب عن أمله في أن يتوصلوا في هذه المحادثات إلى توافق حول الرؤية الجزائرية، وأن يكون هذا الحدث أساس التحرك نحو إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية.
في نهاية أيلول، سافر وفد من فتح وحماس إلى الجزائر للتحضير لهذا الاجتماع، ويبدو أن كل شيء قد تم إعداده لحل الخلافات بين الفلسينيين، ولا توجد عقبة جدية أمام المصالحة بين هذه المجموعات.
وتأتي المحادثات الفلسطينية بعد لقاء إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ومحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، في الجزائر لأول مرة في منتصف شهر تموز(يوليو) الماضي، والذي وصفه كثيرون بأنه تاريخي ومقدمة لتحسين العلاقات بين حماس وفتح.
وبما أن مشيخات الخليج الفارسي سارت على طريق تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني في السنوات الأخيرة، وأدارت ظهورها لهدف تحرير القدس، لذلك فإن الجزائر، وهي معارضة قوية لمشروع التطبيع، تحاول أن تلعب دورًا مهمًا في تطورات فلسطين من خلال التوسط بين الفصائل الفلسطينية، وبعبارة أخرى، استعادة دورها التاريخي في دعم قضية النضال من أجل تحرير فلسطين في العالم العربي.
وبالنظر إلى الموقع السياسي للجزائر في شمال إفريقيا وجامعة الدول العربية، فضلاً عن علاقاتها الدبلوماسية الجيدة مع العديد من الدول القوية، يمكنها في ظل الوضع الدولي المضطرب الحالي زيادة الدعم الدولي لفلسطين من خلال المشاورات السياسية.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد قال في وقت سابق، إن بلاده لن تسمح باستعمار فلسطين، وإن قضية فلسطين ذات أهمية خاصة لهذا البلد.
تعارض الجزائر بشدة التسوية والتطبيع مع الکيان الصهيوني، لدرجة أن عددًا من نواب هذا البلد قدموا قبل بضعة أشهر مشروع تجريم التطبيع إلى رئيس البرلمان، والذي إذا تمت الموافقة عليه، سيغلق الطريق أمام أي تفاعل مع الکيان الإسرائيلي.
وبالنظر إلى أن اجتماع جامعة الدول العربية سيعقد في الجزائر مطلع نوفمبر، يبدو أن الوحدة بين الفلسطينيين هي مقدمة لتوحيد الدول العربية في دعم القضية الفلسطينية، لإبطاء عملية التطبيع أو القضاء عليها.
الوحدة الوطنية في فلسطين
تحاول الجزائر، التي لها دور الوسيط بين الفلسطينيين، توحيدهم ضد الکيان الصهيوني من خلال خلق وحدة وطنية بين جميع الفصائل الفلسطينية.
ذلك أن الکيان استغل الخلافات بين قادة الضفة وغزة على الدوام، ويواصل عدوانه واحتلاله للأراضي الفلسطينية بتأجيج الفجوة بين الفلسطينيين. لكن إذا اتحدت الضفة الغربية وقطاع غزة، فسيكون الفلسطينيون قادرين على مواجهة الکيان الإسرائيلي حتى من دون مساعدة الدول العربية المطبِّعة.
في السنوات الأخيرة، طالب قادة حماس مرارًا وتكرارًا السلطة الفلسطينية بحل خلافاتهم والتوحد ضد الکيان الصهيوني، لكن محمود عباس، الذي كان لديه تعاون استخباراتي وأمني مع "إسرائيل"، كان يلعب في ملعب الصهاينة، وبهذا العمل وضع نفسه عمليًا في مواجهة فصائل غزة.
حتى أن السلطة الفلسطينية قامت في السنوات الأخيرة باعتقال متكرر لأعضاء من حماس والجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، وتسليمهم للصهاينة بذرائع مختلفة، ما أثار غضب المجتمع الفلسطيني.
في تشرين الأول 2019 ، أعلنت حماس عن استعدادها للمشاركة في الانتخابات الوطنية الفلسطينية، بل حتى تم التوصل إلی اتفاقات في هذا الصدد، وكان من المفترض إجراء هذه الانتخابات في الضفة الغربية مطلع عام 2020، ولكن منع محمود عباس في الأيام الأخيرة إجراء هذه الانتخابات في الضفة والقدس لأسباب أمنية، لأن سلطات تل أبيب وأجهزة المخابرات التابعة للکيان، أبلغت عباس أنه بسبب النفوذ الكبير لحركة حماس في الضفة الغربية، فمن المرجح أن يفوز ممثلو حماس في الانتخابات، وفي هذه الحالة، سوف يستولون على السلطة في الضفة الغربية، التي هي الآن في أيدي السلطة الفلسطينية. ولهذا الغرض، استمع عباس للصهاينة ولم يسمح بإجراء الانتخابات التشريعية.
لذلك، فإن العقبة الجدية أمام الوحدة بين الفلسطينيين كان عباس نفسه والسلطة الفلسطينية، الذين لم تكن لديهم الإرادة اللازمة لإنهاء الخلافات مع الفلسطينيين في غزة.
تعزيز جبهة المقاومة في الضفة الغربية
القضية الأخرى هي أن نجاح المفاوضات في الجزائر يمكن أن يمهد الطريق لفصائل المقاومة في غزة للقدوم إلی الضفة الغربية، ويقوي جبهة المقاومة ضد الصهاينة.
ويمكن أن تزيد هذه المسألة من تکاليف الکيان الإسرائيلي، في الوقت الذي دخلت فيه الضفة الغربية والقدس المحتلة المرحلة المسلحة في الأشهر الأخيرة، وأعلنت عدة مجموعات عن وجودها بنهج الكفاح المسلح.
وقد أعرب المسؤولون الصهاينة مرارًا وتكرارًا عن قلقهم من تسلل حماس إلى الضفة الغربية، ويعلمون أنه إذا سيطرت هذه الحركة على الضفة الغربية، فإن التهديدات ضد الکيان الإسرائيلي ستزداد بشكل كبير.
لقد وجّهت حماس والجهاد الإسلامي ضربات شديدة للصهاينة في حروب متتالية في السنوات الأخيرة، وإذا وصلوا إلى السلطة في الضفة الغربية، فسيتم استهداف الأراضي المحتلة من اتجاهين، ويمكن أن تشكل هذه القضية تهديدًا خطيرًا لوجود الکيان الإسرائيلي وتسرِّع انهياره.
من ناحية أخرى، تدرك الجزائر جيدًا حقيقة أن السلطة الفلسطينية ومحمود عباس نفسه لا يحظون بشعبية بين الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية، بسبب التعاون الاستخباراتي والأمني المكثف مع الكيان الصهيوني في السنوات الماضية، ولهذا السبب تحاول كسب الشرعية لعباس من خلال تحالف حركة فتح مع فصائل غزة.
في السنوات الأخيرة، شعر الفلسطينيون في الضفة الغربية بأنهم أقرب إلى حماس والجهاد الإسلامي بالقياس إلی السلطة الفلسطينية. لأن محمود عباس يُنظر إليه على أنه عميل للصهاينة وينفذ أوامرهم فقط ضد الفلسطينيين، ولا يتخذ خطوةً لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد خلقت هذه القضية مسافةً بين الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية.
ولذلك، فإن تقارب السلطة مع حماس والجهاد الإسلامي يغير جزئيًا العقلية السلبية للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية والقدس تجاه عباس.
وفي الختام يمكن القول إن كل أنظار الفلسطينيين متجهة الآن إلى الجزائر، ليشهدوا الوحدة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية لأول مرة، وهو تحالف يستهدف الصهاينة، الأمر الذي سيجعلهم يتصرفون بحذر أكبر في الهجوم على المسجد الأقصى والضفة الغربية، لأنهم يعلمون أن المقاومة ستدافع بحزم عن الفلسطينيين.