الوقت - أصدر الرئيس التونسي، متجاهلاً طلب أحزاب وجماعات المعارضة، مرسوماً دعا فيه أبناء هذا البلد إلى المشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد في 25 يونيو.
الأحزاب الرئيسية في تونس حذَّرت من أنها تعارض التغيير السياسي الأحادي الجانب، وتوسِّع الاحتجاجات. كما أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي له نفوذ قوي في البلاد، معارضته للخطة.
في هذا الصدد، ولمعرفة المزيد عن الاستفتاء والوضع الأمني في تونس، تحدث موقع "الوقت" مع الخبير في شؤون غرب آسيا والقرن الأفريقي السيد جعفر قنادباشي.
الوقت: تواجه تونس توترات سياسية منذ العام الماضي بسبب إجراءات قيس سعيد، وفي الأيام الأخيرة قررت الحكومة إجراء استفتاء لتغيير الدستور. فما هو هدف قيس سعيد من إجراء الاستفتاء في الوضع الراهن؟ وما هي التغييرات التي ستحدثها الجمهورية الجديدة التي يريدها قيس سعيد في تونس؟
السيد قناد باشي: طبعاً، الألقاب والتفسيرات التي يستخدمها قيس سعيد لتغيير الهيكل السياسي في تونس، أي تجاوز الهيكل السابق الذي فشل في حل مشاكل البلاد والحصول على أموال يمكن أن تحل المشاكل الحالية، ليست صحيحةً. الحقيقة هي أن الهدف من هذا الإجراء هو طرد جميع الجماعات والأحزاب السياسية التونسية التي لعبت دورًا في هذا البلد حتى الآن، وكذلك محاولة نزع الإسلام عن البلاد، وخاصةً اجتثاث الإخوان، و هذا هو سبب معارضة الأحزاب. وخلف كواليس هذه الإجراءات يقف نظاما الإمارات والسعودية، اللذان قبلا أن يدفعا ثمن هذه التغييرات، إلى جانب محاولة إقناع المسؤولين التونسيين بإحداث تغيير سياسي في البلاد عن طريق ضخّ الدولارات. البلدان الغربية قلقة من الإسلاموية في تونس وانتشارها إلى دول أخرى، کما تشعر الرجعية العربية بالتهديد من هذا الموضوع. لأنه بعد الصحوة الإسلامية أصبحت تونس نموذجاً للديمقراطية في المنطقة، ويمكن أن تكون نموذجاً لدول مثل ليبيا ومصر والجزائر، ولهذا السبب فإن الرجعية العربية لا تريد ديمقراطيةً إسلاميةً في تونس. في الدستور السابق أيضاً، كان هناك نوع من نزع الإسلام عن تونس، وحزب النهضة، ذو التوجهات الإسلامية، فصل الإسلام عن التدخل في الشؤون السياسية، والآن من المقرر القيام بهذا الإجراء بسرعة أكبر. وتحاول الدول العربية والغربية إزالة ظل الإسلام من الهياكل السياسية في تونس، وخلق قوة أقوى بين التونسيين الموالين للغرب من أجل السيطرة الكاملة على هذا البلد.
الوقت: ما هي احتمالية نجاح هذه العملية وهل سيصوت التونسيون لمصلحة الاستفتاء؟
السيد قناد باشي: ينقسم الشعب التونسي الآن إلى عدة مجموعات. المجموعة الأولى هم الأشخاص الذين لديهم ميول حزبية ومن الطبيعي أن يعارضوا هذه الخطة الجديدة، وقادة الأحزاب يبحثون أيضًا عن فشل الاستفتاء من أجل تقليل نسبة المشاركة في الاستفتاء. المجموعة الثانية هم الأشخاص المتأثرون بالدعاية المحلية والأجنبية الواسعة النطاق، التي تحاول إظهار تغييرات قيس سعيد بشكل إيجابي، وقد يصوتون لمصلحة الاستفتاء تحت تأثير هذه الدعاية. والمجموعة الثالثة، بالنظر إلى سجل قيس سعيد على مدار العام الماضي الذي فشل في حل المشاكل الاقتصادية، تشكك في قدرته على التغلب على المشاكل وما إذا كان الدستور الجديد يمكن أن يساعد حقًا في حل المشاكل، وهؤلاء الناس لن يصوتوا. ومع ذلك، هناك احتمال حدوث تزوير وتلاعب في أصوات الاستفتاء، لإظهار أنه تم إجراء تصويت لتغيير الدستور في الحد الأدنی. وتحاول القوى الغربية والعربية وراء الكواليس فرض هذا القانون من خلال تزوير الأصوات، إذا كانت نسبة الإقبال منخفضةً، لأن الطريقة الوحيدة التي يمكن للرجعية العربية من خلالها السيطرة على تونس هي اجتياز عقبة الانتخابات. لقد فكرت الإمارات والسعودية في السابق في إدارة تونس دون استفتاء، لكن على مدار العام الماضي أصبحتا تعتقدان أنهما لن تكونا قادرتين على تنفيذ خططهما دون استفتاء. والآن كل فرص الإمارات والسعودية هي الحصول على موافقة عامة للسيطرة على تونس، وتحريك البلاد في الاتجاه الذي كانت عليه قبل الصحوة الإسلامية. وفي هذا الصدد، قدمت السعودية 5 مليارات دولار لحكومة قيس سعيد وقامت باستثمارات قصيرة الأجل في تونس، واستمرار كل هذه الاستثمارات مرهون بنتائج الاستفتاء، لكنهم لن ينتظروا رأي الشعب وسيحاولون التغلب على هذا الوضع من خلال تزوير النتائج.
الوقت: إذا تم إجراء الاستفتاء حسب توقعات قيس سعيد، فما هو الإجراء التالي للحكومة مع المعارضة، وخاصةً حزب النهضة؟ هل سيكون باتجاه مزيد من التوترات أم تخفيف التوترات؟
السيد قناد باشي: الآن، منعت الحكومة زعيم حزب النهضة من مغادرة البلاد، وبهذه الإجراءات تظهر رؤيةً عن المستقبل، وإذا نجحوا في الاستفتاء فسوف يعتقلون ويقبضون على المعارضة بمزيد من الجرأة. والواقع أنهم سينفذون انقلاباً تحت غطاء الرأي العام، ويقومون بما سيحدث بعد الانقلابات، وحظر نشاط الأحزاب هو أحد الإجراءات التي سيتم تنفيذها. كما سيجرون انتخابات شکلية للبرلمان والرئاسة، وإذا تمكنوا من الحصول على تصويت إيجابي في الاستفتاء، فسوف ينفذون جميع خططهم استناداً إلی الرأي العام، ومن ناحية أخرى، سيحاولون ظاهريًا منح الحرية النسبية للأحزاب الجديدة التي سيتم إنشاؤها وتعطيل الهيكل السابق. النقابة العمالية في تونس والاتحاد العام التونسي للشغل هما النقابتان المهمتان الآن في عملية الاستفتاء، وعقبة كبيرة أمام تصرفات قيس سعيد. فإذا لم تشارك هاتان النقابتان في الانتخابات فسيكون ذلك تحديًا كبيرًا للحكومة، وحتى الآن لا يوجد ما يشير إلى مشارکتهما في الاستفتاء، وهکذا هناك احتمال أن تفشل خطة الحكومة.
الوقت: ما هو الهدف من فرض الإقامة الجبرية علی زعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي في الوضع الراهن؟
السيد قناد باشي: توجَّه راشد الغنوشي إلى الخارج خلال رئاسة زين العابدين بن علي، وتمكن من قيادة حزب النهضة من الخارج. ويأتي فرض الإقامة الجبرية عليه في الوضع الراهن، حتی لا يتمكن الغنوشي من الخروج وقيادة حزبه ضد الحكومة إذا فازت في الاستفتاء. لذلك، فإن هذا الإجراء يهدف إلى تقييد نشاطه السياسي والحزبي، وعدم التماس المساعدة من الدول الأخرى. أيضًا، إذا كان الغنوشي في الخارج، نظرًا للمعلومات التي لديه، ستزداد قوته علی فضح الحكومة ومعارضتها بشكل كبير، ويمكنه بسهولة أن يقدم لوسائل الإعلام ما يدور في المشهد السياسي التونسي، وإظهار الوجه الحقيقي لقيس سعيد وأنصاره.
الوقت: قيس سعيد بإمكانه حقًا إضعاف حزب النهضة بالنظر إلى قاعدته الشعبية، فماذا سيكون رد فعل النهضة على هذه الإجراءات إذا نجح؟
السيد قناد باشي: فقد حزب النهضة سلطته تدريجياً في السنوات الأخيرة، وتم اتخاذ خطوات لحل الحزب منذ حل البرلمان. ولأن هذا الحزب له هيئة إسلامية، فقد حاولت الحكومة إضعاف هذه القاعدة الشعبية في مختلف المدن، وقيدت أنشطة شخصياته من خلال الضغط. ومع ذلك، فإن المجتمع الإسلامي التونسي سيواصل أنشطته إذا كان الجو مناسبًا، وبما أن الآلاف من أنصار هذا الحزب قد سُجنوا والجهود المبذولة لسجن قادته على جدول الأعمال، فقد يستمر الحزب في العمل بشکل سري. هذا هو الوضع الآن، وقد تم إبعاد مؤيدي حزب النهضة وقادته عن الساحة السياسية بعد حل مجلس النواب، ونظراً إلى أن الغنوشي فصل الدين عن السياسة في الساحة السياسية، فإنه لم يستطع حشد التوافق اللازم للدفاع عن مواقفه وضمان تنفيذ مطالبه.
الوقت: في الختام ما هو تقييمك للتطورات في تونس؟
السيد قناد باشي: يستخدم الاستعمار الآن الأدوات التي تعمل بالإنابة. ما يحدث في تونس الآن هو السياسة الغربية التي تنتهجها الإمارات والسعودية، والغرب يحاول ألا يترك بصماته. في تونس، استعانوا بمحامٍ لتنفيذ خططهم. ولأن الاستعمار الغربي لا يرغب في إحياء الإسلام في إفريقيا، فإنه يستخدم المتعلمين والمثقفين وبعض الدول مثل السعودية والإمارات لتحقيق أهدافه.