الوقت - تواجه عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بعد انتخابات الشهر الماضي عقدة سياسية صعبة نتيجة احتجاجات مجموعة من الأحزاب السياسية الشيعية على النتائج المعلنة. وتتجه الأنظار في الوقت الحالي إلى إمكانية حل هذه العقدة لمقتدى الصدر زعيم فصيل سائرون، الذي حصل على 73 مقعدًا، وكان له أكبر عدد من المقاعد النيابية.
الصدر، الذي شدد في مواقفه الأخيرة على ضرورة تشكيل حكومة شاملة، رفع الآمال بين الحركات الشيعية الأخرى في إمكانية التوصل إلى اتفاق معه لتشكيل ائتلاف. وأعلن "إطار التنسيق الشيعي" عن وجود مشاورات حول إمكانية عودة الصدر إلى التحالف كخطوة أولى للتوصل إلى اتفاق. لكن في خطوة مخالفة للتوقعات، وضع مقتدى الصدر في خطابه المتلفز الأخير شروط إشراك القوى السياسية في عملية تشكيل الحكومة الجديدة، الأمر الذي جعل الوضع عمليا أكثر تعقيدا من ذي قبل.
وفي أحد أهم مصطلحات الصدر، دعا القوى السياسية المحتجة على نتائج الانتخابات إلى "التفكيك الفوري للمجموعات المسلحة وتسليم أسلحتها للحشد الشعبي من خلال القيادة العامة للقوات المسلحة". وأن "على الحشد الشعبي ان لا يتدخل مطلقاً بالسياسة".
في غضون ذلك، دعت كتائب حزب الله العراقي، الخميس، الصدر إلى تسليم أسلحة فصيله المسلح إلى الحشد الشعبي. وأثر هذا الطلب أعلن الصدر في بيان يوم الجمعة "كدافع حسن نية أعلن حل كتائب "اليوم الموعود" واغلاق مقارها. لواء اليوم الموعود هو جماعة مسلحة شكلها الصدر عام 2008 لمحاربة قوات الاحتلال الأمريكية. لكن مرة أخرى، بعد ظهور داعش وفتوى آية الله السيستاني، أعلن التنظيم استئناف نشاطه الجهادي ضد داعش. ولا يزال لدى الصدر جماعة أخرى تسمى سرايا السلام وهي جزء من الحشد الشعبي وهي رسميا جزء من القوات المسلحة العراقية وهي قوة قانونية.
الشروط ذات الأهداف المزدوجة
مما لا شك فيه أن الشروط التي وضعها الصدر لمجموعات سياسية أخرى، وخاصة الشيعية منها، يسهل رفضها. من ناحية، يبدو الأمر سهلاً، لأن المطالبة بتعبئة المليشيات والسلاح تحت سيطرة الحشد الشعبي مطلب أكده أيضًا قادة وتيارات الحشد المتنفذين وذوي الخبرة. لكن في الوقت نفسه، يصعب التحقق من ذلك بسبب تدهور الوضع الأمني في العراق في السنوات الأخيرة، لا سيما خلال أزمة صعود تنظيم داعش وبعد أن سعت قوات الاحتلال الأمريكي لإيجاد ذريعة للحفاظ على وجودها العسكري، من خلال إحياء قوة التنظيم لخلق حالة من عدم الاستقرار.
لقد أوجد ذلك وضعًا لا يمكن فيه بسهولة إدارة السلاح، وعلى سبيل المثال، يمكن للمعارضة اتخاذ إجراءات لتشويه سمعة الحشد وخلق توتر في الساحة السياسية بسهولة، وآخر مثال على ذلك كان هجومًا بطائرة بدون طيار على منزل رئيس الوزراء، لمنع ائتلاف الصدر وإطار التنسيق من التوافق.
بالطبع لا يمكن للصدر أن يجهل هذه الحقيقة، لذلك يجب اعتبار الشروط المعلنة أهدافا مزدوجة. فمن ناحية، يسعى الصدر إلى الاستمرار في إظهار وجهه المتصلب والمناهض للفساد والوطني من أجل الحفاظ على قاعدته الانتخابية، غير الراضية إلى حد كبير عن ظروف الإدارة السابقة للبلاد. وطلب تسليم العناصر الفاسدة للقضاء المستقل، وتسليم سلاح الجماعات المتشددة بيد الحشد الشعبي. ولكن بعد ذلك تعود رسالة الصدر إلى إعلان استعداده لتشكيل حكومة للجماعات الشيعية الأخرى والتحذير الذي قد يرسله إلى الأكراد والعرب السنة.
أولا، الصدر يدرك جيدا أن تيار المقاومة قوة جبارة في الساحة السياسية، وأن نتائج الانتخابات الحالية (حتى مع افتراض عدم حدوث تغيير في المستقبل) لا تعكس المكانة الاجتماعية والسياسية للمقاومة. في الواقع، بفضل النظام الانتخابي الجديد، استطاع فصيل سيرون أن يفوز بمقاعد أكثر، فيما من حيث الأصوات الشعبية فازت المجموعات التابعة لائتلاف فتح بأصوات أكثر. يقوم النظام الانتخابي الجديد على مبدأ التصويت الفردي أو نظام الفوز الفردي في الدوائر متعددة المقاعد، مما لا يسمح بنقل الأصوات كما في الماضي. وفقًا للنظام الانتخابي القديم (القائمة المفتوحة أو المغلقة)، يمكن توزيع الأصوات التي حصل عليها مرشح واحد على مرشحين آخرين من نفس الحزب، بحيث إذا كانت هناك حاجة، على سبيل المثال، إلى 5000 صوت للفوز بمقعد في البرلمان وأحد المرشحين إذا حصل على عشرة آلاف صوت يؤول الفائض إلى مرشح آخر من نفس الحزب. من ناحية أخرى، ينص القانون الجديد على عدم تحويل أصوات أحد المرشحين إلى مرشح آخر، مما أدى إلى خسارة عدد كبير من أصوات تحالف فتح.
يتكون ائتلاف الفتح من عدة أحزاب متنافسة، مثل منظمة بدر وصادقون وغيرهما. كل حزب اراد تسمية مرشحه في قائمة الفتح مما ادى الى خسارة الاصوات. في المقابل، فازت كتلة الصدر، على سبيل المثال، بأكبر عدد من الأصوات في محافظة القادسية بمرشح واحد فقط. وتمكنت مرشحة من نفس الدائرة من الفوز بمقعد من خلال أصوات النساء فقط. من ناحية أخرى، وبالنظر إلى عبء مشاكل العراق، فإن الصدر بالتأكيد لا يريد أن يتحمل مسؤوليات الحكومة بمفرده أو أن يتحمل كل اللوم عن أي فشل.
التفكير العقلاني والوطني هو أنه في سياق الأزمات العديدة في العراق، مثل تراجع ثقة الجمهور أو محاولة الولايات المتحدة تقويض العملية السياسية والبقاء العسكري في البلاد، يجب أن يكون نهج المشاركة القصوى مع بقية الجماعات السياسية على جدول الأعمال. من ناحية أخرى، يعلم الصدر أيضًا أن الأكراد والعرب السنة لن ينحازوا بسهولة إلى عملية تشكيل الحكومة وفقًا لرغباته ويسعون للحصول على أقصى قدر ممكن من التنازلات.
وتجدر الإشارة إلى أن عملية تشكيل الحكومة في العراق أكثر تعقيدًا بكثير من مجرد توزيع المناصب الوزارية. وذلك لأن العملية تنطوي على اتفاق واسع حول توزيع المناصب الرئيسية (ما يسمى الرتب الخاصة) في البيروقراطية الحكومية المؤسسات المالية المؤثرة مثل البنك المركزي.