الوقت- للسنة الثالثة على التوالي تعيش مدينتي الفوعة و كفريا في ريف ادلب شمال سوريا حصارا خانقا، ازدادت شدته مع سقوط مدينة إدلب الربيع الماضي بيد ميليشيا جيش الفتح التكفيري، إلا أن الصمود و الاصرار على الحياة هي السمة الابرز للمدنيين هناك، بالرغم من الايام الصعبة التي يعيشها اهالي البلدتين المؤهولتين بأكثر من 50 الف نسمة، يبلغ عدد سکان کفریا 15 الف نسمة فیما یبلغ عدد سکان الفوعة 35 الف نسمة، على مرأى من المجتمع الدولي .
تقع بلدتا "الفوعة" و"كفريا" السوريتان على بعد ١٠ كيلومترات شمالي شرق مدينة "إدلب"، و يفصلهما عن بعضهما البعض طريق ترابي يبلغ طوله حوالي ثلاثة كيلومترات . و عندما سيطرت الجماعات التكفيرية - ما يسمى "جيش الفتح" و "جبهة النصرة"- على إدلب في ٢٩ آذار/ مارس الماضي، ظن الكثيرون أن "الفوعة" و"كفريا" ستقعان بيد الارهابيين، لكن وخلافاً لهذه التوقعات، صمدت هاتان البلدتان و لم تكونا لقمة سائغة للارهابيين رغم الأوضاع البالغة الصعوبة بسبب الحصار و قطع كافة خطوط نقل الماء والكهرباء والغاز والمواد الغذائية والدواء إلى هاتين المدينتين من ناحية والهجمات التي يتعرّض لها أبناء المدينة من ناحية آخرى.
الوضع الغذائي مأساوي كما يروي سكّان المدينة، حيث أن المعارك منعت الاهالي من الذهاب و العمل في اراضيهم، في بلدة تعتاش على الزراعة في اقتصادها، كما و تمنع ميليشيا جيش الفتح دخول اية مواد غذائية للفوعة و كفريا ما يتسبب بحالة من المجاعة التي تقترب ان تكون مجاعة جماعية لحوالي الـ50 ألف سوريا الف سوري في المدينة. البلدتان تشهدان نقصاً حاداً في كافة مقومات الحياة و في مقدمتها نقص المواد الغذائية، بالاضافة الى انقطاع المياه و الكهرباء و الوقود، فضلاً عن توقف الفرن الوحيد عن العمل نتيجة فقدان مادة الطحين، ناهيك عن انتشار الامراض جراء النقص الحاد في الادوية و المراكز المجهزة لعلاج الاهالي الذين يصابون كل يوم جراء استهداف المجموعات المسلحة للاحياء السكنية بالقذائف الصاروخية، و تمنعهم عمليات القنص من الوصول الى مزارعهم لجني المحاصيل، فيما عمد المسلحون قبل الى حرق محصول القمح في البساتين المحيطة للبلدتين .
ما يزيد الوضع الانساني الخطير صعوبته و خطورته هو حضور التحريض الطائفي الذي يُطلق من بعض الأبواق السعودية، و خاصةً إثر التدخل الروسي وهجمات الجيش السوري التي ساهمت بالحد من الضربات الإرهابية التي تتعرّض لهد كل من الفوعة كفريا. فهناك من هدّد قبل فترة بإبادة جماعية للفوعة في مقطع بث على اليوتيوب من بلدة بنش المجاورة للفوعة، و أوضح انه في حال سقوط الفوعة سوف يحتفظون بالنساء و الاطفال رهائن، بينما سوف يعتبر الباقون اعداء ومقاتلين، في إشارة الى انهم سوف يتم قتلهم جميعا، وقد أصيب المحيسني في نفس اليوم عند بدء الهجوم.
في الفوعة يتحدث المواطنون عن حال أطفالهم الذين لا يملكون الثياب الكافية لتقيهم برد الشتاء، وذلك بسبب اضطرارهم إلى إخلاء منازلهم شبه المدمرة. وفي بلدة كفريا، لا تبدو المعاناة مختلفةً كثيراً. "الجرحى بحاجة إلى الدفء، فالأجساد تتوقّف عن التجاوب مع العلاج حين تنخفض درجة حرارتها إلى ما دون المعدلات المقبولة"، وفق أحد الأطباء المتواجدين في إحدى المستشفيات الميدانية في البلدة.
وأما المساعدات التي أدخلت إلى البلدتين في 18 تشرين الأول الماضي، فجاءت خجولةً للغاية، حيث إنّ عدد الحصص (2000 حصّة) لم يكن كافياً لإشباع حاجات أكثر من 4000 أسرة محاصرة، فضلاً عن كون هذه الحصص فقيرةً بالمواد الأساسية كحليب الأطفال والطحين، وهو أكثر ما يحتاجه المحاصرون اليوم. كذلك لم تتضمن الأدوية ما يحتاجه الجرحى .
الوضع الميداني ليس بعيداً عن الوضع الإنساني، فقد أكّد مصدر ميداني تعرّض الفوعة وكفريا لحوالي 71600 صاروخ وقذيفة، وإستشهاد ما يقارب 1753 مواطن جلّهم من النساء والأطفال. كذلك، بالنسبة للأبنية السكنية يوضح المصدر أن حوالي 83% من المباني سوّيت بالأرض، سواء المنازل، المحلات، المساجد، الحسينيات والمدارس. ويتابع المصدر: بعد إغلاق المدراس لفترة زمنيو بسبب الإعتداءات عاد الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية في أحد بيوت المدينة، إلا أنه بسبب النقص الحاصل في القرطاسية، يتناوب الطلاب على الإستفادة منها.
هكذا تعيش البلدتان السوريتان حصاراً أوشك أن يقضي على كل أشكال الحياة فيهما. و في انتظار الغيث على شكل اتفاقٍ يجنّبهم وأطفالهم مزيداً من العذاب، لا يبدو أنّ أهالي كفريا والفوعة سيكونون سعداء بـ"الغيث" الذي يتحضّر لزيارتهم على شكل ثلجٍ ومطر . وبغض النظر عن الحصار الذي يعيشه السكان والذي سينتج عنه كارثة إنسانية في حال استمر، فإن سقوط البلدتين في أيدي التنظيمات التكفيرية الوهابية سيخلف وراءه كارثة إنسانية أكبر بكثير من الكارثة الأولى، إلا أنه في كلتا الحالتين لن ترفع الرايات البيضاء.