الوقت- في الموقف النظري والأكاديمي للعلاقات الدولية، يتم الحديث عن "الاستقرار المهيمن" باعتباره إحدى النظريات المهمة والمؤثرة في مجال المناقشات المتعلقة بأنظمة الأمن العالمية. والنظرية التي تنص على أن وجود قوة مهيمنة ومتفوقة يمكنها تقديم معايير معينة للعالم وإجبار جميع الوحدات على اتباعها هي طريقة فعالة وإيجابية لإدارة الفضاء الدولي الفوضوي.
وتستند هذه النظرية إلى أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى الوحيدة (المهيمنة) في العالم، وبعد تأسيس هذا الموقف، بدأت بتصميم معايير جديدة لحكم العالم على النمط الأمريكي. واعتبرت "حقوق الإنسان" و "مكافحة الإرهاب" و "قضية الديمقراطية" وكلمات رئيسية مماثلة الهياكل المعيارية للنظام العالمي الجديد، والتي تم تحقيقها في ظل النظام الأمني الأمريكي المهيمن؛ في الأساس، فإن قبول النظام الأمريكي الجديد من قبل الوحدات الوطنية والدولية يرجع إلى قبول هذه المعايير وتطويرها، وإذا كان هناك خلل في تنفيذ وصحة هذه القواعد، فإن الهيكل المهيمن للولايات المتحدة يعتبر غير قادر ولا يمكن الوثوق به.
وعلى هذا الأساس، فإن تنفيذ قانون "حرية استخدام الجريمة والتعذيب من قبل قوات الأمن" في إنجلترا - الذي تمت الموافقة عليه في بداية إدارة بوريس جونسون - يجب أن يؤخذ على محمل الجد. وحسب هذا القانون الذي يسمى "تجريم أنشطة مكافحة الإرهاب لضباط منظمة الأمن الداخلي للمملكة المتحدة" والذي تمت الموافقة عليه رسميًا قبل بضع سنوات، فإنه يسمح لضباط المخابرات البريطانية وأجهزة الأمن بالمشاركة في الأنشطة الإجرامية الخطيرة - بما في ذلك السلوك العنيف والتعذيب والاغتيال والاختطاف - دون خوف من أي انتقام أو عقاب.
ولقد صرحت الحكومة البريطانية أنه من المستحيل على عملاء MI5 جمع المعلومات ومنع الهجمات الإرهابية في إنجلترا دون التورط في مثل هذا النوع من الجرائم. وقد أيدت محكمة التحقيق الحكومية، التي تنظر في الشكاوى ضد أجهزة المخابرات، هذا الرأي، مستشهدة بالهجمات الإرهابية التي نفذها مسلحون في لندن قبل بضع سنوات.
والواقع أن هذا القانون يتحدى ويحد من القاعدة العالمية "لحقوق الإنسان"؛ وهذا يعني أنه يسمح لبعض النشطاء السياسيين بانتهاك سياسات حقوق الإنسان من أجل تأمين بعض المصالح، وهذه بداية فشل الأعراف الدولية. هذا الموضوع مهم للغاية لأنه ليس فقط في إيران، ولكن أيضًا بين المفكرين الدوليين، يعتبر التعامل مع قضية "تراجع أمريكا" من أكثر المواضيع إثارة للاهتمام وحداثة، وقد تم نشر العديد من الكتب حوله والعديد من الآراء وتم تقديمه مع اختلاف أنه في إيران، لا يميز بعض النشطاء السياسيين بين "تراجع النظام الأمريكي" و "تراجع الدولة الأمريكية".
يصبح الاهتمام بالمعايير الدولية ذا أهمية مضاعفة عندما نعلم أن "مؤسسي القواعد" يجب أن يدعموها؛ وهذا يعني أنه طالما أن المهيمن نفسه - باعتباره المنشئ والداعم الرئيسي للنظام الحالي - يُظهر التزامًا بمعايير نظام الأمن العالمي ويقدم نفسه كسلطته الرئيسية، فإن هذه المعايير ستظل مستقرة، وبعد ذلك، سيكون النظام العالمي مستقرًا أيضًا، وستتم متابعته، لكن إذا انتهكت الدولة المهيمنة والدول المتحالفة معها وألغت هذه المعايير، فعليك أن تفهم أن هناك خللاً.
"حقوق الإنسان" هي واحدة من المعايير الأساسية للعالم الحالي والنظام الأمني الذي يحكم العالم، ما تسبب في تصميم وتنفيذ العديد من السياسات المرغوبة للولايات المتحدة في العالم تحت هذا الغطاء. وعلى هذا الأساس، فإن عمل الحكومة البريطانية في استجوابها رسميًا والموافقة على قانون يشكك في صحة معيار حقوق الإنسان يعتبر بمثابة دق حجر الأساس للنظام العالمي الحالي.
يبدو أن مثلما كتب "جوزيف ناي" في "هل سينتهي القرن الأمريكي؟" و "فريد زكريا" في كتاب "نهاية القرن الأمريكي"، فقد انتهت كل الآمال في إحياء واستقرار النظام المهيمن للولايات المتحدة الأمريكية في العالم، والآن حتى مؤسسو هذا النظام لا يلتزمون بهياكله المعيارية وأسسه الهيكلية. "غوانتانامو" و "أبو غريب" والآن "قانون حرية التعذيب" هي ثلاثيات مهمة لفهم النهج الجديد للدول الغربية تجاه قضية حقوق الإنسان، وكلها لها صوت واحد: "لقد انتهى النظام العالمي الأمريكي".
ووفقا للاحصاءات المعنية، على مدى العقدين الماضيين، تسببت الولايات المتحدة بمصرع أكثر من 929 ألف شخص في حروب شنتها باسم "مكافحة الإرهاب". غير أن النتيجة كانت "المزيد من مكافحة الإرهاب والمزيد من الإرهاب نفسه". وبسبب الأنانية المفرطة، قوضت أيضا استقرار بعض البلدان والمناطق، تاركة العديد من الناس في الصراع للبقاء، ما مهد التربة الخصبة لتكاثر القوى المتطرفة والإرهاب.
كما كشف تقرير نشرته الجمعية الصينية لدراسات حقوق الإنسان، أن الولايات المتحدة لجأت بوقاحة إلى تسييس حقوق الإنسان للحفاظ على مصالحها السياسية وهيمنتها العالمية. وقال التقرير إن "تصرفات الولايات المتحدة قوضت بشكل خطير الأساس الذي تقوم عليه الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان، وهددت بشكل خطير التنمية الدولية لقضية حقوق الإنسان، وتسببت في عواقب مدمرة على نحو شنيع"، مشيرة إلى أن "الوسائل التي تستخدمها الولايات المتحدة تشمل تبني معايير انتقائية ومزدوجة، وفرض تدابير قسرية أحادية".
وتناول التقرير العملية التاريخية لتسييس الولايات المتحدة لحقوق الإنسان، فضلا عن السبب الجذري العميق لذلك ومظاهره، موضحا أن "المنحى التاريخي لموقف الولايات المتحدة من حقوق الإنسان يشير إلى أنها اعتبرت دائما حقوق الإنسان أداة للنضال السياسي، سواء عندما تجاهلت ورفضت الموضوع في مرحلة مبكرة، أو عندما استخدمت عصا حقوق الإنسان في وقت لاحق". وقال التقرير إن موقف واشنطن من هذه المسألة "مرهون بالمدى الذي يمكن أن تخدم فيه حقوق الإنسان استراتيجيتها السياسية"، لافتا إلى أن "العواقب المدمرة لتسييس الولايات المتحدة لحقوق الإنسان جعلت الناس يدركون بشكل أعمق أكثر من أي وقت مضى، أن عدم تسييس حقوق الإنسان هو الأساس والشرط المسبق للحوكمة العالمية، وأن منع وكبح تسييس حقوق الإنسان هو ضمانة مهمة لتعزيز التنمية السليمة للقضية الدولية لحقوق الإنسان"
وفي الختام يمكن القول، إن الولايات المتحدة تصف نفسها بأنها "منارة لحقوق الإنسان"، وغالبا ما تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتقمعها بشكل تعسفي تحت شعار "حماية حقوق الإنسان". ولكن في ظل هذه المنارة، فإن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة قد مارست تمييزا شديدا واضطهادا وحشيا للمسلمين. ويمكن القول إن "منارة حقوق الإنسان" التي تتصرف بشكل سيء في مجال حقوق الإنسان، أصبحت إضاءتها خافتة بشكل متزايد، فالولايات المتحدة ليس لديها النية أو القدرة على حل مشكلة التمييز الخطيرة ضد المسلمين داخل حدودها فحسب، بل تمارس التدخل باسم حقوق الإنسان، حيث تعمدت إثارة التناقضات وبثت الكراهية في الخارج، وتدخلت في الشؤون الداخلية للدول الأخرى دون قيود، وتجاهلت سلامة المسلمين. وقد كشفت مختلف الأعمال التي قامت بها الولايات المتحدة للتمييز ضد المسلمين واضطهادهم في الداخل والخارج عن نفاق حقوق الإنسان الأمريكية.