الوقت- كشف التعاطي الغربيّ مع الحرب التي تشنّها روسيا على أوكرانيا حجم ازدواجية المعايير لدى المجتمع الدوليّ، وهذا ما أثبت للشعوب الشرقيّة والعرب بشكل عام والفلسطينيين على وجه التحديد مدى النفاق في التعاطي مع الدول التي شهدت حروباً وأزمات واحتلال وجرائم يندى لها الجبين وخاصة في العراق وسوريا وفلسطين التي تعاني الأمرين من الاعتداءات الإسرائيليّة، حيث طالبت السلطة الفلسطينيّة هبر وكالتها الرسميّة "وفا" بالتركيز على آثاره تلك الأزمة على الوضع في فلسطين والمطالبات بتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، في ظل الجنايات المروعة للاحتلال بحق الفلسطينيين في غزة المحاصر منذ عقد ونصف، ناهيك عن الإعدامات الميدانية في الضفة الغربيّة المحتلة منذ عام 1967، مع مواصلة سياسة الاستيطان والقتل المروعين بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة.
ازدواجيّة مقيتة
في ظل الاتهامات الدولية والحقوقيّة الكثيرة والمُثبتة لـ "إسرائيل" بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، والتي ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة، : استغرب الفلسطينيون من طريقة التعاطي الغربيّ مع الأزمة الأوكرانيّة وقيام دول غربيّة عدّة بتجنيد عدتها وعتادها لإرسالها نحو أوكرانيا لإنجاز مهمات مختلفة.
وتنبع الصدمة الفلسطينيّة من أنّ الدول الأوروبيّة قررت فرض عقوبات صارمة على الاقتصاد الروسيّ والعديد من مسؤولي البلاد ومؤسساتها الدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية، متناسية المنهج العنصريّ الذي يتبعه العدو الإسرائيليّ بحق أصحاب الأرض، ناهيك عن ممارسة الفصل العنصريّ والاضطهاد، دون تحريك أيّ ساكن من تلك الدول التي تتشدق بحقوق الإنسان والحرية والديمقراطيّة، وإنّ تلك الازدواجيّة سرعان ظهرت عندما دعت الولايات المتحدة والدول الأوروبيّة لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن بشأن "الغزو الروسيّ" لبحث الأزمة التي يواجهها من اختاروا أن يكونوا “مستقلين” وفقاً لتوصيف المندوب الألبانيّ في المجلس، فيما تداعى قادة حلف “الناتو” لبحث التطورات المحتملة.
وعلى الرغم من الشهادة الدولية القويّة والمحقّة على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة، إلا أنّ من دعم العصابات الصهيونيّة وساندها بمختلف الأدوات لم يحرك ساكناً حتى تجاه هذا الشعب الذي يطرد من أرضه بشتى الوسائل وبمختلف الأساليب والأسلحة، بيد أنّهم تحالفوا بشكل خارق وغير معهود للمضي باتخاذ إجراءات على كافة المستويات، مروراً بعقد جلسات متتالية لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، إضافة إلى أنّ المدعي العام للمحكمة الجنائيّة الدوليّة فتح تحقيق بشأن الأزمة الأوكرانيّة.
وإنّ التساؤلات التي أطلقها الفلسطينيون حول ازدواجيّة المعايير الغربيّة والأمريكيّة في التعاطي مع القضيّة الفلسطينيّ التي تُعد من أهم القضايا الدوليّة والإسلاميّة والعربيّة، والتي لم تُفرز حتى اللحظة في مساءلة "إسرائيل" على جرائمها المتعددة بحق الشعب الفلسطينيّ، وقد أشار عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، أنّه عندما يصبح اللون والدين والعرق هوية، تضيع القيم والأخلاق والإنسانيّة، مضيفاً أنّه عندما تُكال الشرعية الدوليّة بمكيالين تضيع العدالة ويسحق الحق وتستبد القوة، خاصة أنّ عشرات القرارات من الشرعية الدوليّة ضاعت وسُحقت أمام جبروت القوة وغياب التطبيق لها، وما زال الشعب الفلسطينيّ ضحية الاحتلال الصهيونيّ الغاشم وغياب العدالة.
والدليل الآخر على الغضب الفلسطينيّ من عدم التزام تلك الدول بالقوانين الدوليّة والإنسانيّة وحتى الأخلاقيّة، لِلجم العدوان الإسرائيليّ المتصاعد بحق الفلسطينيين في الداخل والخارج، هو الانتقاد الذي جاء على لسان مساعد وزير الخارجية والمغتربين الفلسطينيّ للأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة، السفير عمر عوض الله، قيام المنظمات الدوليّة والأمميّة باتخاذ مواقف فاعلة وسريعة تجاه أزمات آنية، بينما تمتنع عن اتخاذ مواقف حازمة تجاه "إسرائيل" وجرائمها التي امتدت لأكثر من سبعة عقود، ما يعكس حجم الازدواجيّة الغربيّة والأمريكيّة في التعامل مع ملفات أخرى.
إضافة إلى ذلك، إنّ الدول الأوروبية وغيرها أظهرت قدرتها على اتخاذ إجراءات لحماية المدنيين الأوكرانيين، حيث أدرك الفلسطينيون أنّ القضية ليست مرتبطة بالأدوات بقدر ما تتعلق بغياب الإرادة، حيث إنّ قواعد القانون الدوليّ واضحة في حال وجود جريمة دوليّة، خاصة أنّ الوقائع أثبتت الرغبة العارمة للإسرائيليين في الهيمنة على الفلسطينيين بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لصالح الإسرائيليين اليهود، حتى الصهاينة أنفسهم لا ينكرون ذلك، لأنّهم أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق منهج "القبضة الحديديّة" وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة، فمنذ يوم 14 أيار عام 1948، عندما صُنع هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادته قيد أُنملة، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب، بعد أن فرضه المستعمرون على العالم وعلى المنطقة، والتاريخ أكبر شاهد على الوحشيّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة.
"الكيل بمكيالين بقضية فلسطين يؤثر على النظام الدوليّ بشكل عام"، خاصة في ظل تغول نظام القطب الواحد على المنظومة الدوليّة، وفرض إملاءات قائمة على الترهيب والبلطجة هذا ما بيّنه المسؤول الفلسطينيّ الذي أكّد أنّ الانتقائية في التعامل مع معايير القانون الدوليّ ستؤثر على مكانة القانون ومؤسساته في العالم، فمن لا يقف مع الفلسطينيين الذين يتعرضون منذ 75 عاماً لاحتلال استيطاني استعماريّ، يمارس أبشع صور الفصل العنصريّ.
انتقادات لاذعة
بالتزامن مع ردود الأفعال السلبيّة التي تسببت بها الحرب الروسيّة على أوكرانيا، تداولت مواقع إخباريّة تصريحات للسياسي الإيرلنديّ، ريتشارد باريت، لفت فيها إلى أنّه خلال 5 أيام من الأزمة الأوكرانيّة فرضت دول كثيرة أشد العقوبات على موسكو، مقابل 70 عاماً لم تفرض فيها دول كثيرة أي عقوبات على "إسرائيل"، نتيجة اعتداءاتها على الفلسطينيين، كما نددت البرلمانيّة البريطانيّة، جولي إليوت، بالازدواجيّة في تعامل الدول الغربيّة مع أوكرانيا في المقارنة مع الوضع الفلسطينيّ.
“العالم يعاقب روسيا لغزو أوكرانيا، لكن الفلسطينيين يسألون لماذا لا نفعل شيئا لإنهاء الاحتلال الإسرائيليّ"، هذا ما ركّزت عليه تصريحات البرلمانيّة الأوروبيّة، في ظل حديث الإعلام العبريّ أنّ الفلسطينيين لا يخفون خيبة أملهم وإحباطهم من رسائل المجتمع الدوليّ المزدوجة، فعلى الرغم من أنّ تلك الازواجية ليست بجديدة أبداً وقد تعود عليها الشعب الفلسطينيّ، مع كل أزمة دوليّة تتدخل فيها الدول الغربيّة ضد الديكتاتوريّة.
وفي هذا الخصوص، أظهرت الأزمة الأوكرانيّة حقيقة مقاومة الفلسطينيين لعدوان الاحتلال الإسرائيليّ، خاصة أنّ ما يطلبه الفلسطينيون ومقاومتهم منذ عقد طويلة نفذه الغرب بسرعة لا مثيل لها بما يخص أزمة أوكرانيا، ولمواجهة أهداف عدوانية واحتلاليّة فرضوا عقوبات اقتصاديّة لا عد لها، وأغلقوا مجالهم الجويّ أمام رحلات الطيران الروسيّة، وقاطعوا الروس بشكل تام في المجالات الثقافيّة والرياضيّة خلال أيام معدودة، ناهيك عن المساعدات العسكريّة والأمنيّة الهامة في مثل هكذا ظروف.
ومع تكشف حقيقة "إسرائيل" الدمويّة التي تتستر على جناياته من خلال وسائل الإعلام العالميّة التي يدير اليهود الكثير منها، نشر عدّة فناني كاريكاتير عدداً من الرسومات التي تظهر ازدواجية المعايير في تعاطي المجتمع الدولي مع القضايا السياسية ذات الحساسية والاهتمام، والتي تتصدرها في الوقت الراهن الحرب على أوكرانيا، في وقت تحارب فيه تل أبيب بكامل قوتها المقاطعة التي تشنّها منظمات معروفة لمقاضاة وكشف وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ومنع إضفاء الشرعية على "إسرائيل"، وقد أقرّ الاحتلال مراراً بفشل جهود وزارة الشؤون الاستراتيجيّة بالقضاء على حركة المقاطعة العالميّة المناهضة لكيانهم العنصريّ، والتي ستساهم بشكل كبير في فضح قذارة ودمويّة الكيان الصهيونيّ، والتي يغضّ الغرب الطرف عنها.
ومن الجدير بالذكر أنّ البرلمانيّ الأيرلنديّ ساهم بقوة في تنظيم احتجاجاتٍ شعبيّة ضدّ الغزو الأمريكيّ للعراق عام 2003 بصفته رئيساً للحركة الأيرلندية المناهضة للحرب، وهو يدعو بشكل دائم إلى طرد السفير الإسرائيليّ من أيرلندا، وفرض عقوبات على تل أبيب بسبب معاملتها الوحشية للفلسطينيين ونظام الفصل العنصريّ، معتبراً أنّ جرائم الإسرائيليين توثق بشكل أدق من قبل اثنتين من أكبر منظمات حقوق الإنسان في العالم والعشرات من المنظمات غير الحكومية.
وفي الوقت الذي استعرض فيه البرلمانيّ الأوروبيّ جرائم "إسرائيل" خلال عقود من الاضطهاد الوحشيّ وغير الإنسانيّ والهجمات المتتالية على غزة والاستيلاء على الأراضي والمناطق والتطبيق المنظم للفصل العنصريّ، أوضح أنّ طريقة التعامل مع الفلسطينيين تتم على أنّهم "عرق أدنى"، مؤكّداً أنّ عدم فرض عقوبات على الإسرائيليين بسبب نظام الفصل العنصري بأنّه “نفاق”.
“هل ستدعمون هذه العقوبات؟”، سؤال واضح وصريح وجهه للغرب بالاستناد إلى تقارير منظمة العفو الدولية بجرائم الصهاينة المتعددة بحق الشعب الفلسطينيّ، والتي للأسف لم تدفع المجتمع الدوليّ لتحمل مسؤولياته بسرعة تجاه فلسطين، ومساءلة وتذكير الدول بالتزاماتها القانونيّة بموجب القانون الدوليّ، للجم خروقات الكيان المُعتدي التي تؤكّدها الأخبار الآتية من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة كل يوم.
"لن تفعلوا أبدا، والسؤال هنا لماذا؟"، وبالطبع لن يجيب أحد من الأمريكيين والغربيين على هذا الاستفسار المُحق، في ظل وضوح رغبة الكيان العارمة في قمع الفلسطينيين والسيطرة عليهم، حيث إنّ المنظمات الحقوقيّة الدوليّة لم تعد قادرة بالفعل على الصمت تجاه الجرائم الإسرائيليّة المنقطعة النظير والعنصريّة الغريبة الوصف، باعتبار أنّ السياسات الإسرائيليّة ساهمت في ارتكاب جرائم ضد الإنسانيّة لا حصر لها، في أعقاب المنهج العنصريّ بحق أبناء فلسطين وتصاعد إجرام العدو الوحشيّ الذي لا يكف عن ارتكاب أشنع الجنايات بحق الفلسطينيين.
في النهاية، إنّ السفير ريتشارد باريت منذ أعوام قليلة وجهة صفعة للسفير الإسرائيليّ بقوله: "ألستَ تُعاملنا أيُّها السفير كأغبياء!"، قائلاً إنّ الإسرائيليين يقومون بالاستيلاء على الأراضي الفلسطينيّة ويتوقعون من الشعب الفلسطينيّ أنْ يصمت ولا يحرك ساكناً، مؤكّداً إيمانه الكامل بأنّ هذا النظام العنصريّ يجب تفكيكه، وقد فضحت "إسرائيل" ساديّتها وعنصريّتها بنفسها من شدّة الجرائم التي ارتكبتها بحق الأبرياء، وخاصة أنّ جرائم الصهاينة المُحتلين لا يمكن أن تتوقف بحق الفلسطينيين والعرب إلا مع جديّة في التعاطي مع القاتل الباغي.