الوقت- هبت موجة من التظاهرات في العديد من المدن الفلسطينية المحتلة في الأسابيع الأخيرة احتجاجاً على اتفاق الغاز بين مجموعة نوبل انيرجي الأمريكية و شريكتها الإسرائيلية لما اعتبروه احتكاراً لهذا المورد، الإتفاق هذا لا يعد نافذ الفعالية حتى يعرض على لجنة الشؤون الخارجية في الكنيست التي ستصوت عليه بدورها و لكن تصويتها يبقى في النهاية استشارياً ليس الا . موجة الغضب هذه ليست بعيدة عن سلة القلق الإسرائيلي من توافق الدول الست مع ايران، فاكتشاف حقول غاز قبالة السواحل الفلسطينية المحتلة اسرائيلياً عزز القلق الإسرائيلي من انفتاح السوق الإيرانية و حركة التجارة معها، و بالتالي تخوف الكيان الإسرائيلي من أن يفقد نقطة قوة لديه في كسب تحالفات و دعم اقليمي و دولي، هذا التخوف هو ما عمل الكيان على اخفائه خشية التشكيك بالمبررات و الواقع المخيف التي عمل الكيان على فرضه اتجاه ايران.
أولاً: يباع الغاز في الكيان الإسرائيلي بأسعار مرتفعة نسبياً عما عليه الحال في باقي العالم، و تنتهج سياسة نتنياهو رفض بيع الغاز بأسعار معقولة، ليأتي اتفاق الغاز المزمع جريانه بين الشركتين كعامل اضافي سيحافظ على الوتيرة المتبعة في سعر الغاز المرتفع من جهة و محاولة للتغطية على الضربة الإقتصادية و السياسية المتوقعة للكيان بسبب الحركة التجارية و الإقتصادية مع ايران، فإيران تمتلك ثاني أكبر احتياط للغاز بعد روسيا، فمؤخراً جرى عقد اتفاق بين شركة الغاز الإيرانية و شركة توتال الفرنسية، و شركة تكنيب، و شركات أميركية، ويقول خبراء غربيون، إن شركات الطاقة العالمية ترغب في التعرف على تفاصيل عقود الاستثمار الجديدة في قطاع الطاقة الإيرانية، و كانت الحكومة الإيرانية قد أعلنت عن عقود جديدة تمنح حوافز ضخمة للشركات العالمية، التي ستستثمر في تطوير حقول النفط و الغاز.
وكان وزير البنى التحتية الإسرائيلي، يوفال شطاينتس، قد أبلغ الوزراء و المسؤولين الذين يشرفون على قطاع الغاز أن استعادة إيران قدرتها على تصدير الغاز بشكل طبيعي، يقلص من قدرة الكيان الإسرائيلي على استخراج الطاقة من حقول الغاز الفلسطيني المحتل، و من خلال إيجاد ظروف تجعل من الصعوبة على إسرائيل بمكان المنافسة في سوق الغاز، إلى جانب أن الأمر يعني المس بقدرة الكيان الإسرائيلي على تعزيز تحالفاتها القائمة أو بناء تحالفات جديدة عبر توظيف صادرات الغاز.
ثانياً: ضعف القدرة الإقتصادية للكيان الإسرائيلي يضعها أمام تحديات كثيرة يصعب مواجهتها، فهو يمس بالقدرة على تعزيز تحالفات جديدة عبر توظيف صادرات الغاز في كسب الدول لصالحها في مواجهة شعوب المنطقة و ضرب الإستقرار، و هو يقف حائلاً أمام امكانية تمويل مشاريعها العسكرية والتجهيزية في مواجهة حركات التحرر، و انتفاضة القدس أو الإنتفاضة المتجددة التي تحي حق الشعب الفلسطيني بإستعادة أرضه و هو ما يعد تحدياً لا يستهان به. و عليه تبنى تحركات الكيان الإسرائيلي في المنطقة من اتفاقية الغاز إلى مساعي بالضغط لعرقلة الإتفاق النووي، و هذا كله ما يرى فيه المستوطنين تعارضاً و تطلعاتهم في العيش على الأراضي المحتلة، و ضغوطات تجعلهم في الكثير من الأحيان يلئون فيه إلى خيار التفكير بالعودة إلى مواطنهم الأصلية، أو اللجوء إلى خيار التظاهر والإعتراض وهو ما أتخذ شكله الأخير في الأسابيع الأخيرة، فضلاً عن هذا كله، التخوف من يهود أوروبا حيال التوجيه العلامي بدعوتهم للمجيء و العيش على الاراضي الفلسطينية المحتلة.
وعلى الرغم من ميل الكيان الإسرائيلي للحفاظ على استقلاله العملياتي فإن تضارب مصالحه مع مصالح الغرب في المنطقة قد يقود إلى فرض قيود عليه حتى لو كانت هذه القيود من حرير، لا سيما و أنه يتلقى مساعدات عسكرية كبيرة، خصوصًا من الولايات المتحدة و ألمانيا الملتزمتين الحفاظ على تفوقه العسكري، و ليس مستبعَدًا أن تقبل في النهاية عروضًا أميركية بمنحه مظلة نووية لحمايتها في إطار تبديد مخاوفه المرضية التي لا علاج لها . فالسياسة الكيان الإسرائيلي إلى قضية الإتفاق الدولي على أنه شأن أمني و إستراتيجي و ليس قضية اقتصادية بحتة، فهو ينظر إلى الإتفاق على أنه يمنح إيران فتح احتياطيات الغاز الخاصة بها و لن يكون هناك مشتر للغاز الإسرائيلي .