الوقت - استضاف معهد "اندیشه سازان نور" للأبحاث في طهران المؤتمر الصحفي "أفق التطورات الجارية في فلسطين وتأثيرها الأمني على إيران".
عقد هذا الاجتماع في 20 نيسان 2022، بالتزامن مع تصاعد التوترات في فلسطين المحتلة، وفيه حلل الدكتور سعد الله زارعي، معهد "اندیشه سازان نور" للأبحاث، أعمال العنف الأخيرة في المسجد الأقصى والتطورات المتسارعة في فلسطين، بالنظر إلى تداعياتها الأمنية على جمهورية إيران الإسلامية.
التطورات في الأراضي الفلسطينية عام 1948 غير مسبوقة
في بداية اللقاء، قال الدکتور زارعي في إشارة إلى التطورات في فلسطين:
نحن الآن في خضم أحداث وتطورات الفلسطينيين على أراضي عام 1948، والتي لم يسبق لها مثيل خلال الأربعين سنة الماضية، وتم اعتبارها كإجراء أمني مهم ومرحلة جديدة لنضالات الشعب الفلسطيني.
والتحركات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي حول المسجد الأقصى والقدس الشرقية بشكل عام، والاعتقالات الواسعة التي يقوم بها، والاشتباكات التي تنفذها شرطة الاحتلال في فلسطين ليل نهار، تظهر حساسية الوضع الکبيرة بالنسبة للکيان الإسرائيلي.
بالنسبة لهذا الکيان، يعتبر شهر رمضان والعقد الثالث من رمضان حساسين للغاية، وفي هذا العقد شهد الإسرائيليون دائمًا أحداثًا خطيرةً ضد أنفسهم. أولاً، شهر رمضان هو شهر مثالي للمسلمين، وفي فلسطين المسلمون أكثر استعدادًا روحانيًا، ووفقًا للمعتقدات الإسلامية، فإن الجهاد الذي يحدث في شهر رمضان هو أكثر قيمةً من الأشهر الأخرى. فمثلاً كانت معركة بدر في شهر رمضان، حيث وعد المسلمون بالنصر، وهزم المسلمون الكفار بعدد أقل.
لدى الکيان الصهيوني أيضًا ذكرى مروعة لحرب رمضان عام 1973، والمعروفة أيضًا باسم حرب أكتوبر وحرب يوم كيبور. هذا اليوم هو يوم العيد الديني اليهودي الذي يصوم فيه اليهود، لكن حرب رمضان أو يوم الغفران ذكرى مريرة للصهاينة وقد عانوا الكثير في هذه الحرب.
خلال حرب رمضان أو يوم الغفران، تمكنت مصر وسوريا من مفاجأة إسرائيل في عملية خاطفة، وسقط جزء كبير من الجولان في أيدي الجيش السوري، وتم تسليم صحراء سيناء لمصر بالكامل تقريبًا. وعلى الرغم من وقوع حوادث أخرى في وقت لاحق من الحرب، لكن قُتل من الإسرائيليين، وفقًا لإحصاءاتهم الخاصة، أكثر من 2800 شخص وجرح 9000 منهم.
هذا بينما يعلن الإسرائيليون دائمًا عن إحصائيات أقل، وتبقى هذه الذكرى المريرة في أذهان الإسرائيليين. لذا فإن رمضان مهم للعرب، وأول ما أظهر هزيمة إسرائيل كان حرب رمضان التي أظهرت أن الجيش الإسرائيلي يمكن هزيمته. وبعد هذه الحرب، تابع الإسرائيليون عملية السلام، وحدثت قصة كامب ديفيد بعد حرب رمضان نفسها. وفيما بعد، كانت إسرائيل دائمًا في حالة أزمة نفسية خلال شهر رمضان، وكانت تنتظر دائمًا أحداثًا غير متوقعة خلال هذا الشهر.
المسجد الأقصى هو قلب التطورات في فلسطين
النقطة الأخرى في مناقشات هذه الأيام، هي موضوع المسجد الأقصى. هذا المسجد هو قلب التطورات في فلسطين، ونقطة فلسطين الرئيسية هي المسجد الأقصى باعتباره القبلة الأولى للمسلمين.
وتجدر الإشارة إلى أن اليهود لم تكن قبلتهم المسجد الأقصى قط، لأن اليهود ليس لديهم قبلة، لكن المسجد الأقصى هو القبلة الأولى للمسلمين، وقبل المسلمين لم يكن المسجد الأقصى قبلة مجموعة محددة.
أيضاً، في شهر رمضان حدثت قضية معراج النبي من المسجد الأقصى المبارك، وهي واردة في القرآن الکريم في سورة الإسراء، وهذه القصة مهمة جداً للمسلمين وتوضح أهمية ومکانة المسجد الأقصى. ولهذا السبب، فإن هذا المكان والزمان مهمان جدًا بالنسبة للمسلمين.
وبالنسبة لأهل السنة، فإن يوم الـ 27 من شهر رمضان مهم مثل ليلة القدر، وبالنسبة للشيعة أيضًا فهناك تأکيد علی أهمية هذه الليلة. لذلك، بالنسبة لإسرائيل، فإن السابع عشر من رمضان، وهو يوم معراج النبي، فترة حساسة للغاية. وبالطبع حدث آخر جعل هذه الفترة مهمةً، وهو حرب رمضان العام الماضي أي عام 2021.
حرب فلسطين في العام الماضي مهمة جداً، لأنها كانت المرة الأولى التي يبدأ فيها الفلسطينيون حرباً، وكانت هذه الحرب في شهر رمضان للدفاع عن القدس. لذا، فإن حرب فلسطين في العام الماضي مهمة مكانياً وزمانياً، ويطلق عليها الفلسطينيون معرکة سيف القدس.
وعليه، فإن قضية القداسة والسعي للحفاظ على القدس ليست مجرد قضية تاريخية من الماضي، بل هي قضية راهنة للفلسطينيين، كما تجسدت في معركة سيف القدس في رمضان العام الماضي، وتدل على أن فلسطين حية والمسجد الأقصى ما زال بؤرة تجمع الحركات والقوى الفلسطينية، ولن يغفل المسلمون هذه القضية.
السمة الجديدة للتطورات في فلسطين
يشهد النزاع الفلسطيني الأخير مع إسرائيل بعدًا جديدًا. وتجدر الإشارة إلى أنه في أراضي عام 1948، والتي تغطي حوالي 70٪ من الأراضي الفلسطينية من الحدود اللبنانية الأردنية إلى خليج العقبة، كانت هذه الأراضي مناطق أمنية إسرائيلية على مدى السنوات الخمسين الماضية.
وقرارات الأمم المتحدة واتفاقيات أوسلو ومدريد عملت بجد على هذه الخطة الإسرائيلية، وكانت خطط التسوية اللاحقة الأخرى بموافقة أراضي عام 1948، وقبلت منظمة التحرير الفلسطينية قضية أراضي عام 1948 بموجب اتفاقيات أوسلو.
ومع ذلك، في هذه الأراضي، لا يزال عدد كبير من الفلسطينيين موجودين ويعيشون، ومن بين السكان البالغ عددهم 8 ملايين إسرائيلي، هناك مليونان من العرب الفلسطينيين. وعلى عكس الصمت السابق، يتابعون التحركات الأمنية والعسكرية الآن، والعمليات الأربع الأخيرة على مدى الأسبوعين الماضيين في أراضي عام 1948 كانت غير متوقعة للإسرائيليين.
السؤال المهم بالنسبة للإسرائيليين هو، من أين أتت الأسلحة إلی هذه المناطق؟ ولماذا لم يكتشف شاباك هذه الأسلحة الثقيلة؟ وكيف استطاع النشطاء تنفيذ عملياتهم في مناطق مختلفة عام 1948؟ بالنسبة لإسرائيل، السؤال الآن هو كم عدد الأسلحة التي بحوزة الفلسطينيين في مناطق 1948؟
لذلك، فإن إسرائيل الآن متورطة في أراضي الداخل الفلسطيني، وعلى عكس الماضي عندما كانت الحروب خارج الأراضي المحتلة، أما الآن فقد تم تفعيل الجبهة الداخلية الفلسطينية وأصبحت الحرب هي حرب إسرائيل الأمنية والأهلية.
والنقطة الثانية هي أنه في الحروب السابقة كان الجانب الإسرائيلي في الحرب مع منظمات فلسطينية معروفة. على سبيل المثال، كانت هناك حرب استمرت 12 يومًا مع حماس، ودارت حروب أخرى مع حماس والجهاد الإسلامي، وكلها كانت لها هوية تنظيمية.
لذلك، عندما تكون هناك حرب مع تنظيم ما، يمكن إيقافها في مرحلة ما، مثل الوساطات السابقة التي قامت بها مصر بين المحتلين وفصائل المقاومة مثل حماس والجهاد الإسلامي. لكن ساحة المعركة الحالية لا تقبل وساطات، ولا يمكن لإسرائيل الدخول في حوار مع أحد، وهي منخرطة بشكل مباشر مع جسد المجتمع الفلسطيني.
والمسألة الثالثة أن الأعمال المسلحة لفلسطينيي أراضي 1948 حظيت بدعم قاطع وفوري من جبهة المقاومة، بما في ذلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومقاومة العراق وأفغانستان واليمن، واكتسبت هذه التطورات تغطيةً إقليميةً. وداخل فلسطين أيضًا، دعمت كل المنظمات الفلسطينية هذه التحرکات، وحتى حركة فتح دعمت أعمال الفلسطينيين. ولذلك، لم يستطع الإسرائيليون وصف الأعمال الفلسطينية الأخيرة بأنها عمياء وإرهابية، خاصةً أن تلك الأعمال حدثت في وقت تشكَّل فيه محور عربي للتسوية مع إسرائيل.
تم التوصل إلى اتفاقية السلام الإبراهيمي في نفس مكتب تأسيس إسرائيل. ولذلك، بدأت اتفاقية التسوية الحالية في مناطق 1948 في نفس ظروف الانتفاضة، وإذا نظرنا إلى التغطية الإخبارية للجانب الفلسطيني، نكتشف ما هي القضايا التي يوليها العالم اهتمامًا أكبر، حيث هناك ما لا يقل عن 10 أنباء عن العمليات الفلسطينية في وسائل الإعلام، وخبر واحد فقط عن القمة الغادرة للتسوية مع إسرائيل.
في الوقت نفسه، سافر الإسرائيليون إلى البحرين وتركيا لإظهار التسوية خارج الجبهة العربية، لكن الانتفاضة المسلحة الأخيرة همشت تطورات التسوية. كما همشت هذه الانتفاضة اتفاقيات أوسلو، وهمشت وعزلت حكومة محمود عباس باعتبارها إرثًا لأوسلو، لكن الجناح العسكري للسلطة الفلسطينية، أي حركة فتح، نشط وأظهر وجود خلافات عميقة بين حركة فتح والسلطة الفلسطينية.
إسرائيل وصلت إلى طريق مسدود من کل الجوانب
الإسرائيليون في حالة صدمة، ولا تزال أمام إسرائيل بعض الأيام الخطرة حتى يوم الـ 27 من رمضان. هذا لا يعني أن الوضع سيعود إلى طبيعته بعد رمضان، بل قد تحدث وقائع كبيرة في هذه الأيام العشرة. تشعر تل أبيب بالقلق من رد حماس عسكريًا، لأن الآن هو أسوأ وقت تخوض فيه إسرائيل الحرب بسبب ثلاث أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية متزامنة في الکيان.
قلق إسرائيل الآن هو إمکانية اندلاع الحرب، وهذا الوضع يظهر أن الوضع خارج عن سيطرة تل ابيب، لأنها لا تملك القدرة على القتال، وتكلفة أي حرب على تل ابيب عالية جداً ولا توجد إمكانية للنصر.
في المقابل، ازدادت آمال الفلسطينيين، وعلى المستوى العربي، تم تهميش نزعات التسوية وتعززت النزعات الثورية. وهذا الوضع لا يمكن السيطرة عليه من قبل إسرائيل والولايات المتحدة على الإطلاق، والغرب وإسرائيل ليس لديهما وسيلة للسيطرة على هذا الوضع.
في السابق، لم تستطع الاتفاقيات السياسية مثل اتفاقيات أوسلو وإبراهيم إنقاذ الصهاينة، والحرب، بما في ذلك العام الماضي، لم تنجح أيضًا. ومن الناحية الاقتصادية، فشل حصار غزة، الذي بدأ عام 2007، في مساعدة إسرائيل.
لذلك، وصلت جميع الحلول الإسرائيلية لمواجهة الشعب الفلسطيني إلى طريق مسدود، وحلول تل أبيب ضعيفة للغاية وغير فعالة، وهو ما يدل على سقوط إسرائيل.