الوقت - في حين أن حرب أوكرانيا تدمر الاقتصاد العالمي، فإن تأثيرها في منطقة غرب آسيا لم يكن سيئًا للجميع.
حيث يشهد بعض أكبر منتجي النفط في العالم على شواطئ الخليج الفارسي ضخ مليارات الدولارات في خزائنهم، نتيجة ارتفاع أسعار النفط بسبب حرب أوكرانيا.
وفي ظل هذه الظروف، من المتوقع أن تسجل هذه البلدان أول فائض في الميزانية بعد ثماني سنوات من الركود النفطي.
وأظهر استطلاع أجرته مجموعة ميتسوبيشي المالية(MUFG) في فبراير، أن دول مجلس التعاون من المرجح أن تشهد زيادةً بنسبة 6.1 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 للمرة الأولى منذ عام 2014، بسبب ارتفاع أسعار النفط وفوائض الميزانية.
لقد تراجعت أسعار النفط خلال جائحة كورونا وسط فائض المعروض وتراجع الطلب، وحتى خام برنت انخفض إلى 22 دولارًا للبرميل في مارس 2020.
لكن في أوائل مارس من هذا العام، ومع ارتفاع مستوى الحرب في أوكرانيا، وصلت الأسعار إلى أعلى مستوى لها في 14 عامًا عند أكثر من 130 دولارًا للبرميل.
ووفقًا لتقرير حول آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2022 الصادر عن صندوق النقد الدولي، والذي صدر قبل الحرب في أوكرانيا، من المتوقع أن تحقق الإمارات أعلى معدل نمو اقتصادي في عام 2022، تليها السعودية التي من المتوقع أن ينمو اقتصادها بمعدل 4.8٪ هذا العام.
في غضون ذلك، تعدّ سلطنة عمان من الدول التي أظهرت بوادر تفاؤل في الأفق الاقتصادي بسبب الزيادة الكبيرة في عائدات النفط.
مع اقتراب عام 2021 من نهايته، قال وزير المالية العماني سلطان بن سليمان الحبسي، إن إجمالي الإيرادات الحكومية بموجب ميزانية 2022 من المرجح أن يكون أعلى بنسبة 6٪ مما كان عليه في عام 2021.
ومع ذلك، بحلول نهاية يناير، ارتفعت أسعار النفط إلى 85 دولارًا للبرميل، وفقًا للحبسي. والآن، على الرغم من ارتفاع إنتاج النفط، يتم تداول النفط العماني فوق مستوى 100 دولار للبرميل، وهذا يعني المزيد من الإيرادات.
بالتأكيد، في ظل الزيادة في عائدات الحكومة من النقد الأجنبي، هناك أمل في أن تقلل مسقط، بالإضافة إلى سداد الديون وإغلاق حالة عجز الميزانية، من اتجاه سياسات التقشف في الاقتصاد.
في السنوات الأخيرة، ومع انخفاض عائدات النفط، تحركت الحكومة لتعزيز القطاعات الإنتاجية الأخرى، من السياحة إلى الخدمات العامة، لتعويض عجز الميزانية. حتى أنها قيدت توظيف الرعايا الأجانب، استجابةً لاحتجاجات البطالة في مايو 2021 في صحار.
وحسب المركز الوطني العماني للإحصاء والمعلومات في فبراير، بلغ عدد العمانيين العاملين في القطاع الخاص منذ عام 2020 حاليًا 270،440 شخصا، ويعمل معظمهم في قطاع البناء، لكن هذا الرقم لا يزال صغيراً مقارنةً بعدد العاملين في الخارج في القطاع الخاص(1152858 شخصا).
والسؤال المطروح الآن هو، إلى أي مدى يمكن أن تشجع الزيادة في عائدات النفط الحكومة على العودة إلى العادة القديمة، المتمثلة في الاعتماد على النفط وإبطاء وتيرة رؤية عمان 2040 للاقتصاد غير النفطي؟
خطة رؤية عمان 2040 متوسطة المدى
مع وصول السلطان هيثم بن طارق آل السعيد إلی السلطة في يناير 2020، تمت صياغة وثيقة رؤية عمان 2040 بالتخطيط الاقتصادي والاجتماعي، للانتقال من الاعتماد على النفط.
وإلى جانب هذه الخطة الشاملة، قدمت وزارة الاقتصاد خططًا أخرى متوسطة المدى، كان آخرها خطة التنمية الخمسية العاشرة 2021-2025 بعنوان "الخطة التنفيذية الأولى".
والهدف من هذه الخطة هو خفض العجز المالي تدريجيًا إلى 1.7٪ بحلول عام 2024، وتغيير رصيد الدخل إلى فائض اعتبارًا من عام 2025، استنادًا إلى خفض التكاليف وزيادة الدخل(من خلال الضرائب بشكل أساسي).
وإضافة إلى الخطة الخمسية الجديدة، يجري تنفيذ خطط تنفيذية وطنية تستهدف ثلاثة مجالات رئيسية: الاستقرار المالي، جذب الاستثمار، ودعم الصادرات العمانية وزيادة فرص العمل في قطاعات الإنتاج والزراعة والثروة السمكية والمناجم والخدمات اللوجستية والتعليم وتكنولوجيا المعلومات.
تم استخدام هذا النهج في البداية كوسيلة لسد عجز الميزانية، ولكن استمراره الآن غير مؤكد، بالنظر إلى أنه من المتوقع أن تزداد الإيرادات الحكومية مع ارتفاع أسعار النفط.
في غضون ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه في نفس الفترة منذ تنفيذ الخطة، فإن تقدم الخطة قد تباطأ عملياً بسبب اتباع بعض السياسات المتناقضة. على سبيل المثال، بينما تم إلغاء دعم المياه والكهرباء تدريجيًا، أعلن المسؤولون في أبريل 2021 أنهم سيزيدون نفس الإعانات لبعض العمانيين لتعويض أثر ضريبة القيمة المضافة.
تعلم الدول الخليجية المصدرة للنفط أن جزءًا كبيرًا من الطلب الحالي في سوق الطاقة، يرجع إلى اضطرابات السوق في فترة ما بعد الحرب في أوكرانيا وسيتراجع حتماً، وبالتالي بينما تستخدم زيادة الإيرادات للتعويض عن المشكلات الحالية، تضطر هذه البلدان إلى الاستمرار في اتباع سياسات مالية صارمة، والتركيز على تنويع الاقتصاد.
وبناءً على ذلك، ووفقًا للخطة الخمسية متوسطة المدى، فإن جذب الاستثمار الأجنبي، على عكس وجهة نظر استخدام عائدات النفط في صناديق احتياطي النقد الأجنبي، هو مفتاح استراتيجية الحكومة العمانية للتعافي الاقتصادي.
وعلى المستوى الجزئي، أطلقت الحكومة برنامجًا يسمى "Invest Easy "(استثمر بسهولة)، كبوابة إلكترونية مركزية لتسجيل الشركات الجديدة وإصدار التراخيص التجارية. كما تم الإعلان عن مخططات مثل مخطط إقامة المستثمر، الذي يمنح حقوق الإقامة طويلة الأجل للمستثمرين الأجانب.
تستفيد مسقط أيضًا من فرص الشراكة التي يوفرها تقارب رؤية عمان مع رؤية السعودية 2030.
خلال زيارة ولي عهد السعودية محمد بن سلمان إلى سلطنة عمان في ديسمبر 2021، تم توقيع 13 مذكرة تفاهم بين الشركات العمانية والسعودية. وقد تعهد الصندوق المشترك بين البلدين بتقديم 5 مليارات دولار لتنفيذ الاتفاقيات، مثل افتتاح طريق بطول 450 ميلاً يربط مباشرةً بين عُمان والسعودية.