الوقت- قال موقع إذاعة “فرانس إنفو” إن المغرب حشد مؤخرا إسبانيا لقضيته بعد الولايات المتحدة وألمانيا. وأضاف الموقع، إن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز هو الذي سيأتي إلى المغرب بنفسه للتصديق على هذه “المرحلة الجديدة” التي أثارتها مدريد، في 18 مارس 2022، من خلال الاصطفاف إلى الموقف المغربي بشأن الصحراء الغربية.
وتابع الموقع الفرنسي القول إن التحول في الموقف الإسباني بعد عام من القطيعة، تم الترحيب به في المغرب “كضربة دبلوماسية”. فقد قامت إسبانيا بتغيير جذري في موقفها من خلال دعم خطة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية التي اقترحتها الرباط في 2007، معتبرة الآن المبادرة المغربية “كأكثر الأسس جدية وواقعية وذات مصداقية” لحل النزاع.
و يقول الموقع الفرنسي، تبدو الجزائر العاصمة معزولة، كما يقول محللون، وتكافح الأمم المتحدة لإعادة إطلاق حوار سياسي معلق منذ عام 2019. منذ اعتراف واشنطن بـ “مغربية” الصحراء الغربية في ديسمبر 2020، مقابل استئناف العلاقات مع إسرائيل، تكثف الرباط جهودها لحث المجتمع الدولي على الاقتداء بالنموذج الأمريكي.
وينقل الموقع الفرنسي عن محللين تأكيدهم أن المغرب مصمم على تسوية للصراع الذي لا نهاية له في الصحراء الغربية والذي يعارضه الصحراويون المدعومون من الجزائر، حتى على حساب الخلاف مع حلفائه.
وفي السياق، لاحظت خديجة محسن فينان، أستاذة العلوم السياسية، أن “الهجوم الدبلوماسي المغربي يحدث في وقت تتجه فيه الأنظار إلى أوكرانيا. ويتم ذلك أيضا في نهاية عملية طويلة تتمثل في جعل المغرب نفسه لا غنى عنه للغربيين: الهجرة والتحليق فوق أراضيه والأمن ومحاربة الإسلاميين”.
وإثباتا لرغبته في تحرير نفسه من كل رقابة باسم مصالحه، لم يشارك المغرب في تصويتي الجمعية العامة للأمم المتحدة اللذين يدينان موسكو بسبب غزو أوكرانيا، من أجل تجنب إثارة حفيظة روسيا العضو في مجلس الأمن الدولي، بحسب محللين.
بينما أشادت تعليقات صحف مغربية بهذا الحياد "الحكيم"، رأى محللون أنه يدل على رغبة الرباط عدم استعداء روسيا العضو دائم العضوية في مجلس الأمن، الذي يتولى النظر في نزاع الصحراء الغربية.
لكن موقف الرباط أثار "إحباطا شديدا" لدى شركائها الغربيين، وفق مصدر دبلوماسي غربي "بالنظر إلى خطورة الاعتداء الروسي، وكذا التحالفات التقليدية مع البلدان الغربية، التي فضل المغرب بدلها التقارب مع روسيا".
وفي رد فعل أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استدعاء سفيرة بلاده في المغرب أوكسانا فاسييفا، معتبرا أنها "لم تكن فعالة" بما يكفي بل "كانت تضيع وقتها" في الرباط.
وسيقوم سانشيز بزيارة رسمية للمغرب "في موعد وشيك جدا" بدعوة من الملك محمد السادس، وفق ما أعلن بيان للديوان الملكي الخميس. وذلك بعدما ألغيت الزيارة التي كان مرتقبا أن يجريها وزير خارجيته خوسيه مانويل ألباريس الجمعة إلى الرباط.
جاء الموقف الاسباني الجديد من ملف الصحراء الغربية بعد أزمة دبلوماسية حادة، بسبب استضافة اسبانيا زعيم جبهة بوليساريو إبراهيم غالي للعلاج قبل نحو عام. واعتبر المغرب تغير الموقف الإسباني "إنجازا دبلوماسيا".
ويرى أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بالجامعة المستقلة لمدريد بيرنابي لوبيز "من دون شك أن هذا انتصار للمغرب على المدى القصير"، مستدركا "لكن من الصعب معرفة ما إذا كان تغير الموقف الاسباني سيكون له أثر ملموس".
ويضيف "يجب أن ننتظر لنرى هل سيكون هناك توافق جيد في المستقبل بين الرباط ومدريد، وهل سيساعد ذلك بلدانا أخرى على تبني" نفس الموقف.
يعمل النظام المغربي بقوة على حشد إسبانيا لمقترح الحكم الذاتي وذلك عن طريق تخفيف مراقبة الحدود وبالتالي فتح المجال أمام الآلاف لدخول إسبانيا عن طريق سبتة التابعة للمملكة الإسبانية، وهو ما كان حدث شهر ماي الماضي عندما اجتاز أكثر من 8 آلاف شخصا الحدود المغربية، أغلبهم من القصر وتسبب في أزمة سياسية بين البلدين.
ويطالب النظام المغربي أوروبا بأكملها بالاصطفاف خلف التحول الإسباني في قضية الصحراء الغربية، ولن يكون ملف الهجرة ورقة الابتزاز الوحيدة التي يملكها المغرب، حيث يشهر المغرب سلاح الجغرافيا فأي اضطرابات جنوب البحر الأبيض المتوسط ستؤدي إلى اللا أمن في كامل القارة العجوز، وهو تهديد صريح، خاصة أنّ المغاربة يتحدثون عن "محاربة الإسلاميين" وبالتالي تقليص تواجدهم بأوروبا، وهذا وحده من الممكن أن يجعل الأوروبيين يخضعون للابتزاز المغربي، وأكثر من ذلك ترى إذاعة “فرانس أنفو” أنّ المغرب يستعمل أيضا سلاح الأجواء المغربية، في إشارة إلى أنّ المغرب يهدد بطريقة غير مباشرة بإمكانية غلق الأجواء وهذا سيؤثر بشكل آخر على أروبا التي لها الكثير من المصالح في إفريقيا جنوب الصحراء.
وتدرك الرباط أنّ انزعاج الأوروبيين من بعض مواقفها السياسية ظرفية فقط، باعتبار أنّهم يحتاجون لها في أمور أهم، ولهذا يرى محللون أنّ النظام المغربي لن يتخلى عن هذه الطريقة، وقد أشار الموقع الفرنسي إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، والذي كان عبارة عن مقايضة، حيث تعترف الولايات المتحدة الأمريكية بأحقية المغرب في الصحراء الغربية مقابل التطبيع مع الصهاينة.
وفي ظل هذا التوتر بشأن قضية الصحراء الغربية وزيارة رئيس الحكومة الإسباني المغرب، يبدو أن الجزائر لا تقف مكتوفة الايدي وتتجه إلى مراجعة علاقاتها مع إسبانيا في قطاع الغاز وفي مجالات أخرى بعد تفاجئها بإعلان مدريد دعم خطة المغرب الخاصة بقضية الصحراء الغربية.
وفي سياق توتر دبلوماسي بين البلدين أعلنت شركة سوناطراك أنها لا تستبعد مراجعة أسعار الغاز المُصدّر إلى إسبانيا، فيما يتوقع مراقبون أن تليها إجراءات "عقابية" أخرى لما تعتبره الجزائر "خيانة".
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية يوم الجمعة 1 أبريل/نيسان 2022 عن الرئيس التنفيذي لشركة النفط والغاز الوطنية الجزائرية سوناطراك توفيق حكار قوله "منذ بداية الأزمة في أوكرانيا، انفجرت أسعار الغاز والبترول. وقد قررت الجزائر الإبقاء على الأسعار التعاقدية الملائمة نسبيا مع جميع زبائنها. غير أنه لا يستبعد إجراء عملية مراجعة حساب للأسعار مع زبوننا الاسباني".
هو موقف لم يُحدث المفاجأة كونه جاء بعد تصريحات رسمية سابقة عن الأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية، شكيب قايد، الذي قال خلال تواجده في العاصمة الإيطالية روما يوم الاثنين الماضي "من الواضح أن الجزائر ستراجع كل الاتفاقيات" مؤكدا أن إسبانيا لم تُبلغ الجزائر بما تعتبره "انحرافا في السياسة الخارجية لمدريد" وأضاف "نحن مندهشون للغاية من هذا التغيّر غير المبرر".
وتربط بين إسبانيا والجزائر اتفاقيات غاز "بعيدة المدى وبأسعار تفضيلية لأنها بكميات منتظمة وكبيرة" وبالتالي فإن تغيير السعر "سيكون صعبا" بحسب ما أفاد به الكاتب الصحفي علي بوخلف متحدثا لمونت كارلو الدولية ولكنه يتوقع أن الجزائر "ستطلب إعادة الاتفاقيات وتريد تطبيق ذلكن حسب الصحفية الإسبانية والمعلومات الموجود في جزائرية، ابتداء من 2024، أي بداية المحادثات حول اتفاقيات أخرى في المستقبل".
وفي نفس السياق ذكّر علي بوخلف أن الجزائر لم تُدرج إسبانيا في جدولها الجديد الخاص بالرحلات الجوية الدولية التي رفعت من وتيرتها مؤخرا، علما أنه كانت تربط أربعة مطارات بين الجزائر والمدن الإسبانية.
ولم يستبعد الكاتب الصحفي علي بوخلف صدور إجراءات "عقابية" أخرى من قبل الجزائر. فيما تحدثت صحف إسبانية عن قرار الجزائر مؤخرا وقف استقبال رعاياها من المهاجرين غير الشرعيين الذين ترغب إسبانيا بطردهم من أراضيها.