الوقت - بوجود نحو 145 مليار برميل من الاحتياطيات النفطية المعروفة، يعدّ العراق من أهم دول العالم من حيث صادرات النفط. وهذا ما جعل هذا البلد نقطةً محوريةً لشركات النفط العالمية في كل السنوات التي تلت عام 2003.
تخضع صناعة النفط العراقية إلى حد كبير لعقود الخدمات الفنية التي ترعاها الحكومة بين شركة نفط البصرة والشركات الأجنبية، بناءً على دفع تكاليف الإنتاج والحفاظ على الملكية الكاملة لبغداد.
في السنوات الأولى بعد عام 2003، ونتيجةً لاحتلال الولايات المتحدة وحلفائها لهذا البلد، كانت حقول النفط العراقية محاطةً بالكامل بالاستثمارات ووجود الشركات الغربية(الأمريكية الأوروبية)، ولكن في السنوات الأخيرة، كانت الشركات غير الغربية، ولا سيما الشركات الروسية والصينية دخلت حقل النفط العراقي.
في غضون ذلك، وعلى الرغم من استعداد الشركات غير الغربية للاستثمار في قطاع الطاقة العراقي، تشير القرارات السياسية إلى استمرار النهج الموالي للغرب في هيكلية صنع القرار في حكومة بغداد فيما يتعلق بعقود النفط.
وكان هذا واضحًا في عام 2021، عندما أحبطت وزارة النفط العراقية خطط شركة لوك أويل ((Lukoil الروسية وشركة إكسون موبيل(Exxon Mobil) الأمريكية، لبيع أسهم في الحقول الرئيسية لشركات تدعمها الحكومة الصينية.
والواقع أن وزارة النفط العراقية رفضت ثلاثة عقود على أساس بيع أسهم شركات نفطية كبرى لشركات صينية، لمنع ما تسمى سيطرة أكبر للشركات الصينية على الاقتصاد العراقي. وقد تسبب ذلك في استياء الصينيين وانسحاب بعض شركات النفط الصينية الكبرى من العراق.
وهکذا، فإن الحجة الرئيسية لهذا المقال هي أن القرارات التي اتخذتها وزارة النفط في حكومة مصطفى الكاظمي، ذات التوجه الخاص نحو التقارب من الغرب، هي نتيجة تدخلات وضغوط أميركية مباشرة وغير مباشرة للحفاظ على موطئ قدم لها في العراق، ومواجهة خطط الصين الاقتصادية.
ملء فراغ الشركات الغربية من قبل الصينيين
في السنوات القليلة الماضية، ولا سيما بعد ظهور داعش في العراق، وضعت العديد من الشركات الغربية في مناطق وسط وجنوب العراق مسألة ترك حقول النفط العراقية على جدول الأعمال.
في الواقع، منذ توقيع الاتفاقية بين العراق والصين في حكومة عادل عبد المهدي عام 2019، تعرضت شركات النفط الغربية لهجمات صاروخية متكررة ومحاصرة وإغلاق مقارها في الناصرية، من قبل السكان المحليين والخريجين الجدد الباحثين عن فرص العمل.
وأدت هذه المعارضة إلى توقف الإنتاج في بعض الحقول النفطية. وبعد هذه الأحداث، بدأت الشركات الصينية في السنوات الأخيرة الاستثمار في صناعة النفط العراقية لملء الفراغ الغربي.
خلال هذه الفترة، أوقفت شركات النفط مثل إكسون موبيل، بي بي، شل، لوك أويل وغيرها عمليات الاستخراج في العراق، وأتيحت الفرصة للشركات الصينية لشراء أسهم في هذه الشركات.
في الواقع، تعمل الشركات الصينية في جزء كبير من حقل النفط العراقي، بمعايير مريحة أكثر من الشركات الغربية وعداء أقل من المواطنين العراقيين.
بشكل عام، زاد وجود الشركات الصينية في قطاع الطاقة العراقي بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، حيث تسعى بكين إلى الاستثمار في 78 حقلاً من حقول النفط في هذا البلد.
مصفاة الفاو، على سبيل المثال، تم تسليمها إلى ائتلاف من الشركات الصينية بتكلفة 7 مليارات دولار. كما تعمل الشركات الصينية كمقاولين رئيسيين أو ثانويين في 15 حقلاً نفطياً في جنوب العراق.
ويأتي ذلك في وقت يصدر فيه العراق أكثر من 30 بالمئة من نفطه إلى الصين، وهو ثالث أكبر مصدر للصين بعد السعودية وروسيا.
جهود الولايات المتحدة للحد من استثمار بكين المتنامي في صناعة الطاقة العراقية
عقب إعلان شركة إكسون موبيل، أكبر شركة نفطية أمريكية، الانسحاب من العراق في كانون الثاني(يناير) 2021، أعربت الحكومة الأمريكية عن معارضتها لتحرك الشركة تحت ذريعة ما أسمته "قلق العراقيين".
في الوقت نفسه، أقر المسؤولون السياسيون الأمريكيون أن الفراغ الناجم عن خروج شركة النفط العملاقة هذه من العراق، يمکن أن يتم ملؤه من قبل الصين.
في الفترة نفسها، باعت إكسون موبيل ما قيمته 350 مليون دولار إلى 375 مليون دولار من الأسهم في حقل "غرب القرنة 1"، لكن الحكومة المركزية عارضت الصفقة بسبب الفيتو العراقي. وفي هذا الصدد، يبدو أن ضغوط واشنطن على حكومة مصطفى الكاظمي قد لعبت دورًا رئيسيًا في فيتو بغداد.
في الواقع، منع مسؤولو البيت الأبيض بشكل غير مباشر خروج أكبر شركة نفط لهم في العراق. حتى إن هناك أدلةً على أن وزارة النفط العراقية، في خطوة غير عادية، حاولت تقديم طلب لشركة إكسون موبيل لبيع حصتها في حقل "غرب القرنة 1" إلى شركة أمريكية أخرى هي شركة شيفرون(Chevron Corporation).
إن أبرز ما في المعادلة برمتها هو أن الحكومة العراقية، بضغط من البيت الأبيض، اضطرت إلى رفض تحويل حصصها في حقول النفط إلى الصين.
تدرك حكومة الولايات المتحدة جيدًا أن الصين بحاجة إلى السيطرة على شرايين الطاقة العالمية، وخاصةً في الخليج الفارسي، في مسار طموحاتها الاقتصادية وكذلك تنفيذ خطة الحزام والطريق، ولذلك فهي تحاول بكل السبل الممكنة منع دخول شركات النفط الصينية إلى دول العالم النفطية.
بغداد تضيِّع الفرص بخسارة استثمارات الشركات الصينية
تفضل شركات النفط عادةً المعاملات التي تسمح بمشاركة الأرباح بدلاً من الرسوم الثابتة.
على عكس ممارسات الغربيين، الذين ينظرون إلى موارد الطاقة في العراق على أساس تقاسم الأرباح فقط، فإن الشركات الصينية، التي تدرك الاستثمار العالمي المباشر، تبحث عن موارد نفطية موثوقة لتغذية اقتصاد البلاد المتنامي.
ويضمن هذا الاتجاه، من ناحية، إمكانية التعاون طويل الأمد، ومن ناحية أخرى، يوفر استثمارات أوسع بكثير من الشركات الغربية، وخاصةً شركات النفط الأمريكية العملاقة.
وجهة النظر هذه ترفض بوضوح حجة السياسيين العراقيين الموالين للغرب، الذين يشيرون باستمرار إلى "أننا لا نريد أن يُعرف قطاع الطاقة العراقي كقطاع طاقة تقوده الصين".
خلافاً لهذا الادعاء، فإن نوع العقد وأداء الشركات الصينية يوفران مزيداً من الأرباح للحكومة العراقية. في الأساس، تقدم الشركات الصينية هوامش ربح أقل بكثير من المنافسين في الاستثمار في صناعة النفط العراقية، وهذا هو السبب الرئيسي لفوزهم بمعظم عطاءات التنقيب عن حقول النفط وتطويرها.
على صعيد آخر، تجدر الإشارة إلى أن الصين كانت أكبر مستثمر أجنبي في العراق. ففي عام 2021 وحده، استثمرت هذه الدولة 10.5 مليارات دولار في مشاريع البنية التحتية العراقية، بما في ذلك محطات الطاقة والمطارات، لتنفيذ مشروع مبادرة الحزام والطريق. لكن في خطوة غريبة، عندما جاء الدور لاستثمار بكين في قطاع النفط العراقي، أبدی المسؤولون في بغداد معارضتهم.
لا شك في أنه في مرحلة ما بعد داعش، عندما كان العراق بحاجة ماسة إلى التمويل لإعادة بناء البلاد، قدَّم الصينيون أكبر مساعدة مالية لبغداد.
من المؤكد أن الاستثمار في البنية التحتية سيحقق المزيد من الأرباح والفوائد للعراق، وإذا استمرت بغداد في التعاون مع هذه القوة العظمى الشرقية هذا العام (2022)، فهناك احتمال لزيادة الاستثمار. لكن خلافاً لمعادلة عقلانية، نرى أن قرارات الحكومة العراقية ما زالت تركز على الميل للتعاون مع الشركات الغربية(الأوروبية - الأمريكية).
وقد اتُخذ هذا الموقف في وقت لم تحقق سنوات من التعاون والاستثمار من قبل الدول الغربية في العراق الكثير من النتائج لهذا البلد.
إن النهج الغربي القائم على تحقيق أقصى فائدة في جميع السنوات التي تلت عام 2003، قد حرم العراق من فرصة الاستثمار في البنية التحتية، وخلق مجموعةً متنوعةً من المشاكل الهيكلية للاقتصاد العراقي.
لكن على عكس الدول الغربية، ومن خلال الإشارة إلى التعاون الاقتصادي بين بكين وبغداد في عام 2021 فحسب، يمكن القول إن التعاون مع الصين في مجال التجارة سيجلب المزيد من الفوائد للحكومة العراقية.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن السياسيين الموالين للغرب يجب ألا يعيقوا زيادة التعاون الاقتصادي العراقي مع الصين؛ لأن إصرارهم على الاقتراب من الغرب يتعارض مع المصالح الوطنية للعراق، ولن يؤدي إلا إلى خروج رأس المال واستمرار الوضع الحرج في هذا البلد في مختلف مجالات التنمية والاقتصاد.
إن حجة مسؤولي النفط والمديرين التنفيذيين الموالين للغرب بأن "هناك مخاوف بشأن الخروج السريع للشركات الغربية نتيجة منح المزيد من الحقول للشركات الصينية"، هي ذريعة فقط للتستر وتبرير القرارات التي اتخذوها ضد مصالحهم الوطنية.
النظرة الواقعية للعلاقات الدولية تبرر بوضوح أنه إذا كان التعاون مع الصين يحقق المزيد من المصالح الوطنية للعراق، فيجب اتخاذ مثل هذه الخطوة.