الوقت- الكيان الصهيوني، الذي احتل الأرض الفلسطينية قبل أربعة وسبعين عاماً، لم يعتقد أن الوقت قد حان للفلسطينيين لمهاجمتهم بسلاح قوي.
الفلسطينيون، الذين قاتلوا في البداية بصدورهم العارية وحجارتهم أمام الصهاينة المدججين بالسلاح، وضحوا بآلاف الشهداء لعقود من أجل تحرير أرضهم المفقودة، لم يعودوا ضعفاء أمام العدو الصهيوني وقد حققوا طفرة بقدراتهم الصاروخية حتى أنهم باتوا يهددون الكيان بهجمات مميتة.
وشهدت فلسطين حتى الآن ثلاث انتفاضات ضد الاحتلال الصهيوني، بدأت المرحلة الأولى منها مع الانتفاضة ضد الاحتلال الصهيوني في كانون الأول (ديسمبر) 1987 في منطقة جباليا بقطاع غزة، ثم امتدت إلى مدن وقرى ومخيمات فلسطينية أخرى. في الانتفاضة الأولى، المعروفة أيضًا باسم "الثورة الحجرية"، استشهد أكثر من 3000 فلسطيني على يد الجيش الإسرائيلي. رغم أن الانتفاضة الأولى انتهت عام 1993 بـ "اتفاقات أوسلو" بين السلطة الفلسطينية وتل أبيب، إلا أنها كانت بداية انتفاضات فلسطينية مستقبلية ضد المحتلين.
اندلعت انتفاضة الأقصى، وهي الانتفاضة الفلسطينية الثانية، في عام 2000 واستمرت لمدة خمس سنوات. الانتفاضة الثالثة أو الانتفاضة الصامتة في الضفة الغربية كانت المعركة الحجرية الثالثة والأخيرة بين الصهاينة والفلسطينيين، والتي تشير إلى نهاية الصراع غير المتكافئ بين الجانبين. الانتفاضات، التي كان السلاح الوحيد للفلسطينيين فيها هو الحجر بينما يتسلح الصهاينة بأحدث الأسلحة، كانت حربا غير متكافئة لن تتكرر. لأن المقاومة الفلسطينية لم تعد تخوض الحرب مع الأعداء بالحجارة، فهي مزودة الآن بصواريخ محلية قوية تجبر الجيش الصهيوني على فحص جميع الاحتمالات قبل دخول الحرب.
كل يوم في مركز الفكر الصهيوني، تتم مناقشة القدرة الصاروخية الفلسطينية حتى تكون هناك طرق أكثر فاعلية لمواجهة الضربات الصاروخية، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل. كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مجموعتان قويتان ضيقتا المجال على العدو الإسرائيلي في السنوات الأخيرة من خلال صناعة صواريخ محلية؛ وفي الحروب العديدة التي دارت بين الجانبين أطلقت آلاف الصواريخ على الأراضي المحتلة. حماس والجهاد الإسلامي في استعراضاتهما قامتا بإزاحة الستار عن أسلحتهما الجديدة، كانت تبعث برسالة للعدو الصهيوني مفادها بأن حقبة العدوان قد انتهت دون عقاب؛ والمقاومة لديها أسلحة تجعل العدو يندم على ما فعله.
القوة العسكرية للمقاومة، من صواريخ مطرية إلى صواريخ دقيقة
إن قدرة المقاومة الفلسطينية على تحدي الصهاينة هي نتاج عملية استمرت عقودًا، إذ كان حينها من الصعب والمستحيل على الفلسطينيين امتلاك أسلحة نارية، لكن المقاومة الفلسطينية الآن أسست أحد أقوى الجيوش في العالم. وكان أول صاروخ بنته حماس في قطاع غزة هو صواريخ القسام، والذي تم إطلاقه في تشرين الأول (أكتوبر) 2001، وبحلول حزيران (يونيو) 2006، تم إطلاق أكثر من ألف صاروخ من تلك الصواريخ على الأراضي المحتلة. كان دخول الصواريخ إلى ساحة المواجهات المسلحة بين المقاومة في غزة والكيان الصهيوني تغييرًا دراماتيكيًا غير مسار فترة ما بعد الحرب تمامًا. كان صاروخ G80 البالغ مداه 80 كيلومترًا وصاروخ R-160 البالغ مداه 160 كيلومترًا من الصواريخ الأخرى من صنع حماس والتي استخدمت لأول مرة في حرب 2014.
تمتلك حماس أيضًا عدة أجيال من صواريخ القسام؛ الجيل الثالث من هذه الصواريخ هو صواريخ القسام 3 التي يبلغ قطرها 170 ملم ورأس حربي 10 كيلوجرامات ومدى من 10 إلى 12 كيلومترًا. أصاب صاروخ قسام 3 بلدة عسقلان الصهيونية في تموز (يوليو) 2006. ويقال أيضا إن صاروخ قسام 4 أنتج بمدى 18 إلى 22 كيلومترا، بينما صاروخ "البراق" الذي يبلغ مداه 100 كيلومتر من صنع الجهاد الإسلامي.
كشفت حركة الجهاد الإسلامي، مؤخرًا، عن صاروخ يسمى "قاسم" يحمل اسم الشهيد اللواء قاسم سليماني. ولم تعلق حركة الجهاد الإسلامي على مدى ودقة الصاروخ واكتفت بالقول إنها ستكون لها مفاجآت كثيرة للعدو الصهيوني في المستقبل. كما نشرت حماس في الأيام الأخيرة صوراً للصواريخ المطرية التي تستخدمها ضد المقاتلين الصهاينة. وحسب مصادر فلسطينية فإن هذه الصواريخ من نوع استرلا وهو نوع من صواريخ الدفاع الجوي الروسية قصيرة المدى قادرة على تدمير أهدافها على مسافة 4 كيلومترات ومدى 2.5 كيلومتر. إن امتلاك الجماعات الفلسطينية لصواريخ دفاع جوي لن يجعل سماء غزة آمنة كما كانت دائمًا للمروحيات والطائرات الإسرائيلية دون طيار. ومع ذلك، لم يعلق قادة المقاومة بعد على الصواريخ الدقيقة لأسباب أمنية؛ لكن المحللين الإسرائيليين يعترفون بأن حماس لديها مجموعة واسعة من الصواريخ المتطورة والحديثة التي يمكن أن تستهدف العديد من الدبابات الإسرائيلية.
إضافة إلى الصواريخ، اكتسبت المقاومة الفلسطينية أيضًا تكنولوجيا صناعة طائرات دون طيار. على مر السنين، استخدمت حماس طائراتها دون طيار لتصوير تقدم الجيش الإسرائيلي وتحركاته، وخططت لهجماتها بناءً على المعلومات الواردة من تلك التكنولوجيا. استُخدمت طائرات حماس المسيرة لأول مرة في عملية سيف القدس، ما شكل فصلًا جديدًا في التوازن الميداني بين المقاومة والعدو الصهيوني.
أعلن قادة حماس بعد انتهاء عملية سيف القدس أن لديهم ما يكفي من الصواريخ التي يمكن أن تستمر في الحرب ضد إسرائيل لمدة ستة أشهر متتالية. القدرة الصاروخية للمقاومة تجعل السلطات الصهيونية تسعى إلى نزع سلاحها من خلال الوساطة الدولية، لكن القادة الفلسطينيين، الذين أكدوا أن السلاح هو السبيل الوحيد لمحاربة المحتلين، أكدوا أنهم لن يتفاوضوا على أسلحتهم.
أطلقت حماس والجهاد الإسلامي أكثر من 4000 صاروخ على الأراضي المحتلة حتى العام الماضي، قبل عملية سيف القدس التي استمرت 12 يومًا. وهذا مصدر قلق كبير لسلطات تل أبيب التي تسعى للعثور على ترسانات صواريخ المقاومة في غزة وتدميرها، والتي فشلت حتى الآن في تحقيق هذا الهدف. في عملية سيف القدس، لأول مرة في تاريخ الحربين، تم استهداف العديد من المدن الإسرائيلية، وخاصة تل أبيب، وأظهر الفلسطينيون أن جميع الأراضي المحتلة كانت تحت مرمى صواريخ المقاومة. وحسب الإحصائيات، فإن عدد الصواريخ والمقذوفات التي أطلقتها حماس والجهاد الإسلامي في اليوم الأول من المعركة التي استمرت 12 يومًا يساوي جميع الصواريخ التي أطلقت في عام 2012 خلال المعركة التي استمرت 22 يومًا؛ وهذا يدل على أن المقاومة حققت أيضًا القدرة على إنتاج صواريخ بكميات كبيرة.
القدس والضفة الغربية تحت مظلة المقاومة
وصلت المقاومة الفلسطينية الآن إلى مستوى الردع العسكري ضد تل أبيب، والتي لم تضع فقط قطاع غزة بل القدس المحتلة والضفة الغربية تحت مظلتها. في الأشهر الأخيرة، حذر قادة حماس والجهاد الإسلامي من أنه إذا أخطأ الكيان الصهيوني في القدس والضفة الغربية، فسوف يأتيه الرد الانتقامي. كانت هذه التحذيرات هي التي أجبرت تل أبيب في الأسابيع الأخيرة على الانسحاب من مواقعها في المسجد الأقصى، لدرجة منع المستوطنين من دخول الحرم الشريف لتخفيف حدة التوتر، حروب مقاومة غزة مع الجيش الإسرائيلي التي استمرت ثمانية أيام و22 يومًا و51 يومًا و11 يومًا، أصبحت كالبلاء على الكيان الصهيوني ولم يعد قادرًا على مواجهة المقاومة كما كان من قبل.
في الأسابيع الأخيرة، أصدر مسؤولون أمنيون إسرائيليون، ولا سيما وزير الحرب بيني غانتس، تعليمات للقوات العسكرية بالامتناع عن أي مواجهة مباشرة مع غزة واللجوء بدلاً من ذلك إلى عقوبات مثل إغلاق المعابر. حسابات تل أبيب هذه أمام المقاومة تظهر أن الفلسطينيين قد حققوا قوة ردع كبيرة وليس من السهل مواجهتهم مباشرة. في العام الماضي، شجع قادة حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس والضفة الغربية على حمل السلاح ضد إسرائيل، وهذا التشجيع على مقاومة غزة أدى بالضفة الغربية والقدس إلى تصعيد العمليات الاستشهادية دون خوف من العدو المحتل.
إن حقيقة أن المسؤولين الإسرائيليين يوجهون رسالة إلى حماس عبر وسطاء إقليميين بأنهم لا يسعون لتصعيد التوترات تظهر أن هناك توازنًا للقوى بين المقاومة وتل أبيب، وأن على المسؤولين الإسرائيليين النظر في جميع الجوانب قبل اتخاذ أي إجراء. كما أظهر نظام القبة الحديدية للكيان الصهيوني عدم كفاءته، على الرغم من إحداث الكثير من الضجيج وإنفاق مليارات الدولارات لاعتراض صواريخ المقاومة. كما أن صواريخ المقاومة تغير التركيبة السكانية داخل الأراضي المحتلة، ومع كل صاروخ يتم إطلاقه على إسرائيل يهرع آلاف الصهاينة إلى الهجرة.
وحسب استطلاعات الرأي التي أجرتها وسائل الإعلام الصهيونية، فإن نحو 60٪ من الصهاينة غير راضين عن الوضع الأمني ويفكرون في الهجرة. الكيان، الذي يمتلك السلاح النووي الوحيد في المنطقة، أصبح الآن عاجزًا عشية الذكرى 74 لتأسيسه الوهمي أمام الفلسطينيين الذين حاربوا حتى وقت قريب بالحجارة.