الوقت- منذ أن أُوجدت ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية على الأراضي السورية عام 2015 ولم يكن هناك أي تواصل عسكري مباشر بينها وبين الجيش السوري حتى نشرت وكالة روسفسنا الروسية تقريراً تقول فيه إنه تم إجراء مناورات عسكرية بين الجيش السوري وقوات قسد بإشراف ضباط روس بمحيط محافظة حلب شمالي البلاد، هذا الأمر يأتي بعد نحو عامين من هدوء نسبي على خطوط التماس في سوريا، وبالتالي تطور كبير وملحوظ على الساحة السورية، وشملت المناورات تمريناً واسع النطاق على عبور الدبابات مياه النهر للوصول إلى الضفة المقابلة، ورافقها طيران مروحي روسي وقصف مدفعي تابع لقوات قسد إضافة إلى أنها تضمنت استهداف منظومة الدفاع الجوي الروسية بانتسير طائرة عسكرية مسيرة حلّقت في سماء المنطقة الخاصة بالتدريبات. وحسب الوكالة الروسية فإن المناورات تأتي في إطار العدوان التركي على شمال سوريا. مؤكدة أن على انقرة أن تأخذ بعين الاعتبار أن سوريا سترد عليها بقسوة في حال بدأت العملية العسكرية.
في البداية يجب النظر للمناورات من عدة محاور أبرزها أن سوريا تتعرض لعدوان تركي واضح يستوجب على مكونات الشعب ككل التوحد لصده ونسيان الخلافات ووضعها جانباً، وبالتالي هذه المناورات ستكون حتمية إذا تم النظر لها في هذا الصدد، وخصوصاً أن أنقرة اتخذت من قضية وجود قسد على الحدود السورية - التركية ذريعة لشن حملتها العسكرية القادمة أو حملاتها السابقة والتي أدت إلى احتلال الجيش التركي لمساحات واسعة من الأراضي السورية، وقيام أنقرة بتغيير ديمُغرافي وعرقي فيها مثل عفرين التي تم تهجير أهلها الكرد منها، إضافة إلى أن هذه المناطق التي تحتلها أنقرة الآن هي مناطق غنية بالزراعة والثروات الباطنية وبالتالي الضرر سيشمل السوريين ككل وليس طرفاً دون الآخر.
خطر العملية العسكرية التركية يهدد مستقبل سوريا وخصوصاً في ملف التعايش بين أبناء الشعب الواحد، حيث إن أنقرة كما سبق وقلنا هجّرت أهالي عفرين وقبلها والباب وأعزاز وجنديرس وغيرها من المدن وقامت بترحيل اللاجئين لديها إلى هذه المناطق، واللاجئون لديها هم من جميع المحافظات السورية وليسوا من منطقة وواحدة، كمثال ذلك استولت على أراضي الأهالي في تلك المناطق وأنشأت عليها مجمعات سكنية ورحّلت لاجئين من حمص وحماة ودمشق وريف دمشق ودير الزور والرقة وغيرها إلى تلك المناطق واسكنتهم فيها، وبعد خمس أو عشر سنوات، عاد أهالي تلك المناطق إلى أراضيهم فكيف سيتصرفون؟ هناك من يسكن في أراضيهم واستولى عليها، ما الحل معهم؟ صحيح أنهم سوريون ولكن ليسوا أبناء تلك المنطقة وبالتالي تركيا خلقت أزمة حقيقية لمستقبل سوريا، أزمة إن لم يتم وضع حد لها بتكاتف الشعب السوري وتوحده ستؤدي إلى حرب أهلية في المستقبل، وخصوصاً أن ما تفعله تركيا يشبه تماماً ما فعله نظام صدام حسين، عندما رحّل المعارضين له من العراق واسكن في منازلهم وأراضيهم أشخاصاً آخرين، وبعد سقوطه عاد الأهالي إلى منازلهم وأراضيهم ووجدوا أن فيها غيرهم، ووقعت أزمات عائلية وعشائرية إلى يومنا هذا تشتعل في العراق بسبب هذا الملف.
المناورات العسكرية بين الجيش السوري وقسد ربما يترتب عليها أمور أخرى في المستقبل وخصوصاً في ظل الحوار بين دمشق وقيادات قسد، وهذه الأمور قد تؤدي في النهاية إلى دمج قسد في الجيش السوري وبالتالي إنهاء ملف حساس جداً لدمشق المتمثل في قسد وسلاحها، إضافة إلى أن موسكو التي هي حليفة لدمشق وأيضاً قريبة من قسد قد تقوم بتقريب وجهات النظر بين الجانبين ما سيؤدي في النهاية إلى احلال السلام في سوريا.
هذه المناورات سبقها وتبعها إرسال الجيش السوري لتعزيزات عسكرية كبيرة لمناطق وجود قسد أو لخطوط التماس، وهذه القوات سوف تنتشر في المستقبل القريب في مناطق قسد نفسها، وبالتالي المناورات هي نقطة إيجابية نحو بداية الحلحلة بين دمشق وقسد، والخلافات بين الجانبين صحيح أنها معقدة لكنها بدأت في الانفراج ويقدم كل طرف بعض التنازلات للآخر بهدف حقن للدماء السوريين وقطع الطريق على تركيا التي تلوح بالعملية العسكرية دائماً وتستخدمها كسيف في وجه سوريا ووحدة أراضيها، وهذه المناورات التي تمت بإشراف روسي هي رسالة واضحة لتركيا تفيد بأن قوة الجيش السوري ستتوحد مع قوة قسد لصد الهجوم، وبالتالي لن تكون أنقرة في نزهة في هذه العملية إضافة إلى أن موسكو ستكون إلى جانب دمشق وقسد لصد الهجوم ما سيفقد أنقرة حليفاً دولياً مُهماً مثل روسيا، وهذا سينعكس سلباً على تركيا في الداخل والخارج.