الوقت- في ظل حالة ضيّقت فيها فصائل المقاومة الفلسطينية ميدانها ضد العدو الصهيوني من خلال زيادة تحركاتها في الضفة الغربية، هاجم الجيش الصهيوني في الأيام الأخيرة منطقة جنين بالضفة الغربية واعتقل واعتدى بالضرب على بسام السعدي، أحد كبار قادة الجهاد الإسلامي. ولقد جاء هذا الإجراء بعد أن نشرت الفصائل الفلسطينية صورًا لسجناء صهيونيين أسروا في الحروب الماضية ويبدو أن سلطات تل أبيب اعتقلت عضوًا في حركة الجهاد الإسلامي للانتقام. ولقد حذرت سرايا القدس الفرع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، في بيان، المحتلين من أي مساس بحياة بسام السعدي، وأعلنت التعبئة العامة لقواتها ومقاتليها في كل الأراضي الفلسطينية، وأعلنت بالقول، "أننا على استعداد للرد بالقوة إذا لم يتوقف العدوان".
وفور إلقاء القبض على عضو الجهاد الإسلامي، سافر الأمين العام لهذه الحركة "زياد النخالة" إلى طهران واجتمع مع كبار المسؤولين الإيرانيين وتحدث معهم. وأعلن مسؤولون إيرانيون كبار في هذه اللقاءات دعمهم القوي للفلسطينيين ضد الاحتلال وأعلنوا أن المقاومة هي السبيل الوحيد لتحرير القدس، وباعتبار أن رحلة "النخالة" إلى طهران تتزامن مع تصاعد التوترات في الأراضي المحتلة، فإنها تحتوي على رسائل للمحتلين الصهاينة لأخذ كل الاعتبارات في حساباتهم، وقد دفعت تحذيرات الجهاد الإسلامي الجيش الصهيوني إلى تعزيز حالة التأهب على الحدود مع غزة وإرسال الكثير من المعدات إلى هذه المنطقة، بل قيل إنه تم نشر منظومة القبة الحديدية في قطاع غزة، ويدرك الصهاينة جيداً أن فصائل المقاومة حققت الآن إنجازات كثيرة في المجال البري والجوي والصاروخي، ولن يقفوا مكتوفي الأيدي في أي صراع محتمل ويمكن أن يلحقوا خسائر فادحة بالعدو، وبالتالي هاجم العدو حدود غزة بكل قوته خلال اليومين الماضيين.
ولقد أكد الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي" في فلسطين، زياد النخالة أن ظروف المقاومة في قطاع غزة جيدة، وأن الفصائل العسكرية استطاعت الاحتفاظ بقدراتها. وقال النخالة خلال لقائه برئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني محمد باقر قاليباف، اليوم الأربعاء، إن "المقاومة الفلسطينية سجلت إنجازات جيدة داخل فلسطين، وأن إسرائيل باتت اليوم محاصرة من كل جانب، وارتفع صوت ضعفها؛ ووهنها أكثر من أي وقت مضى"، وأكد النخالة أنه "في الوقت الذي يذهب فيه البعض نحو التطبيع، فإن المقاومة تعزز قدراتها؛ وتزيد من دورها ووجودها في الميدان".
بدوره قال قاليباف "إن التجارب أثبتت ضرورة عدم التخلي عن روح الجهاد" مشددا على أن "الجهاد والنضال هما الطريق الوحيد للانتصار".
كما التقى النخالة برئيس "المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية" كمال خرازي، وقال خرازي "الكيان الصهيوني اليوم محاصر من قبل المقاومة"، مشيراً إلى أن "دعم المقاومة الإسلامية في فلسطين جزء من الاستراتيجية الكبرى للجمهورية الإسلامية الإيرانية"، وأكد "أن زيارة الرئيس الأمريكي الأخيرة للمنطقة لم تحقق سوى الفشل، وأن تحركات وجهود الكيان الصهيوني لاستغلال هذه الزيارة كان دعائيا ".
لقد تصاعد التوتر بين الجهاد الإسلامي وتل أبيب، فيما أعلن الفرع الأول لهذه الحركة عن وجودها في الضفة الغربية الشهر الماضي، وأثارت هذه القضية قلقا واسعا بين الصهاينة. ويشعر الصهاينة بالتهديد بأن الضفة الغربية ستصبح الجبهة الثانية للمقاومة لأنهم سيتعرضون للهجوم من جبهتين في حال حدوث صراعات، وبالتالي، باعتقال أحد أعضاء هذه الحركة، أرادوا التظاهر بأنهم لن يسمحوا بذلك، وأنهم بهذه الطريقة يمكن أن يخنقوا أي نشاط لمجموعات جديدة في مهدها. لكن الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد معركة "سيف القدس"، أصبحوا يعتقدون أن السبيل الوحيد لقتال المحتلين وتحرير القدس هو العمل المسلح، ونجاحات مقاومة غزة في أماكن متتالية خير مثال على هذه الحقيقة. لأنه إذا كان هناك المزيد من جبهات المقاومة، فلا يمكن للعدو أن يبدأ حربًا بسهولة. وحتى الآن، فإن ظروف المنطقة ومحور المقاومة لن تدع الصراع المستقبلي يقتصر على حدود فلسطين فقط، بل ستكون كل الجماعات، من حزب الله اللبناني إلى إيران وأنصار الله في اليمن، على جبهة واحدة. وفي معركة سيف القدس كان هناك تعاون استخباري ولوجستي، تشكل بين كل فصائل المقاومة في المنطقة وسيتعزز هذا التعاون أكثر يوما بعد يوم.
في معركة سيف القدس التي دارت العام الماضي، واستمرت 11 يومًا، تم إطلاق أكثر من أربعة آلاف صاروخ من جانب غزة على الأراضي المحتلة، واستهدفت تل أبيب لأول مرة، وفي الأشهر الأخيرة، كشف الفلسطينيون النقاب عن إنجازاتهم الجديدة، والتي في حالة النزاع، توجه ضربات قوية للعدو. وعلى الرغم من أن الصهاينة حاولوا في الأشهر الأخيرة من خلال زيادة هجماتهم على الضفة الغربية، إلا أنهم لم يستطيعون تحييد مخططات المقاومة في هذه المنطقة، لكن هذه الإجراءات جاءت بنتائج عكسية وجعلت الفلسطينيين أكثر أملًا في مواصلة النضال.
رسالة إيران الحاسمة للصهاينة
إيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي أعلنت دائمًا دعمها لفلسطين ضد إسرائيل ولا تتورع عن تقديم المساعدة العسكرية لجماعات المقاومة. في الوضع الحالي، عندما وصلت التوترات بين طهران وتل أبيب إلى نقطة الغليان، أصبح الدعم للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية أكثر من أي وقت مضى ضروريا، ولقاء السلطات الإيرانية مع قادة الجهاد الإسلامي يرسل هذه الرسالة للسلطات الإسرائيلية مفادها بأن إيران لديها خيارات كثيرة يمكن أن تجعل العدو يندم. بمعنى آخر، إذا ادعى الصهاينة أنهم قادرون على ضرب إيران باستراتيجية "ألف جنجر"، يمكن لإيران أن تنفذ مثل هذه الخطة.
نقطة أخرى هي أنه في الأيام الأخيرة، استؤنفت المفاوضات النووية بين إيران والغرب مرة أخرى، والصهاينة، كما في الماضي، يحاولون افشام هذه المفاوضات حتى لا تكتمل وتفشل، وذلك من أجل زيادة الضغوط على طهران، وقد تمكنت السلطات الصهيونية إلى حد ما من إقناع الأمريكيين والأوروبيين بالضغط على طهران، كما أن العقوبات الأخيرة التي فرضتها واشنطن هي أيضًا من صنع الإسرائيليين الذين يريدون إغلاق الطريق أمام اتفاق الغرب مع إيران بأي ثمن. لذلك فإن وجود قادة فلسطينيين في طهران هو نوع من إعلان موقف واضح بأن إيران ستستمر في دعم حلفائها الإقليميين بأي حال من الأحوال، والتوصل إلى اتفاق أو عدم التوصل إليه لن يؤثر على نهج الضغط على النظام الصهيوني.
حقيقة أن الصهاينة قد زادوا من إجراءاتهم الأمنية في الأيام الأخيرة لمواجهة أي عمل عسكري من غزة يعني أن سلطات هذا النظام قلقة من إيران بسبب الاعمال الارهابية الذي قام به الصهاينة داخل إيران. لذلك، فإنهم يستعدون لأي سيناريو، وقد أثارت التحذيرات الأخيرة التي وجهها السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، من حرب محتملة مع العدو الصهيوني وإلحاق خسائر فادحة به، قلقًا شديدًا لدى الصهاينة، معتبرين أن لديهم اعتراف بأن نصرالله سيفي بوعوده. وفي حين اعتقد النظام الصهيوني أنه يمكن أن يزيد من أمن خيوط العنكبوت من خلال تطبيع العلاقات مع الوسطاء العرب، إلا أن نمو فروع المقاومة في الضفة الغربية والجهود المبذولة لزيادة العلاقات مع إيران ومحور المقاومة في المنطقة تسببت لهذا النظام بالدخول أكثر في العزلة وسيغرق يومًا بعد يوم في مستنقع الدفاع داخل الأراضي المحتلة.