الوقت_ في ظل التصعيد الكبير الذي يشهده الشمال السوريّ مؤخراً، وتهديدات أنقرة بالقيام بعمليات عسكريّة ضد القوات الانفصاليّة التابعة لبعض الجماعات الكرديّة "قسد" والتي تتبع للسياسة الأمريكيّة في المنطقة مع تسارع حديث تركيا عن خطة لعودة طوعية للاجئين السوريين، أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها العارم تجاه الهجمات الأخيرة على طول الحدود الشمالية لسوريا، كما حثّ البيت الأبيض كل الأطراف، على الحفاظ على خطوط وقف إطلاق النار، بعد سقوط ضحايا مدنيين في مدن الباب والحسكة وغيرهما، إثر قصف متبادل بين ما يُسمى "الجيش الوطنيّ" الذي يضم الجماعات الإسلاميّة السوريّة المعارضة التابعة لتركيا، وقوات سوريا الديمقراطية.
"القوات الأمريكيّة ملتزمة بضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم داعش، وإيجاد حل سياسي للصراع السوري."، عبارة مثيرة للسخريّة على لسان الولايات المتحدة التي تسرق قمح ونفط الشعب السوريّ وتدعم مشاريع التقسيم والإرهاب والتجويع، رغم الأوضاع المعيشيّة والاقتصاديّة الصعبة التي يعيشها السوريون والتي لا يمكن وصفها إلا بـ "حرب لقمة العيش"، في وقت تفرض فيه واشنطن –صاحبة هراء حقوق الإنسان والديمقراطية- أشدّ العقوبات والحصار على السوريين والذي يذيقهم الويلات، فيما ينجو من ذلك المناطق التي يديرها عملاء واشنطن أي المناطق التي تقع خارج سيطرة الدولة السوريّة وبالأخص مناطق ما تُسمى "الإدارة الذاتية".
وإنّ دعوة واشنطن للتهدئة تأتي بالتزامن مع توتر الأوضاع في الشمال السوريّ بما ينعكس سلبيّاً على المصالح الأمريكيّة التي تسرح وتمرح في الشرق السوريّ، والدليل أنّها وبكل وقاحة وليس ببعيد عن ملايين السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر، يسرق الجيش الأمريكي قمح الجائعين إلى جانب نهبه المحاصيل المهمة والرئيسيّة، وينشر قواته في مناطق الآبار النفطيّة في منطقة الجزيرة لسرقته، وتمويل ميليشيا (قسد) التابعة له والتنظيمات الإرهابية الأخرى، وخاصة أنّ الولايات المتحدة وبسبب تاريخها الدمويّ والقذر في تدمير الدول وحصار الشعوب واغتيال السلام.
وباعتراف المسؤولين الأمريكيين بنفسهم فإن الولايات المتحدة التي أسست ونظمت وسلحت تنظيم “داعش” الإرهابيّ وقامت بزرعه في المنطقة، وسهلت ويسرت لجميع الإرهابيين والمجرمين والمنحرفين فكريّاً وأخلاقيّاً الانضمام لهذا التنظيم، وساعدتهم بقوة في التغلغل داخل الأراضي العراقيّة والسوريّة، بهدف إثارة الفوضى وتفتيت الجيوش النظاميّة واستنزافها، وبعد فشل التنظيم الإرهابيّ رغم عملياته الاجراميّة الكثيرة وتمدده لسنوات على الارض وسيطرته على العديد من المدن، قامت واشنطن بتنفيذ السيناريو الذي وضعته أجهزة مخابراتها، ونشرت قواعدها وقواتها المُحتلة بشكل غير شرعيّ تحت عنوان “محاربة داعش”، لتحقق مؤامراتها في تدمير الدول التي تعتبر معادية لها وللكيان الصهيونيّ المجرم فتنهب خيراتها وتحاصر شعبها وتحاول القضاء على دورها.
ومن الجدير بالذكر أنّ مدينة الباب شهدت مجزرة راح ضحيتها 14 شخصاً وعشرات الجرحى، جرّاء قصف على المدينة اتُهمت "قسد" به قبل أيام، لترد القوات التركية وفصائل ما يُطلق عليه "الجيش الوطني" بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ باستهداف 9 قرى في ريف حلب الشمالي، ضمن مناطق انتشار قوات سوريا الديمقراطيّة، وأسفر الاستهداف عن سقوط قذائف مدفعية على قرى "سموقة وتل مضيق ووردية وسد الشهباء وخربشة وتل زويان والشعالة ورادار الشعالة وأطراف مدينة تل رفعت" بريف حلب الشمالي، دون ورود معلومات عن حجم الأضرار، وذلك ردّا على مجزرة مدينة الباب، كما استهدفت الفصائل المعارضة التابعة لتركيا مواقع وصفتها بالمشتركة للجيش السوريّ و"قسد"، أبرزها منطقة "الشهباء" في الشمال السوريّ، على الرغم من نفيّ قوات سوريا الديمقراطيّة وقوف قواتها خلف الاستهداف، وجاء ذلك على لسان مدير مركزها الإعلامي "فرهاد شامي" حسب وكالة هاوار.
خلاصة القول، إنّ القلق الأمريكيّ لا يأتي إلا على مصالح واشنطن ولو كان على آلاف الجماجم، باعتبار أنّ قوات الاحتلال الأمريكيّ السارقة لا ترغب بالخروج بسهولة من شمال شرق سوريا ومواصلة العمل مع عملائها لتحقيق مشاريعها الهدامة في المنطقة على حساب السوريين، لإطالة أمد الأزمة في البلاد، وإنّ الأهداف الأمريكيّة واضحة للجميع، فعقلية الأمريكيّ لم تتغير أبداً، والرغبة الأمريكيّة بإسقاط الأنظمة المخالفة لها وتدمير البلدان وحصار الشعوب التي لا تخضع لإملاءاتها علنيّة، أم نسينا أنّ واشنطن عملت كل ما بوسعها لإسقاط "معادلة سوريا" من خلال دعم التنظيمات الإرهابيّة بشكل لا محدود بالتعاون مع دول معروفة، لكنها اصطدمت بأكثر من 11 عاماً من الانتصارات التي حققها الجيش السوريّ وحلفاؤه وبالأخص محور المقاومة، لهذا مهما حاولت واشنطن إظهار ودها إلا أنّ تاريخها المشين أصعب من أن يمحى.