الوقت - بعد أكثر من ستة أشهر على الانتخابات النيابية العراقية في 10 تشرين الأول 2021 يستمر ماراثون تشكيل الحكومة الجديدة.
في الأشهر القليلة الماضية، سعى تحالف "إنقاذ الوطن"، المكون من التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي بزعامة مسعود بارزاني، وتحالف "السيادة" السني بقيادة الحلبوسي لتشكيل حكومة أغلبية وطنية.
من ناحية أخرى، فإن إطار التنسيق بين الشيعة وحلفائهم، متهمًا مقتدى الصدر بالاحادية، يدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بحضور ممثلين عن كل التيارات السياسية. لكن بعد الفشل في بلوغ النصاب القانوني للبرلمان في 23 و30 آذار (مارس) 2022، أعلن مقتدى الصدر مهلة 40 يومًا لتشكيل الحكومة في إطار التنسيق الشيعي. في غضون ذلك، كان من شروط مقتدى الصدر تسليم أسلحة الفصائل أو التشكيلات الموجودة في دائرة المقاومة إلى منظمة الحشد الشعبي في غضون أشهر قليلة. والواقع أن زعيم التيار الصدري قد جعل مشاركة الحشد الشعبي في الحكومة العراقية الجديدة مشروطة بتسليم سلاح مجموعات المقاومة في العراق. أثار طلب مقتدى الصدر الآن درجة كبيرة من ردود الفعل،و كان أيضًا محور تحليلات المراقبين السياسيين.
إلى أي مدى يتوافق تسليم سلاح المقاومة للحشد الشعبي مع الحقائق؟
حقيقة طلب مقتدى الصدر بتسليم سلاح المقاومة إلى هيئة الحشد الشعبي بتفسير بسيط يعني أنه دعا إلى نزع سلاح هذه المجموعات وتسليم أسلحتها للحكومة. وهذا يثير التساؤل إلى أي مدى يتوافق مطلب مقتدى الصدر مع واقع السياسة والحكم في العراق؟ في البداية، من الضروري الانتباه إلى مسألة ما إذا كانت فصائل المقاومة تخضع بالكامل لسيطرة وإدارة الحشد الشعبي وقادته كما يريد مقتدى الصدر؟ رداً على هذا السؤال، يمكن القول إنه على الرغم من القواسم الروحية والتقارب الأقصى في الخط الفكري بين هذه التيارات والحشد الشعبي، لا تعتبر هذه الجماعات بأي حال من الأحوال أن وجودها مرهون برئاسة الحشد الشعبي.
إن وجود هذه الفصائل يقوم أساساً على محاربة الإرهاب والمحتلين الأجانب والدفاع عن الأمن القومي والسيادة الإقليمية للعراق. لذلك، كان طلب مقتدى الصدر خاطئاً بربط وجود هذه الفصائل بالهيكل التنظيمي للحشد الشعبي.
وفي هذا الصدد، نرى أن فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، أكد مؤخرًا أن الحشد الشعبي سبق أن وافق على طلب مقتدى الصدر زعيم فصيل الصدر، بتسليم أسلحة جماعات المقاومة إلى هيئة الحشد في غضون أشهر قليلة. حيث، في الأساس، لا تواجه الجماعات المسلحة مشكلة في تسليم أسلحتها بالكامل، لكن هذا لن يحدث إلا بعد تشكيل حكومة جديدة وانسحاب القوات الأمريكية من العراق.
وأوضح الفياض على صعيد آخر أن فصائل المقاومة لا علاقة لها بالحكومة والحشد الشعبي. والهيئة التنسيقية لجماعات المقاومة جبهة روحية تقوم بعمليات محددة. ولا تدخل بين الحشد الشعبي وهذه المجموعات. من تصريحات رئيس الحشد الشعبي، يمكن أن نقرأ بوضوح أن وجود فصائل المقاومة أساسه معارضة المحتلين، ولا يمكن أن يكون هناك أي تدخل بين هذه المجموعات والنواة المركزية للحشد الشعبي. في الواقع، قد تكون هناك قواسم مشتركة شخصية أو أمنية وقضائية بين عناصر الحشد الشعبي وقوى فصائل المقاومة، لكن لا علاقة مباشرة بينهم. لذلك، يمكن التأكيد بجرأة على أن مقتدى الصدر ارتكب خطأ استراتيجيًا في إعادة سرد الحقائق.
باسم الشعب العراقي وإرادة المحتل الامريكي
إن دعوة مقتدى الصدر لنزع سلاح فصائل المقاومة كشرط مسبق لمشاركتها في حكومة الحكومة العراقية الجديدة قد قدمت أكثر وكأنها من أجل المصلحة الوطنية للشعب العراقي والمواطن. لكن تجدر الإشارة إلى أن وجود هذه التيارات السياسية، كما أكد فالح الفياض، يعتمد بشكل أساسي على استمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق. وستستمر هذه التيارات السياسية طالما استمرت واشنطن وسياسات البيت الأبيض في تقوية الإرهاب ونشر انعدام الأمن في العراق.
في الواقع، في حال انسحاب المحتلين الأمريكيين، فإن وجود مجموعات المقاومة والطريقة التي ستستمر بها في العمل لا يتطلب صدور تصريحات مقتدى الصدر المثيرة للجدل.
مما لا شك فيه أن مطالبة مقتدى الصدر بنزع سلاح فصائل المقاومة كأحد شروطه المسبقة لمشاركة مجموعات المقاومة في الحكومة العراقية الجديدة يمكن النظر إليها باسم الدفاع عن المصالح الوطنية للعراقيين ولصالح حكومة الولايات المتحدة.
في الواقع، كان مطلب الصدر مطلبًا طالب به سياسيو واشنطن باستمرار في السنوات الأخيرة. على مر السنين، وقد بذلت واشنطن قصارى جهدها لنزع سلاح المقاومة باعتبارها أكبر عقبة أمام تنفيذ سياساتها الشريرة في العراق.
في هذا الصدد، حاولوا تمرير هذا المطلب من خلال الحكومة العراقية. مقتدى الصدر الآن يلعب بالكامل على الأراضي الأمريكية بمطالبه الغريبة وغير العقلانية. من ناحية أخرى، فإن تفضيل التحالف مع الحزب الديمقراطي، المدافع القوي عن استمرار الوجود العسكري الأمريكي على الأراضي العراقية، يقوض بشدة شعارات الصدر الداعية إلى الاستقلال والقومية.