الوقت- خلال بدء الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي جو بايدن أعلن عن رؤية فيما يخص العلاقات الخارجية للحكومة الامريكية القادمة انذاك، ومن خلال الرؤية التي قدمها بايدن كان من الواضح أن السياسة القادمة للحكومة الامريكية الجديدة ستختلف كلياً عن سياسة حكومة ترامب، وفي هذا الصدد وانطلاقاً من تصريحات بايدن الانتخابية الناقدة بشدة لسياسة الرياض في اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، تعهد بايدن بمعاملة السعودية "كدولة منبوذة ينبغي أن تدفع ثمن ذلك"، وطالب بعض أعضاء الكونغرس تعليق تزويد السعودية بالسلاح والذخيرة والتعاون الأمني في حربها على اليمن. بعد وصول بايدن إلى رئاسة الحكومة الامريكية اختلف الرئيس جو بايدن عن سلفه دونالد ترامب في ملفات خارجية عديدة، لكنه كان نسخة عنه في ملفات أخرى، كما تراجع عن وعود معينة ووفى بأخرى.
وفيما يخص السعودية فإن الوعود التي أطلقها الرئيس الامريكي خلال حملتة الانتخابية لم تنفذ، ويعتقد الخبراء والمراقبون للشأن السعودي الامريكي أن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية كان لها تأثير كبير في عدم التزام الرئيس الامريكي بالمضي قدما بالرؤية التي أطلقها تجاه السعودية، حيث إن الحرب الروسية الأكرونية كان لها تبعات كبيرة فيما يخص الاقتصاد ومصادر الطاقة، فبعد الحصار على روسيا وبسبب الازمة التي حدثت بفعل الازمة في مصادر الطاقة حاول بايدن إعادة النظر مرة جديدة إلى منطقة الشرق الأوسط من أجل تعويض النقص في مصادر الطاقة الذي أحدثته الحرب الروسية الاوكرانية.
ترامب وبايدن وجهان لعملة واحدة
منذ توّلي جو بايدن رئاسة الحكومة الامريكية وعد الرئيس الأمريكي بالكثير من المتغيرّات التي قال إنها ستميزه عن سلفه دونالد ترامب، ومن بينها العلاقات الأمريكية مع عدد من الدول العربية التي تحتل عنصراً رئيسياً في السياسة الخارجية الأمريكية، وإن كانت تأتي في مراتب أقل اتساعاً من العلاقة مع الاتحاد الأوروبي والدول الحليفة في الناتو وكذلك العلاقة الملتبسة مع روسيا والصين.أبرز ما وعد به جو بادين هو الاهتمام بحقوق الإنسان وإعطائها بعداً مهماً بدل التركيز فقط على الغنائم الاقتصادية والسياسية التي غالباً ما كان ترامب يضعها في مقدمة أهدافه. يتذكر المصريون ما قاله ذات مرة قبل انتخابه من أن الشيكات على بياض تُمضى لترامب ، وقصد به بشكل مباشر، الرئيس المصري عبد الفتاح السيس.كما هاجم بشكل قوي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وربط بينه وبين مقتل جمال خاشقجي خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، ووعد أنه في ظل إدارته ستتم إعادة تقييم العلاقة الأمريكية-السعودية، وسينتهي الدعم الأمريكي لحرب الرياض في اليمن، لافتاً إلى أنه سيتأكد من أن بلاده "لا تناقض قيمها لأجل بيع الأسلحة أو شراء النفط"، نفذ بايدن جزءاً مما وعد به في الحالة المصرية، وربطت الإدارة الأمريكية استكمال جزء من المعونة العسكرية الموجهة للقاهرة، " 130 مليون دولار، من أصل 300دولار"، بتحسبن القاهرة لسجلها في حقوق الإنسان وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، لكن القاهرة لم تستجب للضغط الأمريكي ومضت قدماً في المحاكمات السياسية.لكن في الحالة السعودية، تراجع بايدن جزئياً عن لهجته الصارمة، ورفض اتخاذ إجراءات ضد محمد بن سلمان رغم تقرير الاستخبارات الأمريكية الذي خلص إلى مسؤوليته عن اغتيال خاشقجي، وبرّر بايدن ذلك بأنه لم يحدث قط أن عاقبت واشنطن حكام دولة حليفة لها، مكتفياً بالعقوبات ضد مسؤولين سعوديين في مستويات أقل، كما استمر في تسليح الرياض.
لقاء قريب بين بايدن ومحمد بن سلمان
جاء الرئيس الامريكي بايدن إلى السلطة بوعود كثيرة منها إنهاء سياسة الرئيس السابق، لكنه مع مرور الوقت اتضح أنه يواصل السياسات السابقة نفسها في المنطقة. وبالنظر إلى أن الرئيس الأمريكي بايدن وعد بتحويل السعودية إلى "حكومة منبوذة " خلال الحملة الانتخابية، الا أن مجلة أمريكية تحدثت عن زيارة قريبة سيقوم بها الرئيس الامريكي إلى السعودية، فبعد نحو عام يبدو أن الرئيس يعتزم السفر إلى المملكة العربية السعودية في أول زيارة له إلى الشرق الأوسط خلال فترة رئاسته. الحديث حول زيارة الرئيس الامريكي إلى السعودية أثارت جدلاً واسعاً فبالنسبة لأولئك الذين رأوا بايدن بطلاً في مجال حقوق الإنسان، فإن هذه الزيارة أحدثت يائساً كبيراً لديهم حيث اعتبروا أن اللقاء بين بايدن ومحمد بن سلمان يعتبر مكافأة لمحمد بن سلمان، حيث إن التقاط صورة مع محمد بن سلمان سيكون بمثابة الاعتراف بأن الحكام المستبدين يمكنهم قتل خصومهم طالما أنهم ينتجون النفط.
من جهةٍ اخرى فإن الامر الذي أحدث يائساً لدى نشطاء حقوق الإنسان هو أن زيارة بايدن للسعودية تظهر تنازل بايدن عن المبادئ والقيم التي جعلها دعاية لحملته الانتخابية، وفي السياق نفسه ورداً على زيارة بايدن للسعودية قال النشطاء في حقوق الإنسان إن بايدن خلال الزيارة إلى السعودية لن يحصل على أي شيء مقابل تنازله عن القيم والمبادئ التي أعلنها سابقاً، فبالنظر إلى الحالة السيئة لأسواق النفط في خضم الحرب الأوكرانية ليس من الواضح ما إذا كان بإمكان السعوديين فعل الكثير ، حتى لو كانت لديهم الإرادة". .
تطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية أمامها الكثير من العوائق
كل المؤشرات توكد أن تطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية أمامها الكثير من العوائق، حيث إنه لا يبدو أن هناك انفتاحاً وشيكاً في تطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية. علاوة على ذلك ، لن يبدو واقعياً أن مثل هذه الزيارة يمكن أن تغير علاقات المملكة السعودية الوثيقة مع الصين وروسيا، وفي هذا السياق ذكرت وسائل إعلام أميركية أن احتمال تطبيع العلاقات بين السعودية والنظام الصهيوني بشكل رسمي يبدو ضعيفاً ، حيث إنه ليس من الواضح ما إذا كانت إقامة بايدن في الرياض ستفعل الكثير لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية". وإن كان -في الحقيقة- محمد بن سلمان حريصاً على علاقات أفضل مع الكيان الصهيوني ، ودعم اتفاقات التطبيع بين الكيان الصهيوني والإمارات والبحرين والمغرب والسودان خلال رئاسة ترامب ، لكن قضية فلسطين واغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة مؤخرًاً احرج الكيان الصهيوني الغاصب وبعض الأنظمة العربية المطبعة وفي الوقت نفسه لاتزال القضية الفلسطينية حية بين عامة الشعوب في العالم العربي ، وما تجب الاشارة اليه أن الموقف الظاهر للمملكة السعودية يدعم تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني وإقامة دولة فلسطينية.
ما العلاقة بين الأزمة التي يشهدها العالم بسبب ارتفاع أسعار النفط وزيارة بايدن للسعودية؟
مع بدء الحرب الروسية الاوكرانية تناقلت وسائل الإعلام المختلفة اخبارأ تفيد بسعي الإمارات والسعودية لإعادة العلاقات الامريكية إلى عدها السابق، حيث أشارت وسائل الاعلام إلى أن الإمارات سعت للحصول على دعم الحكومة الامريكية الجدية في مواصلة الحرب على اليمن، وفي هذا السياق وما لا شكَّ فيه أنه مع الأزمة التي يشهدها العالم حاليا بسبب ارتفاع أسعار النفط العالمية، رأت كل من الإمارات والسعودية أن ذلك فرصة من أجل إعادة السياسية الامريكية إلى عهدها السابق، فالإمارات والسعودية سعتا للحصول على الدعم الامريكي في مواصلة الحرب على اليمن، فهل يا ترى تمكنت الدولتان المذكورتان جلب اعتماد الرئيس الامريكي الجديد في زيادة الدعم لهما ؟ وهل الزيارة القريبة التي سيقوم بها الرئيس الامريكي إلى السعودية تأتي في هذا الإطار؟ من الواضح ومن خلال متابعة الاحداث السياسية والعالمية أنه من غير المتوقع أن تستطيع الدول الخليجية تعويض النقص في النفط والغاز بعد القرار الأميركي حظر واردات النفط الروسي على خلفية الحرب بين روسيا و أوكرانيا.
في النهاية لا يخفى على أحد أن الرياض خسرت برحيل ترامب "حليفًا قويًّا" حالَ دون اتخاذ المؤسسات الأمريكية أي إجراءاتٍ لمعاقبة التحالف السعودي أو الضغط عليه، وفي الوقت الذي تعهد فيه بايدن بالعمل للضغط على السعودية تبين أنها كانت مجرد تصريحات للحملة الانتخابية، فالزيارة المرتقبة لـ "بايدن" إلى السعودية تبين أن العلاقات الامريكية والسعودية مازالت ضمن السياسة المعروفة سابقا، فالأموال السعودية الإمارتية "النفط و الغاز" هي السلاح الذي تستخدمه الدول الخليجية كل مرة بهدف التقارب مع الإدارات الامريكية، من جهة اخرى وفي ظل الزيارة المرتقبة لـ بايدن إلى السعودية ماذا عن رؤية الاتجاه التقدمي في الحزب الديمقراطي والذي يدّعي تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الانسان و تخفيض الوجود العسكري في المنطقة، وإعادة ضبط العلاقات الأمريكية مع الدول الخليجية.؟