الوقت- زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السعودية علی رأس وفد رفيع المستوى لمدة يومين، التقى خلالها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
تمت الزيارة في حين لم يقم أردوغان بزيارة السعودية منذ عام 2017، ومن ناحية أخرى، تسبب اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في توتر العلاقات بين البلدين.
وساهمت زيارة أردوغان في ذوبان الجليد في العلاقات بين الجانبين، وبعد هذه الزيارة أُعلن عن استئناف الخطوط السعودية رحلاتها إلى اسطنبول التي توقفت منذ مارس 2020.
وعلی هذا الأساس، ستتم رحلتان من جدة والرياض إلى اسطنبول من يوم السبت 6 مايو، ورحلة من المدينة المنورة إلى اسطنبول في 11 مايو. ستكون الرحلات إلى جدة والمدينة المنورة يوميةً، وستكون الرحلات إلى الرياض ثلاثة أيام في الأسبوع.
تسعى السعودية لشراء طائرات بيرقدار التركية دون طيار
إضافة إلى ذلك، ذكرت صحيفة "خبر ترك" في تقريرها (الاثنين 2 مايو) عزم السعودية شراء 60 طائرة مسيرة متطورة من أنقرة، في إطار التعاون بين البلدين في مجال الصناعة الدفاعية وتطوير آفاق التعاون الثنائي في هذا القطاع.
وفي هذا الصدد، تريد السعودية شراء 20 طائرة دون طيار متقدمة على المدى القصير، و 40 طائرة على المدى الطويل من تركيا، وتطوير التعاون في صناعة الدفاع بين البلدين.
إغلاق ملف خاشقجي والتقارب مع الرياض
أنهى أردوغان مؤخرًا التوترات بين الرياض وأنقرة بإعلان إغلاق ملف مقتل خاشقجي، والتستر على وثائق تشير إلى ضرورة متابعة القضية واحتمال معاقبة ولي العهد السعودي.
ولهذا السبب، تظهر التكهنات أن تعليق الإجراءات القضائية بعد اغتيال خاشقجي، كان السبب الرئيسي لزيارة أردوغان للرياض. يُذکر أن هذا الصحفي قتل بوحشية داخل مبنى القنصلية العامة السعودية في اسطنبول.
وكان أردوغان قد صرح بشکل صارم أنه يجب تقديم جميع مرتكبي جريمة مقتل خاشقجي في اسطنبول إلى العدالة. لكن بقراره غير المتوقع هذا، أمر بتبرئة ولي العهد السعودي، ما أظهر أن سياسة أردوغان تسير في اتجاه مصالحه.
هذه المرة، أثبت ولي عهد السعودية للجميع أن لكل سياسي ثمن، وعندما يحتاج أردوغان إلى المال السعودي، فإن التحولات السياسية لأردوغان ليست غير متوقعة. وخاصةً أنه سبق أن غيَّر رئيس جمهورية تركيا موقفه السياسي في مواجهة الشدائد.
إن إلقاء نظرة على التحديات الداخلية لتركيا ونهجها تجاه التطورات الإقليمية وعبر الإقليمية، يمكن أن يوفر صورةً أوضح لنوايا تركيا في إعادة تطبيع العلاقات مع السعودية.
لقد أدت التحديات الاقتصادية الهشة التي تواجهها تركيا، مصحوبةً بتخفيض كبير لقيمة الليرة، إلى زيادة التوترات الاجتماعية وتعزيز موقف معارضي أردوغان.
يحاول الرئيس التركي، الذي يمر بأزمة اقتصادية جديدة، تعويض التخلف الاقتصادي الذي سببته الأزمة الأخيرة، وتقوية موقفه من خلال جذب الاستثمار الأجنبي مع إدارة الأزمة القائمة.
يواجه الاقتصاد التركي، الذي تأثر بشكل خاص بفيروس كورونا في قطاع السياحة، مشاكل جديدة بسبب حرب أوكرانيا والانخفاض الحاد في عدد السياح الروس، ويضطر للتوجه نحو إمكانات اقتصادية جديدة.
ويتمثل أحد أهداف تركيا في تطبيع العلاقات مع السعودية، في رفع حظرٍ دام أربع سنوات على صادرات سلعها إلى السعودية، لإخراج إنتاجها من الركود. وفي مجال السياحة أيضًا، تنتظر الخطوط الجوية السعودية، التي تضررت خلال تفشي كورونا، استئناف رحلاتها إلى المدن السياحية التركية.
ما يهم أنقرة وأردوغان هذه الأيام ليس محاكمة قتلة خاشقجي(بالنسبة للسعودية) ولا قضية الجرائم ضد الفلسطينيين(بالنسبة للکيان الإسرائيلي)، بل تحلم أنقرة باكتساب موارد الاقتصاد الكلي وجذب المستثمرين السعوديين وتصدير البضائع إلى السعودية، حتى لو كان ذلك على حساب التستر على جرائم السعوديين أو الصهاينة.
ومع الاستمرار في السياسة الخارجية الرقاصية(نسبةً إلی رقاص الساعة)، ومن خلال محاولته تحسين العلاقات مع السعودية، إلى جانب دول مثل الإمارات وقطر وإلى حد ما الکيان الصهيوني، يحاول أردوغان تقليص مشاكله الاقتصادية وإضعاف موقف المعارضة الداخلية؛ وسياسته، مثل البندول الدوار، يتم ضبطها للأوقات والفرص.
إن زيارة أردوغان للسعودية هي في الواقع استراتيجية لإنعاش الاقتصاد التركي، استعدادًا لانتخابات العام المقبل.
وإذا ألقينا نظرةً على الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية، فإن الرابح كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والخاسر هو الإخوان المسلمون، وبدرجة أقل قطر الحليف البارز للرئيس التركي. فقطر لم تكن قادرةً على تلبية جميع مطالب أردوغان المالية، وخاصة أنها أنقذت في السابق الليرة التركية بضخ الدولارات.
في الواقع، يمكن القول إن العامل الاقتصادي هو الذي يحدد السياسة الخارجية لتركيا حاليًا، وخاصةً أن تداعيات حرب أوكرانيا تتفاقم. ومع اقتراب موعد الانتخابات، يتمسك أردوغان، بصفته سياسيًا محترفًا، بكل خيط لإبقاء نفسه وحزبه في السلطة في تركيا، وفي الواقع يقدم تنازلات من وراء الكواليس.
هل سياسة أردوغان في العودة إلى "صفر مشاكل" مع جيرانه جدية؟
يتحدث الرئيس التركي عن مرحلة يقول إنها مرحلة كسب الأصدقاء وليس أعداء، ويسعى إلى تطوير العلاقات مع الجيران الإقليميين. ومن وجهة نظر بعض المراقبين، ربما تكون مراجعة أردوغان الجادة للسياسة الخارجية التركية قد تأخرت، وبعبارة أخرى، ربما يكون الأوان قد فات.
ويعتقد هؤلاء المراقبون أن عودة أردوغان إلى سياسة صفر مشاكل مع جيرانه موضع شك، ونجاح هذا التحول السياسي الجديد أمر مشكوك فيه.
وذکرت صحيفة (رأي اليوم) عن العلاقات السعودية التركية: "كشف بعض الخبراء في الشأن السعودي والتركي عن خطة ثلاثية للسعودية ومصر والإمارات، للضغط الاقتصادي على تركيا بهدف إضعاف اقتصادها واستغلال هذا الضعف لترکيعها في المنطقة وإبعاد أنقرة عن قطر. لأنه من وجهة نظر هذه الدول، فإن مقاومة قطر للتحالف السعودي الإماراتي المصري البحريني الذي کان يهدف إلى تغيير النظام في الدوحة، کانت بسبب دعم تركيا وقواعدها العسكرية في قطر، وإنشاء جسر جوي تركي إلى قطر لكسر حصار الدوحة من قبل الدول العربية الأربع".
على أي حال، ما يمكن قوله في النهاية هو أن الدافع الرئيسي لتحركات أردوغان تجاه السعودية اقتصادي بحت، وخاصةً أن التضخم في تركيا دفع أردوغان إلى بذل المساعي الاقتصادية.
سياسياً، تحاول تركيا، التي سعت إلى إنشاء شرق أوسط مختلف في أعقاب عام 2011 من خلال دعم جماعة الإخوان المسلمين، الآن تعزيز دورها في مستقبل الشرق الأوسط، من خلال تطوير العلاقات مع الدول العربية.
عاقبت الرياض أنقرة بمنع المنتجات التركية من دخول الأسواق السعودية، ومنع الشركات التركية من دخول المشاريع السعودية، ووجهت ضربةً كبيرةً بمنع السائحين السعوديين من دخول تركيا.
إن نجاح السعودية في دفع تركيا إلى التراجع من حيث استراتيجياتها في المنطقة تجاه جماعة الإخوان المسلمين وبعض القضايا الأخرى، يمكن أن يربك تركيا كمنافس إقليمي لها في المستقبل. کما ستعزز هذه الزيارة القصيرة موقف ابن سلمان أيضًا، وتجعل أردوغان يواجه انتقادات شديدة في الداخل.
والواقع أن السعوديين يعتبرون أنفسهم منتصرين، لأن أردوغان في نظرهم هو الذي جاء إليهم وتخلّى عن طموحاته الإقليمية.