الوقت - دخلت خطوات تركيا لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية مراحل أكثر جديةً مما كانت عليه في الماضي، وفي سبتمبر من المقرر أن يتوجه وفد من أنقرة إلى دمشق للقاء الرئيس السوري بشار الأسد.
من عام 2011 إلى عام 2016، لم يتوقف حزب العدالة والتنمية الترکي عن محاولة إبعاد بشار الأسد عن المشهد السياسي السوري. لكن عندما لم يتحقق هذا الهدف، حاول تهيئة الظروف للتدخل في سوريا من خلال تشكيل "الجيش السوري الحر".
لكن الآن ومع فشل هذه المشاريع وتراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في تركيا بسبب الضعف السياسي والاقتصادي، وبالنتيجة بسبب الخوف من الخسارة في انتخابات 2023، تحرکت سياسة رجب طيب أردوغان نحو إعادة العلاقات مع بشار الأسد.
في الأسبوع الماضي، أجری أردوغان مقابلةً مع المراسلين في الطائرة عندما عاد من زيارة إلى أوكرانيا، وفقًا لتقليده المعتاد. وفي هذه المقابلة، قال للصحفيين عن عملية التطبيع مع سوريا: "ينبغي اتخاذ مزيد من الخطوات فيما يتعلق بسوريا".
هذه الجملة الواحدة تكفي لنا لنعلم أنه بعد مصر والإمارات والکيان الصهيوني، فإن أردوغان مصمم على إعادة العلاقات مع الحكومة السورية.
مصالح تركيا وسوريا متداخلة بالكامل، إذ يرتبط مصير وسلامة أراضي البلدين ومستقبلهما ببعضهما البعض. کما أن وحدة أراضي سوريا تعني سلامة الأراضي التركية، وأمن تركيا يعني أمن سوريا، لأن كلا البلدين يواجهان تهديدات مماثلة.
کذلك، كلا البلدين يواجهان السياسة الأمريكية العدوانية في المنطقة. حيث تستخدم أمريكا حزب العمال الكردستاني وداعش لزعزعة استقرار هذين البلدين وتقسيمهما. لذا، في مثل هذه الظروف، فإن الحل الأكثر منطقيةً هو تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.
بالطبع، كان من المفترض أن يتم تحقيق ذلك في وقت مبكر جدًا، ولكن مع ذلك، فإن إمكانية بدء مثل هذه العملية، وإن كانت متأخرةً، مهمة جدًا.
فتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا سيؤدي إلى فشل الخطط الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أنه لا ينبغي أن تكتفي تركيا وسوريا بتطبيع العلاقات. بل يجب أن يكون هناك تعاون جاد بين الحكومتين في مجال مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود.
كما تبرز الحاجة إلى التعاون بين البلدين في المجالات الاقتصادية والطاقة أيضًا. هذه الأيام أمريكا تسرق النفط السوري، ويمكن لتركيا أن تتعاون مع سوريا لمنع ذلك، حيث يمكن استغلال هذه الثروة الوطنية لمصلحة الشعب السوري.
اليوم، الحكومة الشرعية في سوريا هي حكومة بشار الأسد. لذلك، يجب أن تكون جهة الاتصال التركية الوحيدة فيما يتعلق بسوريا هي حكومة دمشق، ويجب القضاء علی أي عنصر يخلّ بوحدة أراضي سوريا.
كلتا منطقتي شرق الفرات وإدلب هي في الواقع جبهة واحدة، ويجب اتباع سياسة تمنع الهياكل المستقلة في هاتين المنطقتين. کما يجب أن يكون لحكومة دمشق السيادة على كامل أراضي سوريا، لأن ذلك في مصلحة تركيا.
وينبغي تهيئة الظروف لعودة بعض فصائل المعارضة السورية من تركيا إلى سوريا. على سبيل المثال، يمكن لحكومة دمشق إعلان عفو عام في هذا الصدد. وتركيا يجب أن تدعم سلطة حكومة دمشق على البلاد بأكملها.
كانت هناك علاقة طويلة الأمد بين حزب الوطن في تركيا وحكومة دمشق بشار الأسد. وقبل اندلاع الأزمة السورية، كانت هناك اجتماعات بين أعضاء هذا الحزب وحكومة دمشق. كما كان هناك تعاون مشترك مهم لتطوير العلاقات التركية السورية.
وبعد ظهور الأزمة السورية، توجّهت وفود من حزب الوطن إلى دمشق عدة مرات، واتخذت خطوات مهمة لتحسين العلاقات بين تركيا وسوريا. وقريباً، سيتوجه وفد من الشخصيات المهمة الترکية إلى سوريا بدعوة من بشار الأسد.
ستكون القضية الرئيسية في هذا الاجتماع هي مسألة حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي(الذين تصفهم الولايات المتحدة بأنهم قوتها البرية في المنطقة)، وذلك من أجل ضمان أمن تركيا وسوريا والعراق. كما ستكون عودة اللاجئين السوريين، أحد الموضوعات الأخرى التي ستتم مناقشتها خلال الرحلة إلى دمشق.
لن يقتصر الأمر على التعاون السياسي والعسكري فحسب، بل سيناقش الاجتماع أيضًا التعاون الاقتصادي بين أنقرة ودمشق. لكن المحور الآخر المهم في هذه الرحلة هو إيجاد حل لانسحاب أمريكا من سوريا، ومنعها من تحقيق أهدافها الاقليمية في هذه المنطقة.
من ناحية أخری، يجب أن تتم عمليات القوات المسلحة التركية في سوريا ليس فقط بالتنسيق ولكن أيضًا بالتعاون مع الحكومة السورية.
ولا ننسی أن هناك اتفاقية أضنة بين البلدين. وحسب هذه الاتفاقية، فإن للجيش التركي إمكانية التدخل في المنطقة، لكن إذا تم تنفيذ هذه العملية بالتنسيق مع سوريا، فإنها ستفيد تركيا.