الوقت- بعد أقل من ستة أشهر على الاضطرابات في كازاخستان، اندلعت هذه المرة الاحتجاجات وأعمال الشغب في الشوارع في جزء آخر من آسيا الوسطى، أوزبكستان. وتقول مصادر حكومية أوزبكية ومدّعون حكوميون إن 18 شخصًا قتلوا خلال الاضطرابات التي وقعت الأسبوع الماضي في منطقة كاراجندا الاوزباكية شبه المستقلة. وحسب تلك المصادر، أصيب أكثر من 200 شخص أيضًا في أعمال الشغب هذه، وهو ما يقل عن الإحصاءات الأولية التي أعلنت عن نقل آلاف الأشخاص إلى المستشفى بسبب الإصابات.
ويقول مسؤولو الحرس الوطني الأوزبكي أيضًا إن معظم المتظاهرين الـ 500 الذين تم اعتقالهم يوم الجمعة الماضي قد تم إطلاق سراحهم. ووفقا للسلطات القضائية في أوزبكستان، تعرض مطار كاراكالباكستان المحلي لهجوم من قبل القوات المسلحة. وفي الوقت نفسه ومع مرور عدة أيام من الاحتجاجات، أعلن دافرون جومانازاروف يوم الثلاثاء الماضي عن إصابة بعض ضباط الحرس الوطني. وأشار إلى أنه منذ يوم الاثنين الماضي، تمت استعادة وتفعيل جميع محلات البقالة والأسواق والمخابز والبورصات والبنوك والمؤسسات والمستشفيات والمرافق الاجتماعية الأخرى بالكامل. وأضاف: "سيتم تزويد السكان بالمياه والطاقة والغاز حسب الإجراءات العادية".
لا الحكم الذاتي ولا الاستقلال
بدأت الاحتجاجات في مدينة كاراكالباكستان الاوزباكية بعد إعلان تعديلات على دستور البلاد. وتقع كاراكالباكستان في غرب أوزبكستان كمنطقة حكم ذاتي، والآن في التعديلات الدستورية لهذا البلد، تمت إزالة كلمة "السيادة" بالحكم الذاتي لهذه المنطقة، ولهذا احتج أهالي كاراكالباكستان على إزالة كلمة "سيادة" وقالوا إن الهدف من هذه إزالة هذه الكلمة هو تدمير وضع الحكم الذاتي لإقليم قلباكستان. وهذا على الرغم من حقيقة أنه في الدستور الحالي لأوزبكستان، حتى الحق في الاستقلال والانفصال عن كالباكستان معترف به في حالة الاستفتاء، على الرغم من أن الجماعات العرقية في كاراكالباكستان، الذين يحتجون الآن على التعديلات الدستورية، لا يشكلون سوى الثلث من سكان هذه المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي. وقد لا توافق المجموعات العرقية الأوزبكية والكازاخستانية الأخرى في هذه المنطقة على الاستقلال والانفصال التام عن أوزبكستان.
ومع ذلك، يعتقد أهالي كاراكالباكستان، في احتجاجاتهم، أن الإصلاحات الجديدة لم تسلب حقهم في الاستقلال فحسب، بل أضرت أيضًا بالحالة الحالية للحكم الذاتي في هذه المنطقة. وفي الوقت نفسه، ما يمكن فهمه من الإصلاحات التي اقترحها "شوكت ميرزيوييف"، رئيس أوزبكستان، هو أنه يسعى إلى زيادة مدة بقائة في منصبه في السلطة من خلال تنفيذ هذه الإصلاحات، على الرغم من أن ميرزيوييف، أعلن أنه لن يرشح نفسه مرة اخرى.
الجذور التاريخية لاستقلال كاراكالباكستان
كاراكالباكستان، التي تعني "القبعة السوداء"، هو اسم مجموعة عرقية من أصل تركي في غرب أوزبكستان، يرفعون الآن علم الاحتجاجات في آسيا الوسطى. وتشكل منطقة كاراكالباكستان 40٪ من أراضي أوزبكستان ويبلغ عدد سكانها حوالي 2 مليون نسمة. وفي السنوات الأولى لتشكيل الاتحاد السوفيتي، كان هناك أيضًا إقليم الحكم الذاتي كاراكالباكستان، والذي تم ضمه إلى أراضي أوزبكستان عام 1936. وفي بداية التسعينيات، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وافق المجلس الأعلى لقاراكالباكستان على إعلان الاستقلال، وفي عام 1993، تم توقيع اتفاقية بين الدول بشأن دخول كاراكالباكستان إلى أراضي أوزبكستان. وفي هذا الاتفاق تم ذكر حق انسحاب كاراباخ من أوزبكستان، كما ورد الموضوع نفسه في دستور أوزبكستان. واستمر الوضع نفسه من الحكم الذاتي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بالنسبة لكاراكالباك حتى اليوم.
وفي فترات مختلفة، كانت هناك نزعات انفصالية قوية في كاراكالباكستان، والواضح أن هذه النزعات الطاردة المركزية أصبحت أكثر حدة الآن، والاحتجاجات الأخيرة في كاراكالباكستان تظهر ارتفاع حدة هذه النزعات في هذه المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي في أوزبكستان. ولقد حذر بولات أهونوف، أحد قادة مجتمع كاراكالباك الذي يعيش في المنفى في السويد، من أنه بسبب التركيبة العرقية المتنوعة في هذه المنطقة، هناك احتمال لحدوث صراع بين مجتمع كاراكالباك، الذي يريد الحفاظ على الحق في الانفصال والحكم الذاتي والاوزبك مؤيدون للحكومة الاوزبكية.
ومن ناحية أخرى، أدى تزايد نشاط نشطاء استقلال كاراكالباكستان في السنوات الأخيرة إلى اتهامهم بمحاولة الحصول على دعم دول ومؤسسات أجنبية مثل تركيا أو الحصول على مساعدة من الجماعات القومية الكازاخستانية. ويمكن رؤية هذا الاتهام ضد المتظاهرين على لسان المسؤولين الرسميين في أوزبكستان؛ وخاصة عندما وصف رئيس هذا البلد، في لقاء مع ممثلين محليين، المتظاهرين بـ "القوى الخبيثة" واتهمهم بمحاولة زعزعة الاستقرار وإضعاف الوضع في هذه الدولة الواقعة في آسيا الوسطى بدعم من بعض الجهات الأجنبية.
لماذا تشعر آسيا الوسطى بالقلق؟
كانت ردود الفعل على التطورات في كاراكالباكستان متباينة ومختلفة ومن بين ردود الفعل هذه، يمكن ملاحظة ذلك من قلق أوروبا بشأن التطورات في أوزبكستان إلى عدم وجود دعم من الدول الآسيوية للحكومة المركزية. بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، بعد نشر التعديلات المقترحة على دستور أوزبكستان، دعا في بيان، إلى إجراء تحقيق حر ومستقل في أحداث العنف في "قارباكستان" وقال في هذا البيان: " نحن نأسف بشدة للخسائر في الأرواح ونتابع التطورات عن كثب. ونقدر تصرفات الرئيس ميرزاييف للاستجابة بسرعة لمخاوف الشعب بشأن التعديلات الدستورية المقترحة. وندعو جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس في أفعالهم لمنع المزيد من تصعيد العنف. كما يدعو الاتحاد الأوروبي السلطات إلى ضمان حقوق الإنسان، بما في ذلك الحقوق الأساسية لحرية التعبير وحرية التجمع، بما يتماشى مع التزامات أوزبكستان الدولية".
لكن على عكس الأوروبيين، كان رد فعل الدول الآسيوية مرتبطًا بإعلان الدعم الكامل للحكومة المركزية في طشقند. ومن بينهم ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس الروسي رغم إعلانه أن أحداث هذه الجمهورية شأن داخلي لأوزبكستان، لكنه في الوقت نفسه قال: "أوزبكستان حليفنا وصديقتنا وشريكنا المهم للغاية". وتشمل ردود الفعل الآسيوية الأخرى رد فعل اللجنة التنفيذية لمنظمة شنغهاي للتعاون (RATS). ومن خلال إدانتها للمظاهرات المناهضة للدستور ومحاولات زعزعة الوضع الاجتماعي والسياسي في أوزبكستان، تدعم هذه المنظمة الحفاظ على الاستقرار والأمن والتنمية المستدامة فيما يتعلق بالأحداث التي وقعت في 1 يوليو من هذا العام في كاراكالباكستان. وكتبت هذه اللجنة في بيان أنها تدعم إجراءات حكومة جمهورية أوزبكستان لضمان سيادة القانون والنظام، وحماية حقوق وحريات المواطنين، والوئام العرقي والتعايش السلمي لجميع الشعوب متعددة الجنسيات في أوزبكستان. .
كما أن رؤساء طاجيكستان وكازاخستان وقيرغيزستان، دافعوا بشكل كامل عن حكومة ميرزيوييف ردًا على التطورات في أوزبكستان. وكمثال على ذلك، أعلن المكتب الإعلامي لرئيس طاجيكستان أن إمام علي رحمن يدعم جهود القيادة الأوزبكية لتحقيق الاستقرار في "منطقة قلقباكستان". وحسب هذا التقرير، تحدث إمام علي رحمن وشوكت ميرزيايف عبر الهاتف عن قضايا الأمن الإقليمي وتفاعل البلدين في إطار المنظمات الإقليمية والدولية. كما أجرى شوكت ميرزيوييف محادثة هاتفية مع رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، أعرب فيها توكاييف، وفقًا للخدمة الصحفية لرئيس أوزبكستان، عن دعمه الكامل للتدابير الحاسمة للحد من الأنشطة غير القانونية. كما أعلن الرئيس القرغيزي، صادر جاباروف، دعمه لرئيس أوزبكستان. وشدد في محادثة هاتفية مع شوكت ميرزياييف على أنه "بفضل الإجراءات المناسبة والحاسمة والمنسقة، من الممكن ضمان تطبيع الوضع في كاراكالباكستان ومنع مزيد من التصعيد".
من الواضح أن دول آسيا الوسطى قلقة للغاية من التطورات والاحتجاجات في أوزبكستان، وتطالب كلا من روسيا ودول أخرى في هذه المنطقة، بدعم كامل للحكومة المركزية في طشقند، وذلك لعودة الاستقرار إلى المنطقة، حتى لا تنتشر هذه الاحتجاجات إلى مناطق أخرى من آسيا الوسطى. من ناحية أخرى، فإن إعلان قلق الغربيين والاتحاد الأوروبي بشأن التطورات في تلك المنطقة يظهر أن الغربيين انتهزوا الفرصة في نفس الوقت مع التطورات في أوكرانيا، وربما يعتبرون الاضطرابات في آسيا الوسطى بمثابة فرصة ثمينة لتقليل الضغط الروسي على أوكرانيا. وعلى الرغم من أن التطورات في أوزبكستان لم تتقدم وفقًا لرغبات الغربيين والأوروبيين، إلا أن مصادر إخبارية كشفت عن عودة السلام النسبي إلى منطقة الحكم الذاتي في كالباكستان.